يلتقي قادة دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة العمانية (مسقط) بتاريخ 29 و30 ديسمبر/ كانون الأول الجاري لعقد قمتهم التاسعة والعشرين وسط تحديات اقتصادية نوعية. وكان من المفترض أن تستضيف عمان القمة الثامنة والعشرين، لكنها آثرت تغيير الموقع إلى العاصمة القطرية بسبب الحاجة إلى التكيف مع الآثار المدمرة لإعصار «غونو» الذي ضرب السلطنة في العام 2006.
تنعقد القمة في أعقاب ظهور مشكلة أزمة الرهن العقاري بتداعياتها التي لم تنتهِ حتى الآن. ويعود تاريخ آخر اجتماع لزعماء دول مجلس التعاون إلى شهر مايو/ أيار الماضي أثناء القمة التشاورية العاشرة في مدينة الدمام بشرق المملكة العربية السعودية أي قبل بروز المعضلة.
أزمة الرهن العقاري
هناك مطالبات دولية تدعوا دول المجلس إلى توظيف جانب من فوائضها النفطية للمساهمة في حل الأزمة المالية. وتبلغ القيمة المالية للصناديق السيادية للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي نحو 1500 مليار دولار (أي تريليون ونصف تريليون دولار). وفي كل الأحوال، فإن القمة مطالبة بالتوصل لموقف جماعي من مسألة مساهمة الدول الأعضاء في دعم محفظة تابعة لصندوق النقد الدولي بقيمة 250 مليار دولار لغرض مساعدة الدول الأكثر تضررا من الأزمة المالية.
وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قد زار الشهر الماضي كلا من السعودية وقطر والإمارات وحث حكوماتها على المساهمة بشكل سخي من أجل التصدي لتبعات الأزمة المالية. بدورنا، نرى صواب مساهمة دول المجلس في الصندوق الدولي، لأنها ستستفيد لاحقا من حل الأزمة عن طريق وضع حد لتراجع أسعار النفط.
حقيقة القول، إن دول المنطقة نفسها تعاني من الآثار السلبية لأزمة الرهن العقاري والتي تتحول تدريجيا لأزمة اقتصادية، فقد وصلت الآثار السلبية لقطاعات أخرى مثل أسواق المال. ويلاحظ هنا تميز الكويت عن سائر دول المجلس في إقرار إنشاء محفظة مالية رسمية للشراء المباشر من البورصة في محاولة لإعادة الثقة إلى البورصة. وبدورنا، نؤيد الإعلان عن خطة موحدة تتعلق بتدخل الحكومات في أسواق المال لغرض المساهمة في إعادة الروح للبورصات وبالتالي وضع حد لتراجع أسعار الأسهم.
تراجع أسعار النفط
لاشك أن قمة مسقط تنعقد وسط تراجع أسعار النفط بعد سنوات من الارتفاع المستمر. فقد تم تسجيل سعر قدره 50 دولارا للبرميل الواحد في الأسبوع الماضي مشكلا تراجعا يفوق 60 في المئة مقارنة بما كان عليه السعر قبل نحو 9 شهور. ويعود هذا التراجع الخطير إلى الخوف من حدوث انكماش اقتصادي في العالم بسبب الأزمة المالية.
ويشكل تراجع أسعار النفط خطرا مباشرا على موازنات دول المجلس، إذ يساهم القطاع النفطي بنحو 80 في المئة في المتوسط من إيرادات الخزانة العامة. ومن المتوقع أن يتسبب تراجع الأسعار ومن ثم إيرادات الخزانة في اتخاذ السلطات قرارات بتخفيض نفقات المشاريع لتجنب العجز المالي. وتبنت البحرين متوسط سعر قدره 60 دولارا لبرميل النفط للسنتين الماليتين 2009 و2010 (تقر البحرين موازنة سنتين ماليتين في آن واحد).
المشاريع التكاملية
من جهة أخرى، يتوقع أن يتدارس قادة دول المجلس التفاصيل المتعلقة بالمشاريع الاقتصادية المشتركة بين الدول الأعضاء أي الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والاتحاد النقدي. ويشار إلى أن دول المجلس لم تنفذ بشكل كامل مشروع الاتحاد الجمركي الذي دخل حيز التنفيذ في العام 2003. ويتمثل هذا المشروع في اتباع سياسة تجارية موحدة مع الدول غير الأعضاء بخصوص أمور مثل فرض تعرفة موحدة على الواردات. وتتحدث بعض التقارير عن استمرار وجود تباين بين الدول الأعضاء بخصوص مستويات التعرفة أو الرسوم المفروضة على الواردات خدمة للاقتصادات المحلية. أيضا هناك معوقات أخرى مثل كيفية اقتسام الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء حيث يرتبط الأمر بمسألة نقطة دخول المنتج والجهة المستفيدة منها في نهاية المطاف.
إضافة إلى ذلك، بدأت دول مجلس التعاون بتنفيذ متطلبات السوق المشتركة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في بداية العام 2008 بعد الاتفاق على المشروع أثناء قمة الدوحة نهاية 2007. يرتكز مفهوم السوق المشتركة على منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. ومن شأن تطبيق السوق المشتركة تعزيز فكرة المواطنة الخليجية في مسائل العمل والإقامة والتجارة.
يشمل مشروع السوق المشتركة عشرة مسارات، هي: حرية التنقل والإقامة، العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، التأمين الاجتماعي والتقاعد، ممارسة المهن والحرف، مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، تملك العقار، انتقال رؤوس الأموال، المساواة في المعاملة الضريبة، تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
مصير الاتحاد النقدي
بيد أنه لا يتوقع حدوث انفراج في موضوع الاتحاد النقدي والمزمع إطلاقه في العام 2010 لأسباب مختلفة منها قرار عمان بالانسحاب من المشروع برمته في بداية العام 2007. وبدورنا، نتوقع عدم إصرار القادة على تنفيذ المشروع مستفيدين من الحاجة إلى معالجة تداعيات الأزمة المالية لتجنب إحراج البلد المضيف.
ويتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. كما أن على الدول التأكد من عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا، المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المئة. أخيرا، المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
وباختصار، تواجه قمة مسقط تحديات اقتصادية غير معهودة تتطلب قرارات صائبة من القادة. تمنياتنا لهم بالتوفيق
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2279 - الإثنين 01 ديسمبر 2008م الموافق 02 ذي الحجة 1429هـ