العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ

إدارة بوش بعد صدمة تقريرالمخابرات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أحدث تقريرالمخابرات الأميركية المشتركة (17جهازا) بشأن البرنامج النووي الإيراني صدمة ولّدت ديناميات سياسية لم يُعد بإمكان إدارة جورج بوش تجاهل تداعياتها. فالتقرير جاء توقيته في ظروف قاسية تمرّ بها واشنطن وشكّل في حيثياته مجموعة نقاط اعتراض يمكن أنْ تلعب دورها في تعطيل قرارات كان «البيت الأبيض» يستعد لاتخاذها.

التقرير صدر وليس المهم الآنَ الإجابة عن تلك الأسئلة المثارة من نوع، مَنْ هي الجهة التي اتخذت قرارالنشر؟ ولمصلحة مَنْ؟ وهل الإعلان عنه جاء بموافقة من الإدارة أومن دونَ علمها؟

كلّ الإجابات عن تلك الأسئلة ستبقى مجرد قراءات تحليلية تفتقر إلى المستندات والأدلّة الدامغة؛ لأنها تحتاج إلى معلومات تؤكّد وجهة النظر هذه أو تلك. المهم الآنَ ماذا بعد صدور التقرير؟ وكيف ستتعامل معه إدارة في السنة الأخيرة من عهدها؟

لاشك في أنّ الإدارة تلقت صفعة قوية من تلك المعلومات «اليقينية» التي أعطت صدقية غير متوقعة لتقرير»الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بشأن البرنامج النووي الإيراني. وهذه الصدقية المضافة أربكت الإدارة الأميركية وقطعت الطريق على تيار «المحافظين الجدد» الذي وجد نفسه في موقع الدفاع عن سياسة تعرّضت إلى نقد ومخالفة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

قيادة الحزب الجمهوري التي تعاني من ذاك الانقسام الحاد بين جناح متشدد يريد استكمال نهج التصعيد الدولي وجناح معتدل يريد إعادة النظر في سلوك اتبعته الإدارة واستنفد طاقاته وأغراضه بعد أن برزت في الشارع الأميركي (الناخب ودافع الضرائب) توجهات تعترض على الاستمرار في السياق السابق. هذا التعارض بين الجناحين أخذ يفرض شروطه على جمهور الحزب التقليدي المحتار. وجاء التقرير المخابراتي؛ ليعزز من توجهات التيار الذي يُطالب بإعادة قراءة السياسات الدولية بعقلية نقدية.

قيادة الحزب الديمقراطي التي تتخذ من الحزب الجمهوري والإدارة سياسة نقدية على مسافة واحدة، أخذت تعاني من انقسام داخلي بين نهج يريد الانسحاب الكامل والشامل والسريع من أفغانستان والعراق وآخر ينتقد الاحتلال والحروب ولكنه يفضل اتباع نَهْج التروّي في التعامل مع قضايا كبرى تمس الأمن القومي للدولة. وجاء التقرير الآنَ ليسهل أمام التيار المعتدل مهمّة الضغط على الإدارة لترتيب عملية مشرّفة للانسحاب مقابل وقف نهْج التصعيد والتهديد العسكري ضد إيران.

الصدمة لم تقتصرعلى قيادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي وإنما كان لها أثرها السياسي في إعادة تشكيل وجهات نظرمختلفة في أسلوب التعامل مع طهران. نائب الرئيس ديك تشيني اعترف ضمنا بوجود صعوبات، معتبرا أنّ التقرير لم يحبط العملية العسكرية وإنما عطل إمكانات الضغط الدبلوماسي على إيران. فتشيني كان يعبّر عن مخاوفة من أنْ يشكّل التقرير مادة حيوية تعطي روسيا والصين تلك الذريعة لمنع صدور قرار دولي ثالث عن مجلس الأمن يُطالب بالمزيد من العقوبات ضد إيران.

الارتباك الذي كشف عنه تشيني لم يقتصرعلى جناح «المحافظين الجدد» وإنما امتدّت تموجاته لتطاول تحركات واتصالات ما يسمّى بجناح «الواقعية السياسية» التي تقوده وزيرة الخارجية بالتضامن مع وزير الدفاع. فهذا الجناح يرفض الحل العسكري ولكنه كان يعمل على إنجاح سياسة الضغوط الدبلوماسية من خلال عزل طهران وتشكيل جبهة دولية ضدها تتخذ من مجلس الأمن واسطة لمحاصرة المشروع الإيراني وتعطيل إمكانات نموه. حتى هذا الجناح أصيب بالإحباط ولم ُيعد بإمكانه الدفع بالاتجاه الدبلوماسي بعد أن وجد أنّ التقرير أعطى مادة حيوية للطرف الروسي - الصيني وبات بإمكانه استخدام المعلومات لتبريرالموقف الرافض لرفع درجة العقوبات.

وبسبب هذا الإرباك يمكن ملاحظة ردود الفعل السلبية والغاضبة التي صدرت عن وزيرة الخارجية ووزير الدفاع في المسألة الإيرانية ومشروعها النووي. فالوزيرة والوزير تعاملا بخشونة مع التقريرلأنهما وجدا فيه حركة تعطيل لسياسة استكمال الضغط الدبلوماسي على طهران.

صدمة مزدوجة

صدمة التقرير مزدوجة فهي لم تقتصرعلى تعطيل خطوات الجناح المتشدد الداعي إلى استخدام القوّة العسكرية وإنما أيضا عرقل خطوات جناح «الواقعية السياسية» الداعي إلى تشديد العقوبات واتباع النهْج الدبلوماسي في التعامل مع إيران. الضربة كانت مزدوجة ولهذا انفعل الرئيس بوش وأطلق تصريحات غاضبة تؤكّد أنّ الاستراتيجية الأميركية في التعامل مع طهران لم تتغير وأنّ واشنطن تجد في التقرير مادة كافية من المعلومات «الخفية» تبرر النهْج التصعيدي وصولا إلى استخدام القوة العسكرية إذا اقتضى الأمر في النهاية.

الخيار العسكري لايزال الملاذ الأخير برأي الرئيس الأميركي المنفعل والغاضب من تقرير يرى فيه بداية لتشكيل قوّة اعتراضية تعطل على إدارته استكمال سياسة المناورة. ولكن هل صحيح أنّ الرئيس بوش يستطيع اللجوء إلى «الملاذ الأخير» بعد إعلان التقرير ونشره في الصحافة؟

المعلومات تؤكّد وجود صعوبات داخلية (الحزب الديمقراطي والكونغرس) تمنع الإدارة اتخاذ قرارات حاسمة في السنة الأخيرة من عهده. يُضاف إلى الصعوبات الداخلية معوقات خارجية تتمثل في ارتباك الموقف الأوروبي ونموقوة الممانعة الروسية - الصينية واعتراضها الواضح ليس على خيار القوّة فقط وإنما على الخيار الدبلوماسي أيضا. فالموقف الروسي - الصيني بدأ يضغط الآنَ على سحب الملف من الأمم المتحدة وإعادته إلى الوكالة الدولية حتى تستطيع معالجته سياسيا وبالتوافق مع قيادة طهران.

عربيا أيضا هناك صعوبات كانت موجودة قبل التقرير وازدادت قوّة القناعات بعد صدوره. فالمنظومة العربية (الإقليمية والخليجية) أظهرت في السنوات الماضية اعتراضات متتالية على خيار اللجوء إلى القوة وطالبت مرارا باتباع النهْج السلمي لاحتواء الموضوع وتجاوز تعقيداته. وشكّل «مؤتمر الدوحة»، الذي تصادف انعقاده مع تسريب تقرير المخابرات إلى الصحافة، مناسبة لتجديد الثقة بالخيارالدبلوماسي ودعوة الرئيس الإيراني إلى المشاركة بجلسة الافتتاح والتعامل معه من موقع الجار لا الخصم. فالمؤشرات العربية كانت دائما تذهب باتجاه التفاوض مع طهران والاعتراف بدورها وموقعها في الدائرة الخليجية في إطار الشراكة الإقليمية - الدولية.

تبقى المشكلة في «إسرائيل» ومعها. فهذه الدولة تعتبر الطرف الأكثر تضررا في اعتبار أنها الجهة الراعية إقليميا لسياسة التشدد الأميركية واستخدام قوة الولايات المتحدة العسكرية لتمرير مشروعات تصب في مصلحة تل أبيب. فهذا الكيان ينطلق من معادلة بسيطة وهي أنّ كل ما يصيب العرب والعالم الإسلامي من كوارث وزلازل وحروب وانقسامات وانهيارات واعتداءات يصب في دائرة مصلحتها ويعزز قدراتها ويجعلها الطرف الأقوى في توازن القوى. ولهذه الاعتبارات الخاصة بفلسفة الكيان الإسرائيلي قادت تل أبيب هجمة إعلامية دولية مستفيدة من تصريحات أيديولوجية أطلقها الرئيس الإيراني في السنتين الماضيتين. وشكّلت تلك الهجمة ذاك الغطاء السياسي لاستنفار العصبيات والمخاوف والذكريات الأوروبية بهدف تكتيل دول الاتحاد في دائرة العداء للعرب والمسلمين بذريعة أنّ طهران تخطط لحملة إبادة وحرق واقتلاع من الجذور.

استفادت تل أبيب كثيرا من تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد وعمدت على توظيفها للتأكيد على «سرية» البرنامج النووي ووظائفه العسكرية، وبالتالي تبرير مطالبتها بفرض عقوبات وتوجيه ضربة لمشروع التخصيب قبل أنْ ينجح في استكمال خطواته.

تقرير المخابرات الأميركية جاء في لحظة غير مناسبة لإدارة بوش إذ أنه وجّه ضربة سياسية للمخطط الإسرائيلي واستبق تلك المحاولات التي كانت تبرمج مشروع توجيه ضربة جوية للمواقع النووية الإيرانية. لذلك يمكن القول إنّ معلومات التقرير التي أكّدت توقف البرنامج عن العمل في العام 2003 شكّلت صدمة يتوقع أنْ تنتج ديناميات سياسية غير منظورة من الآنَ. فتل أبيب رفضت التقرير وأصرّت على سياسة التصعيد وعدم إسقاط «الملاذ الأخير» في التعامل مع مشروع التخصيب. وهذا الرفض عزز إلى حد ما عناد الاتجاهات الأميركية المتشددة المدعومة من بعض العواصم الأوروبية. وفي حال استكملت تل أبيب نشاطها في الحشد الإعلامي يمكن لها أنْ تنجح في تسجيل نقاط ولكنها لن تكون كافية لتبرير اللجوء إلى خيار القوّة العسكرية. فالتقرير شكّل خطوة محرجة اربكت كل القوى والأجنحة المتطرفة والمعتدلة معا حين وجه ضربة سياسية استباقية يتوقع أنْ تقطع الطريق على احتمال توجيه ضربة جوية للمشروع الإيراني. التوقع مجرد احتمال وهو يحتمل الصواب والخطأ.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً