العدد 1921 - الأحد 09 ديسمبر 2007م الموافق 29 ذي القعدة 1428هـ

ديوان الرقابة الإدارية عون لبرامج الحكومة فلماذا الخشية منه؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انبثقت فكرة الرقابة الإدارية من ميثاق العمل الوطني إذ نص الفصل الثالث منه على وجوب أنْ يصاحب الانفتاح الاقتصادي تغيير في تفكير الإدارة العامّة نحو تبسيط الإجراءات والشفافية والقضاء على التداخل في المسئوليات وتحسين مستوى الخدمات، وأن تحكم كلّ ذلك معايير النزاهه وتكافؤ الفرص. ولتفعيل هذه المبادئ نص الميثاق على ما يلي:

«من أجل تفعيل أدوات الرقابة المالية والإدارية وزيادة شفافية العمل في إدارات الدولة كافة يصبح من اللازم إنشاء ديوان للرقابة المالية وآخر للرقابة الإدارية». وتأتي أهمية نص ميثاق العمل الوطني على لزوم إنشاء ديوان للرقابة الإدارية منفصلا عن ديوان الرقابة المالية في السياق الآتي:

- مقدمة الميثاق الصادرة من جلالة الملك أكّدت أنّ ميثاق العمل الوطني مرجع للمسيرة الوطنية، يستكمل على أساسه تحديث مؤسسات الدولة وسلطاتها التشريعية وتنجز فيه كلّ مرحلة ما يراه جلالته متماشيا مع تطلعات المواطنين. فالميثاق هو دليل عمل المستقبل والأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها القانونية التي تكفل تقدمها (المذكرة التفسيرية للدستور ص 10).

- إن ميثاق العمل الوطني بحسب المذكرة التفسيرية للدستور ذو قيمة قانونية ملزمة لواضعي الدستور ومن ثم وجب أنْ يتقيّد به المشرع الدستوري والمشرع العادي على حدٍ سواء. وحيث أنه الأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها القانونية تمشيا مع تطلعات المواطنين ممثلة في السلطة التشريعية بغرفتيها والتي توصلت إلى قناعة بأهمية وجود ديوان للرقابة الإدارية مستقل، كما نص عليه الميثاق، فإنّ التحفظ من أية جهة على هذا الخيار يخالف المبادئ التي نص عليها الميثاق ودستور ممكلة البحرين.

و إدراكا من الإدارة الملكية السامية لأهمية تفعيل هذه المبادئ تشكلت لجان لتفعيل مبادئ ميثاق العمل الوطني من ضمنها لجنة فرعية شكلت بقرار من سمو ولي العهد لوضع مشروع قانون ديوان الرقابة الإدارية حيث قامت في يوليه/تموز من العام 2001م بإعداد مشروع قانون الرقابة الإدارية، وترأس هذه اللجنة الوزير حسن فخرو وعضوية الوزيرعبدالحسين ميرزا ،وكاتب هذا المقال وآخرون من ذوي الاختصاص.

وايمانا من القيادة السياسية بأهمية الرقابة الإدارية صدر مرسوم أميري في العام 2002م بتشكيل لجنة للتطويرالإداري، والرقابة المالية والإدارية في الجهاز الحكومي في الدولة برئاسة محمد بن عبدالله آل خليفة انيطت بها مسئولية دراسة ووضع سياسات وبرامج عمل تقوم على قيم عمل محددة لتطوير العمل بإدارات الخدمة العامّة لرفع الكفاءة الإنتاجية وتحسين الجوة والإنضباط الوظيفي وإرساء مبادئ الشفافية و النزاهه في العمل الإداري وتحقيق العدالة بين موظفي الدولة.

وإدراكا من الحكومة بالحاجة للتطوير الإداري وجه مجلس الوزراء في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2001م إلى ضرورة تفعيل أجهزة التفتيش الإداري للتحقق من كفاءة مستوى الأداء وتبسيط إجراءات العمل وتحقيق الشفافية والنزاهه والعدالة في العمل الحكومي لكون التسيّب الإداري هو الحاضنة الرئيسية للفساد المالي. على هذه الخلفية أقر مجلس الشورى في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2003م مقترحا بقانون ديوان الرقابة الإدارية وتمت إحالته للحكومة بتاريخ 11 مايو/ أيار 2004م والتي قامت بدورها بدراسته وأحالته إلى مجلس النواب والذي لم يتمكن من الإنتهاء من دراسته خلال الفترة المتبقية من الفصل التشريعي الأول. وتناغما مع الإحساس الشديد بأهمية وجود رقابة إدارية وافق مجلس الشورى في الفصل التشريعي الثاني على مقترح القانون وأحاله إلى الحكومة.

ومن خلال الآراء التي تناولتها الصحف مؤخرا تجري محاولات من بعض الأطراف لوأد هذا التوجه الإصلاحي بحجة دمج الرقابة الإدارية مع الرقابة المالية وذلك في خلط واضح بين المهمتين، ومحاولة لتذويب الاول في الثاني، في حين أن عامل توازن السلطة بفرض استقلالية الجهازين لصالح الأهداف العامة لمهمة التدقيق من المتفق عليه علميا وعمليا أن التدقيق الإداري ليس هو التدقيق المالي. فالمهام الوظيفية مختلفة وكذلك التأهيل العلمي والتدريب المهني للمدقق الإداري الذي يختلف تماما عن متطلبات التأهيل للمدقق المالي.

فحيث يهتم المدقق المالي بمدى التقيد بالأنظمة المالية كقانون الميزانية والدليل المالي الموحد وطريقة استخدام الموارد والتدقيق على المصروفات والعائدات للتأكد من سلامة إدارتها، وهذه مهمه كبيرة، تهتم الرقابة الإدارية بتحسين الإدارة العامة كتطوير إجراءات العمل والتقليل من البيروقراطية والتأكد من سلامة وسرعة إصدار التراخيص والتركيز على خدمة الزبون، وكشف السلبيات واقتراح أساليب العمل المناسبة والهيكلة وقياس فعالية البرامج الحكومية كبرامح التدريب، والتأكد من تنفيذ القوانين المتعلقة بالكفاءة والمساواة بين الموظفين على أسس الجدارة، حيث يصبح النجاح في هذا المضمار مؤشرا على انحسار الفساد و بالعكس.

إنّ حاجتنا إلى رقابة إدارية لا تحتاج إلى دليل أو برهان، ففي استفتاء أجرته صحيفة الوسط قبل عامين صوّت 98 في المئة لصالح الرأي القائل أنّ غياب الرؤية وسوء الإدارة سبب لتردي الوضع الاقتصادي. وكما عبّر عنه سمو ولي العهد أمام منتدى جدة الاقتصادي قبل بضع سنوات، فإنه ليس أضر على الاقتصاد والتنمية من الفساد الإداري. وعلينا تصور حجم هذا الفساد إذا كانت 24 في المئة فقط من التعيينات الحكومية تتم على أساس الكفاءة والبقية على أسس غير عادلة وذلك بحسب استطلاع أُجري العام 2002م، مما يعني ضرورة إعادة تقييم لكثير من الممارسات الإدارية والأخذ بمبدأ الثواب والعقاب، حتى لا ينطبق علينا المثل القائل «مَنْ أمن العقاب أساء الأدب».

لقد خلص التقرير النهائي الذي أعدته لجنة التطوير الإداري المشار إليها أعلاه من خلال الدراسات التي أعدتها جهات استشارية مكلفة من قبل اللجنة إلى كثير من الاستنتاجات نورد منها ما يلي:

أ‌ - بطء تقديم الخدمة في كثير من الجهات الحكومية وعدم وضوح الإجراءات وتعقيدها.

ب‌ - ضعف الأداء بشكل عام وإغفال الرد على شكاوى واستفسارات المراجعين.

ج - عدم كفاءة برامج التدريب.

د - عدم وضوح الأهداف و البرامج و الخطط.

إنّ مبررات الإصلاح الإداري لا تحتاج إلى مزيد من البراهين، فالتلوث البيئي والاختناق المروري الذي يدق غياب التخطيط ناقوس خطره وانحدار مستوى الخدمات، وحادث غرق العبّارة في العام الماضي جميعها أدلّة على انحدار الإدارة، وغياب الرقابة على التنفيذ، وضعف التنسيق بين الأجهزة المعنية، والتسيّب. فعدم وجود سجلات بمؤهلات قبطان السفينة لدى شئون السياحة وسجل لدى الشركة السياحية المنظمة بأسماء الركاب وعناوينهم، وتوافر قوراب الإنقاذ وأجهزة السلامة كلها دليل على ضعف الأداء. والتحقق من هذه الأمور لا يمكن تركه لحين وقوع الكارثة، عملا بطريقة رد الفعل Reactive. ولمن يعملون على إذابة الرقابة المالية بدمجها نقول، إنّ الإصلاح الإداري بالمفهوم أعلاه ليس بالطبع تدقيق مالي.

إنّ وأد الرقابة الإدارية بإذابتها في الرقابة المالية بذريعة توفير الموارد أمرٌ لا يستقيم. فالخسارة في غياب التدقيق الإداري تكون أكبر على المدى البعيد. كما أنّ التوفير المزعوم لا يمكن تحقيقه إلا إذا تخلى أحد الديوانين عن مسئولياته لكون المعلومات المطلوبة من الجهات الحكومية لأغراض التدقيق المالي تختلف في طبيعتها عن المعلومات المطلوبة لأغراض التدقيق الإداري. من جهة أخرى فإن اتساع نطاق عمل الرقابة الإدارية لا يتحمل دمجه مع الرقابة المالية التي تنحصر مسئولياتها في الرقابة والتدقيق المحاسبي. فاندماج مسئوليات غير متجانسة سيربك بلا شك عمل الجهازين معا. لهذه الأسباب عمدت الدول المتقدمة التي تتمتع بقدرٍ كبير من الشفافية إلى فصل المهمتين.

إن البحرين كانت سبّاقة في الأخذ بالإدارة الحديثة العام 1919م عندما أسست البلدية وإدارة الطابو تبعها تأسيس الإدارات الأخرى العام 1926م باستقدام المستشار تشارلز بلجريف. واستمرت كذلك بعد الاستقلال العام 1971م إذ استقدمت الخبراء لإعادة تنظيم الإدارة العامّة، فقيادتنا السياسية أدركت منذ زمن طويل أنّ إصلاح الإدارة العام هو المدخل الأساس للإصلاح الاقتصادي. وأن التقييم والتدقيق مفتاح لتحسين الأداء.

إننا نقف الآنَ أمام مفترق طرق، فإمّا الإمساك بزمام الريادة، أو تحويل الكبوة التي نعيشها إلى كوم ليس لنا من بعدها أن نفيق، -والعياذ بالله-. وأتمنى ألا تدخل الإدارة العامّة في مملكتنا الحبيبة مرحلة الكوما على أيدي ممثلي الشعب هذه المرة برفضهم لقانون يراقب الأداء ويسعى إلى تطويره.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1921 - الأحد 09 ديسمبر 2007م الموافق 29 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً