درس، كافح، نال شهادته بامتياز، والآن جالس في منزله، ليس لأنه غير مستوفي الشروط، لم يرتكب جرما ولا جنحة، ولم يخالف دستورا ولا لائحة، سوى أنه من الفئة المغضوب عليها، ولهذا السبب فإن باءه لا تجر، أو أنها تجر عليه الظلم والتهميش دائما، ولكن المشكلة ليست في الباء ولا في حروف الجر الأخرى، ولكنها أزمة ضمائر!
وحده الأعمى من لا ترصد عيناه التمييز في البحرين، ووحده الأصم من لا يسمع عن مسلسل التفرقة بين المواطنين على أسس مذهبية وسياسية وعرقية بل حتى عائلية أحيانا، ووحده الأبكم من لا يجرؤ على نطق الحقيقة الغائرة، وفعلا سكت من سكت، وأسكت من أسكت، ولكن لسوء الحظ أن المصيبة تكمن في المسكوت عنه!
دعونا نغبط الحكومة على الفرصة الذهبية التاريخية التي وفرتها الطفرة النفطية، لأن المال السياسي تمكن أو أوشك أن يسكت كل الأفواه الناطقة، ومن كان لسانه طويلا ذات يوم أصبح يلهث من منصب إلى آخر، لأن المال سلب من أولئك رشدهم وليس أصواتهم وأقلامهم فحسب، وبعض من كان يحارب التمييز بالأمس القريب أضحى اليوم حصان طروادة تمتطيه السلطة متى أرادت، وتأتي حرثها أنى شاءت!
مجرم في حق البحرين من يصفق لهذه التعيينات، لأنها اعتمدت الزلفى والقرابة والولاءات الضيقة على حساب النظام الوظيفي العادل الذي يعلو على صوت الطائفة وصوت الجماعات وصوت الولاءات، لذلك ولذلك فقط لا نستغرب التخبط الكبير في الكثير من الوزارات، لأن من يدير هذه الوزارة لا يصلح أن يجلس في موقعه، وهذا يعني أنه يجلس محل صاحب الكرسي الحقيقي!
بوابة الفساد الكبرى في الوزارات والمؤسسات الحكومية تبدأ من «أزمة التعيينات»، لأن كثيرا من التعيينات حتى تلك التي صدرت في فترة الإصلاح مع الأسف الكبير قامت على أسس غير مشروعة، وقربت القريب وبعدت البعيد، لذلك وجب أن نعمل على تغيير آلية التعيينات وخصوصا العليا، ولا أظن أن القيادة السياسية سيضيق صدرها من المطالبة بنظام تعيينات عادل وحضاري، يتناسب والإصلاح السياسي الذي قطعنا فيه شوطا كبيرا.
لن ننجح في الوصول إلى تنمية حقيقية، إذا كانت التعيينات وخصوصا الكبيرة تنطلق من بؤرة الولاءات الشكلية، وهذه العقدة تجاوزتها إلى درجة معقولة الكثير من الدول المجاورة.
مؤسف حقا أن نرى في عهد الإصلاح فئات كبيرة من الشباب ذوي الكفاءة تجد الأبواب كل الأبواب موصدة في وجوهها، بل حتى نوافذ الأمل مغلقة، لأن هذا الشاب ليس من تلك الفئة التي تصطفيها السلطة أو ليس من الحاشية التي لا تخرج التعيينات عن نطاقها.
مشكلة الأمة الحقيقية أن يقدّم على أصحاب الكفاءات من لا يستحق التقديم، وأن يؤخر من كان يجب أن يكون في الصدارة، وهذه السياسة ليست وليدة يومها، وإنما هي ممتدة، وأصولها ترجع لعقود طويلة، ولذلك فإن المجتمعات الصحية ألغتها تماما.
ألوان التمييز كثيرة ومختلفة، وخير دليل أن تجد بعض المسئولين لا يبارحون من زيارة منطقة بعينها، وكأنها الوطن كله، وعندما نجرؤ أن نقول إن هذه السياسة خاطئة ستكون هذه الخطوة الأولى على طريق التصحيح، وعندما وثق بي الناس وجعلوني في موقع متقدم منهم، يجب أن أحترم هذه الثقة واعتز بها، بدلا من أن انتهج سياسات تفرق بين أبناء البلد الواحد، وكأن الرسالة التي أريد أن أوصلها أن غير هذه الفئة لا تستحق التجشم لزيارتها... أما آن لهذه السياسة أن تنتهي؟
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ