مساء أمس الأول وقبل أن أنام، فتحت «مجمع البحرين»، وهو كتاب لغة من مجلدين كلٌ منهما يقع في 600 صفحة، أبحث عن كلمة «فلفل»، أو «ثلثل» أو «بزار»، فلم أجد ما يروي الفضول.
في الصباح، لجأت إلى «المنجد في اللغة»، فأنجدني بمعلومات أشرك القرّاء متعة معرفتها، فالفلفل شجرةٌ من فصيلة «الفلفليات» أصلها من الهند، ثمرها شديد الحرافة، يستعمل في تطييب الطعام. وهناك نوعٌ آخر يسمى «الفلفل الكاذب»، من فصيلة «البطميات»، أصله البيرو، يُزرع للتزيين في المناطق الحارة. أما «الفلفلية» فمن فصيلة «الباذنجانيات»، تؤكل خضراء وتُحشى وتُطبخ، وهي نوعان، عادي وحرّيف، والثاني طبعا هو المؤكد استخدامه في بعض الدول لإسالة الدموع والأنوف! وفي الصفحة نفسها من المنجد أيضا، فلفل القوم: «انصرفوا واحدا بعد الآخر»... بعد ضربهم طبعا بـ «مسيلات الدموع»!
الآن... أكتب وعلى الطاولة أمامي عبوتان فلفليتان جميلتان من المعدن الصلب، استخدمتا قبل أشهر في منطقة الديه والسنابس، أحضرهما بعض الأهالي لـ «الوسط»، عليهما عبارات انجليزية، بينها اسم الشركة وموقعها الالكتروني، (حاولت فتحه من باب الفضول الصحافي لمعرفة منتجاتها الحضارية فلم يفتح للأسف)، مع تحذيرات بشأن طريقة الإطلاق من مسافة محدّدة، باستخدام بنادق معينة، على أيدي ضباط شرطة أو أشخاص متدربين جيدا.
إذا كانت السالفة مجرد «فلفل مطحون»، فلماذا كل هذا التعب والبنادق والأشخاص المدرّبين؟ لماذا لا يوزّع الفلفل في شكله الخام الطري على المواطنين من مختلف المناطق ومن دون تمييز؟ وإذا ثبت علميا أنه لا يضر الإنسان، بل له فوائد صحية كثيرة، من تنظيم الدورة الدموية وتنقية الدم وعلاج السكر وضغط الدم والتهاب المفاصل، فلماذا يقتصر توزيعها على بعض المناطق دون غيرها؟ ولماذا لا يضيفون إليها شيئا من الزعتر والحبّة السوداء؟
العبوتان صار لهما على طاولتي نصف ساعة، وقد بدأت أحسّ بالحكة في عيني وأنفي، على رغم أنهما فارغتان من الفلفل منذ أشهر، بينما تقول وزارة الداخلية للجنة «الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني» بالبرلمان إن مفعول هذا «الفلفل الطبيعي المطحون» مؤقت، ولا يسبب أية أضرار، وبالتالي فإن كل ما يقال عن تسبّبه في الدوار والعطس والاختناق والتقيؤ واضطرابات المعدة والشعور بالإغماء... كلها مجرد ادعاءات ودعايات مغرضة، وهي مادة طبيعية تماما لا يستمر تأثيرها غير لحظات، وليست مواد كيماوية محرمة دوليا أو إقليميا أو محليا!
رحم الله الوالد، ففي منتصف التسعينيات، كان ذاهبا لصلاة الجمعة في جامع رأس الرمان، وبعد الصلاة وبينما كان المصلون يهمون بركوب سياراتهم، فوجئوا بهجومٍ من أشخاص «مدربين جيدا» كما يبدو، أمطروهم بوابل من عبوات «الفلفل المطحون»، وكان من نصيب الوالد رحمه الله، شظية رصاص أصابت إصبع قدمه، ظل يشكو منها حتى وفاته في نوفمبر 2004، إضافة إلى عبوةٍ معدنيةٍ لطيفة اخترقت زجاج سيارته، وظلت الرائحة فيها قوية تهيّج الأنف لعدة أشهر.
اليوم، نصف شعب البحرين أدمن استنشاق «الفلفل»، وخصوصا المناطق ذات الحساسية السياسية، من مناطق المحرق وفريق الفاضل والنويدرات في الستينيات، إلى المخارقة والنعيم في الثمانينيات، إلى سترة وبني جمرة والسنابس والدراز والبلاد القديم في التسعينيات... تحقيقا لشعار «فلفلة لكل مواطن»، لنصبح الدولة الخليجية الأولى ودون منافس، في تكريم شعبها بتوفير حصته اللائقة من الفلفل المطحون!
اقتراح برغبة «شديدة جدا»!
خمسين سنة فلفل! عاد جربوا شي غير، نكهة أخرى! طعم ثاني! دبحتونا كله فلفل مطحون! جربوا بطعم التفاح، الفراولة، المعسل!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1921 - الأحد 09 ديسمبر 2007م الموافق 29 ذي القعدة 1428هـ