يظن البعض أن كثيرا من المشروعات الاقتصادية العملاقة وخصوصا السياحية منها والقرى السكنية السياحية الخاصة ولعددها الكبير التي تبنى وتقام في مملكة البحرين تعكس الحال الصحي السياسي والاجتماعي لحال البلد، وقد نرى صحة ذلك وأن تلك المشروعات دليل الاستقرار السياسي والاجتماعي ومن ثم الاقتصادي لجذب الكثير من المستثمرين الدوليين وخصوصا الخليجيين، إلا انه مع الأسف جميع تلك المشروعات ليس لها مردود ملموس في الواقع على أفراد المجتمع (المواطنين البسطاء) وهذا ما يلمسه الكثير منهم وحتى الاقتصاديون المهتمون بهذا الشأن وإنما تزيد من رصيد الطبقة الثرية فقط. وفي ضوء ذلك نستعرض أهم تلك العوامل والأسباب التي أدت إلى النجاح الاقتصادي للدولة ومقارنته بالإخفاق اجتماعيّا:
* العامل الأول/ وهو أساس نجاح الدَّولة اقتصاديّا وجذب السيولة والمستثمرين يكمن بتوفيرها أراضي لكبار المستثمرين لهدف إنشاء مشروعاتهم، ومنها السياحية تحديدا التي أقيمت في الأرض والمياه الإقليمية للدولة، وهذا المطلب أساس لأي مستثمر يدفعه لإنشاء مشروعات ضخمة، وفي المقابل لهذا العامل هنالك أثر سلبي كبير حيث إنه لم يراعِ الحال الاقتصادية للمواطن البحريني إذ إنه مع توفير الدولة أراضي شاسعة للمشروعات الاقتصادية، قلصت بالمقابل حصة المواطن بحقه في المشروعات الاسكانية مع العلم بالأزمة الاسكانية التي تعانيها وليس ذلك فحسب إنما ارتفاع العقارات المهول مع تطبيق القانون المثير للجدل وهو السماح للخليجيين تملك العقارات كحال إخوانهم المواطنين وليس هذا فقط إنما السماح بتملك الأجانب كذلك وبهذا ارتكبت الدولة خطأ كبيرا بحق المواطن متناسية وضعه الاقتصادي ومحدودية مساحة الدولة وعدم وجود أراض لبناء مدن في الوضع الحالي بسبب تحويل البلد أرضا وبحرا إلى منطقة استثمارية مفتوحة لأصحاب الرساميل بالاضافة إلى تعثر مشروع المدينة الشمالية والزيادة الرهيبة في السكان ناهيك عن تبعات التجنيس العشوائي وما سببه من أمور سلبية بالغة الأثر في المستقبل القريب.
* العامل الثاني: توفير البُنى التحتية لجميع المشروعات الاقتصادية لكبار المستثمرين من شبكات ومحطات كهرباء ومياه وشبكة طرق للمنتجعات السياحية تحديدا وغيرها مشاركة للمواطنين بخدماتهم، حيث تتكفل الدولة بتسهيل جميع الأمور للمستثمر، وعلى رغم ذلك لم يستفد المواطن العادي بشيء حيث تتقلص موازنته في البنى التحتية وغيرها ناهيك عن أن مشكلة الكهرباء في البحرين مشكلة مزمنة بدت تطفو للسطح في السنوات الأربع الأخيرة وليس ذلك بسبب الازدياد السكاني فحسب إنما بسبب المشروعات الكبيرة التي تستهلك لوحدها نسبة كبيرة من خدمات الكهرباء والماء وأخرى ناهيك عن تقطع المياه وشبكة الطرق التي لولا المشروعات الاقتصادية لما بدأت الدولة بثورة في مجال البنى التحتية.
* العامل الثالث: بعد كل المزايا والهبات والمنح والتسهيلات الكبيرة التي تقدمها الدولة عبر مؤسساتها من أراض وتسهيلات مصرفية وغيرها، ماذا جنت من ذلك؟ هل المقصود بزيادة الاستثمار هو زيادة الدخل الوطني؟ وهل الدخل يأتي من القرى السياحية الخاصة؟ أم هل يستطيع أي مواطن عادي تملك منزل بها؟ أم أنها لتوظيف المواطنين والقضاء على البطالة؟ ونفرض أن جميع الأمور السالفة الذكر صحيحة ولكنها لا تضيف شيئا كبيرا إلى خزينة الدولة أو تنهي القضايا العالقة والمزمنة بها، فالتوظيف كما نرى في تلك المشروعات السياحية بحكم الواقع وللعيان للأجانب نسبة وحصة كبيرة ولعدة عوامل بسبب رخصها كما يظن أصحاب تلك المشروعات ولخبرتها أيضا. فإذن لم تستطع الدولة معالجة البطالة لديها بشكل كبير إن ظنت أن تلك المشروعات ستساهم في حل المشكلة.
* العامل الرابع والأخير: عدم تمتع المواطنين بتلك المشروعات وخصوصا الترفيهية السياحية منها بسبب ارتفاع أسعارها وعدم ملاءمتها للمواطن العادي، حيث لا يستطيع دخولها إلا المواطنون الميسورون وعددهم قليل بالنسبة إلى باقي المواطنين، إلى جانب أخذ المشروعات مساحة كبيرة من الدولة من دون استفادة أو تمتع المواطن فيها.
ونحن مع الدولة في أنها نجحت اقتصاديا في جذب المستثمرين وإيجاد بيئة خصبة لهم مع تيسير جميع الخدمات لهم وبمنافسة كبيرة مقارنة مع دول الخليج العربي، في المقابل عجزها عن مشاركة المواطن في تلك النجاحات ومن دون مراعاة البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن البحريني، ومن خلال وجهة نظرنا المتواضعة نطرح مرئيات نراها مناسبة وتساعد على التخفيف من حجم المشكلات الاجتماعية الاقتصادية التي تهم المواطن تحديدا في مشروعات الدولة لخلق ثقة مشتركة فيما بينهما وهي كالآتي:
1 - على الصعيد الإسكاني نتناول عدة حلول:
* وقف العمل بقانون السماح للخليجي والأجنبي تملك العقار بالدولة لأن أضراره السياسية قبل الاقتصادية كبيرة جدا، حيث انه وسع حجم الهوة بين الطبقات وآثاره سيعاني منها المواطن البسيط سنون مقبلة بسبب خيالية الأرقام التي أحدثها هذا القانون الذي لم يراعِ مساحة الدولة، وهذا من شأنه خفض أسعار العقارات ولجمها من جهة والتخفيف عن كاهل المواطن من جهة أخرى.
* شراء واستملاك الدولة البيوت القديمة تحديدا والأراضي التي تقع داخل الأحياء السكنية بالمدن والقرى خصوصا من دون فتح الباب لها للاستثمار ويتم التصرف بها ضمن قوانين وزارة الاسكان فقط، وذلك للتخفيف من الطلبات المتراكمة وللحفاظ على خصوصية البيئة المحلية البحرينية.
* الشروع في البناء العمودي ولكن! بالاستفادة من التجربة الكويتية بهذا الشأن من خلال بناء شقة واحدة فقط في كل طابق وكأنها منزل لحاله بحيث لا تواجه الدولة رفض المواطنين لنظام الشقق الصغيرة ولحقوق المواطن في حصوله على مساحة كبيرة تحترم آدميته.
* الشروع ببناء المدينة الشمالية واستثمار المنطقة الجنوبية للدولة، للقضاء على الطلبات المتراكمة في الإسكان.
2 - على صعيد القضاء على البطالة والبطالة المقنّعة وتنحصر في ما يأتي:
* عمل برنامج تشجيعي للتقاعد والمبكر منه خصوصا في مجالات السلك العسكري بسب تراكم البطالة المقنعة فيه، بالإضافة إلى إلسلك التعليمي وفتح الباب لبث دماء جديدة فيهما.
3 - على صعيد رفع المستوى المعيشي للمواطن وينحصر في الآتي:
* مراجعة رواتب موظفي الدولة التي تقل عن 550 دينارا وزيادتها.
* عمل بطاقات تموينية شبيهة بالتجربة الكويتية الرائدة في هذا المجال للأسر وخصوصا المحتاجة منها.
* عمل صندوق للأجيال الحالية يتم تخصيص موازنة سنوية له من الفائض العام لموازنة الدولة ويتم اقتطاع أو مساهمات من الشركات والمصارف العاملة في المملكة بشكل سنوي، يتم توجيهه بشكل كبير للأسر محدودة الدخل ولموظفي القطاع الخاص من المواطنين ومنهم الذين تقل رواتبهم عن 450 دينارا دعما من الدولة لهم بالاضافة إلى دعم الشباب الراغبين في الاستثمار الداخلي.
* فتح المجال للمشروعات الترفيهية ذات الكلفة الاقتصادية القليلة مراعاة للمواطنين وبمشاركة الدولة مع القطاع لخاص.
وأخيرا نحن هنا ليس بصدد مهاجمة أو ضد السياسة الاقتصادية للدولة لأنها في النهاية تحكمها سياسات وظروف تقديرية قد تخطئ تارة وتصيب تارة أخرى، إنما نحن نرى أن الدولة وعزيمتها في نجاحها المبهر بجذب الاستثمار بالمنافسة مع الدول المحيطة بنا يجعلنا دوما متفائلين بأنها تستطيع خلق معادلة مع النجاح الاقتصادي ليواكبه الجانب الاجتماعي ليتمتع به المواطن على أرض الواقع بدلا من عناوين الصحف اليومية في أرباح الشركات وزيادة مدخولات الشركات حكومية كانت أو خاصة من دون أن يرى المواطن حصته في تلك النجاحات أو شيئا يلمسه ذاتيّا من كل هذا النجاح
إقرأ أيضا لـ "هشام عبدالله الغتم"العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ