هل يعقد مجلس النواب اللبناني جلسته اليوم ويعدل الدستور (المادة 49) وينتخب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للجمهورية؟
المعلومات تفيد أن عقبات إقليمية ودولية دخلت على التقاطعات اللبنانية وأربكت القوى المحلية وأعادت خلط الأوراق. وهذه العقبات تنتظر اتصالات رفيعة المستوى حتى تتضح صورة المواقف السياسية والميدانية المؤجلة أو الموقوفة.
في حال كانت المعلومات صحيحة فمعنى ذلك أن لبنان دخل من جديد في دائرة الانتظار. ودائرة الانتظار تحتمل أكثر من تفسير، فهي إما أن تكون خطوة تمهد الطريق لدخول «غرفة العناية الفائقة» وإما خطوة تفتح له الطريق للخروج من المستشفى.
كيف عاد برلمان لبنان إلى دائرة الانتظار بعد أن اجتاحته موجة تفاؤل في الأسبوعين الماضيين؟ هناك أكثر من قراءة للتفاؤل كذلك أكثر من قراءة للتشاؤم.
بدأ التفاؤل حين أخذت الاتصالات الدولية والإقليمية تشتد وتتوزع على أكثر من جهة. الولايات المتحدة وجهت دعوة رسمية مباشرة إلى دمشق لحضور «مؤتمر أنابوليس» مع وعد أميركي ببحث ملف الجولان المحتل منذ العام 1967. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد وبحث معه موضوع الانتخابات الرئاسية اللبنانية ووعده بالانفتاح وتطوير العلاقات وفك العزلة. وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير فتح قنوات اتصال ميدانية مع فرقاء «8 أذار» وأكد لهم أن باريس تقف على مسافة واحدة من الجميع. العاهل الأردني عبدالله الثاني قام بزيارة غير متوقعة لدمشق وعقد قمة مع الرئيس السوري صدر بعدها ذاك البيان المشترك الذي يعطي دمشق ضماناتٍ ومواقعَ خاصة في المعادلة اللبنانية.
في المقابل ردت دمشق على المبادرات الإيجابية بخطوات وصفت بـ «الجيدة». فهي أوقفت حملتها الإعلامية/ السياسية على «مؤتمر أنابوليس» وعطلت عقد لقاء مضاد في دمشق حين وافقت على الحضور. وهي أوعزت إلى الجهات المتحالفة معها في لبنان ضرورة تخفيف الضغط والقبول بالتفاوض على أساس تعديل الدستور وانتخاب قائد الجيش.
كل هذا أعطى إشاراتٍ خضراءَ للكتل النيابية أن تتوجه إلى قاعات المجلس وتبدأ الحوار باتجاه ترتيب قنوات الاتصال الدستورية التي تزيل العقبات باتجاه الانتخاب.
على خط موازٍ ظهرت مؤشرات دولية وإقليمية باتجاه إيران. الولايات المتحدة أيضا أطلقت سلسلة تصريحات ايجابية بشأن تحسن الوضع الأمني في العراق ومدحت ضمنا دمشق وطهران وشكرتهما على دورهما في المساعدة على ضبط الانفلات الحاصل في بلاد الرافدين. كذلك أعربت واشنطن عن استعدادها لعقد لقاء رابع في بغداد لمعالجة الملف العراقي بالتعاون مع إيران. ولم يقتصر الموقف الأميركي على الملف العراقي وإنما اتسع ليشمل البرنامج النووي ودور إيران الإقليمي وموقعها في إطار الخليج. وتمثل هذا الانفتاح الدولي بتوجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الدوحة ومشاركته للمرة الأولى في إلقاء خطاب بمناسبة افتتاح قمة دول مجلس التعاون الخليجي.
خطاب أحمدي نجاد اشتمل 12 نقطة وتطرق إلى كل الملفات الأمنية والاقتصادية والتنموية إضافة إلى تطوير العلاقات ونقلها من إطار التبادل إلى الشراكة.
كل هذه الإشارات ساهمت في تخفيف الاحتقان الأهلي اللبناني وسهلت مؤقتا عملية انفتاح الكتل النيابية على بعضها. فتوجهت كتلة نبيه بري إلى قاعات البرلمان، كذلك كتلة حزب الله، وبعض المجموعات المحسوبة على كتلة الجنرال ميشال عون (نواب ميشال المر وحزب الطاشناق الأرمني وكتلة مدينة زحلة). وشكّل التجاوب المحلي المذكور تلك المرآة المحلية لوجود «شيء ما» يتم طبخه إقليميا ودوليا ويتعدى في استهدافاته الجغرافيا اللبنانية.
دمشق مثلا كانت تنتظر صدور التقرير التاسع عن لجنة التحقيق الدولية بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وكل جرائم القتل والاغتيال التي سبقته أو رافقته أو أعقبته. وجاء التقرير خاليا من الأسماء والاتهامات وأقلَّ من العادي. واعتبرت الخطوة إشارة إيجابية باتجاه التمييع أو التأجيل أو المماطلة في الملف. طهران أيضا كانت تنتظر نتائج اجتماعات اللجنة الدولية في لندن وباريس للبحث في المشروع النووي وإمكانات تطوير العقوبات من طريق صدور قرار ثالث عن مجلس الأمن. وجاءت الاتصالات الدولية لتؤكد وجود عقبات تعترض طموحات أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى الدفع بهذا الاتجاه نظرا إلى تلك الممانعة التي أبدتها الصين مدعومة من روسيا. كل هذه العلامات وجهت رسائل تطمين إلى القوى اللبنانية البرلمانية واعتبرتها إشاراتٍ خضراءَ يمكن التعامل معها بإيجابية للذهاب اليوم (الثلثاء) إلى المجلس النيابي وتعديل الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية.
صدمة التقرير
فجأة تعطلت المسارات وعاد الضوء إلى الأحمر والأصفر ليسد المنافذ والطرقات وأخذت الكتل البرلمانية تصعّد مواقفها وتعيد التذكير بشروطها واعتراضاتها. الجنرال عون هدد باللجوء إلى خيار التقسيم (الفيدرالية) وإعادة النظر في اتفاق الطائف، وبدأ الحديث عن المثالثة وتقصير مدة ولاية الرئيس والاتفاق على قانون جديد للانتخاب. وشكّل هذا الاعتراض نقطة تقاطع جذبت نحوها اتجاهات أطلقت شعارات ايديولوجية استندت إلى فكرة «الانتصار». فالمنتصر لماذا يقدم تنازلات إلى المهزوم؟ وإذا كان المنهزم مضطرا للتراجع والتفاوض وهو على عجلة من أمره؛ لأن وضعه الدولي والأقليمي انهار أو في طريقه إلى الانهيار، فلماذا يريد المنتصر أن يسهل أموره ويساعده على البحث عن مخارجَ تنقذه من ورطته؟
شكلت فكرة «الانتصار» التي استندت إلى تحليلات وقراءات دولية وإقليمية وجوارية ومحلية إشارة حمراءَ عطلت قنوات الاتصال وأسست حسابات جديدة قد تؤدي إلى تأجيل جلسة الانتخاب اليوم إلى موعد آخر. ولكن المسألة أبعد من ذلك وهي في جوهرها تتعدى الجغرافيا اللبنانية وتتصل بخطوطها البعيدة بتلك الملفات الساخنة التي قيل إنها وضعت في الثلاجة لتبريدها حتى يصار إلى معالجتها لاحقا. الملف الفلسطيني مثلا توتر مجددا بعد تلك القرارات التي اتخذتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بتوسيع المستوطنات وبناء وحدات سكنية جديدة في القدس المحتلة. والملف العراقي الذي استقر نسبيا ينتظر بدوره ذاك اللقاء الأميركي - الإيراني الرابع في بغداد حتى تستكمل الأطراف وضع جدول زمني لتفكيك آلياته. إلا أن العامل الأهم في تلك الانقلابات التي عطلت الشاشة السياسية اللبنانية كان صدور تقرير المخابرات الأميركية المشتركة وإعلانه توقف الجانب العسكري من الملف النووي عن العمل منذ العام 2003.
تقرير المخابرات الأميركية شكّل صدمة مزدوجة فهو يعتبر السبب الأقوى في تعطيل إشارات المرور الدولية والإقليمية والمحلية. فالتقرير اعتبره المراقبون صفعة لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بينما اعتبره الرئيس الإيراني «انتصارا للأمة». وبين «الصفعة» و «الانتصار» تجمدت حركة السير باتجاه المجلس النيابي. فالصفعة تعني أن خيار اللجوء إلى القوة العسكرية تراجع إلى المربع صفر. كذلك تعني أن إمكانات تطوير الضغط الدبلوماسي انهارت ولم يعد بإمكان فريق «الواقعية السياسية» في واشنطن تكتيل القوى الدولية باتجاه الموافقة على رفع العقوبات اعتمادا على قرار ثالث يصدر عن مجلس الأمن. والانتصار يعني أن إيران أصبحت في موقع أفضل من السابق بعد أن تراجعت احتمالات الحرب، وهي تستطيع تحسين شروط التفاوض مع الجانب الأميركي على مستويات مختلفة من الخليج والعراق إلى فلسطين ولبنان. وحين تكون واشنطن في موقع سلبي لا تستطيع الذهاب بعيدا في مناورة خيار القوة العسكرية ولا تستطيع الضغط بمشاركة الحلفاء لتطوير العقوبات الدبلوماسية فإنها تصبح مضطرة للتفاوض السياسي. السياسة هي البديل أو الخيار الثالث بين الفشلين العسكري أو الدبلوماسي.
هذا الأمر ظهرت بوادره الأولى في مشهدين: الأول مؤتمر «حوار المنامة» الذي قررت طهران عدم حضوره في اللحظات الآخيرة، وأدت المقاطعة إلى انفعال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ودعوته إلى تشكيل درع صاروخي خليجي لمواجهة الخطر الإيراني على دول المنطقة. الثاني تعثر جلسة النواب التي كان مقررا أن تعقد اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية بعد تعديل الدستور من خلال المرور بالحكومة اللبنانية. تعطل إشارات المرور وعودة الضوء من اللون الأخضر إلى الأصفر أعاد لبنان مجددا إلى «غرفة الانتظار» ومدد فترة «الفراغ الهادئ» أو «الفوضى المنظمة». فهل تنفك العقدة اليوم ويحصل الانتخاب أم تتأجل الجلسة إلى موعد آخر؟ اللون الأصفر يعني منطقة وسطى تتردد إشاراتها بين الأحمر والأخضر.
الاحتمالان واردان ولكن المرجح أن يبقى البلد الصغير على خط الانتظار (الأصفر) إلى فترة إضافية حتى تتضح معالم طريق دولي وإقليمي متعرج الخطوط ويتقاطع في أكثر من مكان على طرق المواصلات الأهلية اللبنانية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1922 - الإثنين 10 ديسمبر 2007م الموافق 30 ذي القعدة 1428هـ