أكد نواب وناشطون أن الإصلاح السياسي والاقتصادي مدخل لمحاربة الفساد. بينما أشادوا بالخطوات التي بذلتها مملكة البحرين على صعيد مكافحة الفساد، ذكروا أن البحرين لم تنجح حتى الآن في محاسبة أي وزير قضائيا عن قضايا الفساد والتلاعب بالمال العام على رغم صدور 3 تقارير لديوان الرقابة المالية.
وأوضح هؤلاء بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد - الذي يصادف 10 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام - أن البحرين شهدت خطوات مختلفة على صعيد مكافحة الفساد في هذا العام، وأعلن كبار المسئولين أن المملكة ماضية قدما في مواجهة غول الفساد المالي والإداري الذي يستنزف الكثير من الموارد.
وكان أكثر التصريحات المحاربة للفساد هذا العام ما صرّح به ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة لـ «الوسط» بأن «يد مواجهة الفساد ستطول أي وزير متورط في الفساد»، في أعقاب تأسيس شركة ممتلكات لإدارة الحصص الحكومية في الشركات الوطنية وعلى رأسها «طيران الخليج» التي تخضع لعملية هيكلة واسعة في أعقاب الخسائر المليونية التي تكبدتها الشركة في عهد الإدارات الأجنبية السابقة.
وشهدت البحرين الشهر الماضي حدثا عربيا كبيرا في مكافحة الفساد، عندما احتضنت المنامة المؤتمر العربي الثالث تحت شعار «برلمانيون ضد الفساد»، الذي شاركت فيه شخصيات عربية كبيرة أبرزها رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص.
هل البرلمان قادر على مكافحة الفساد؟
بينما دارت في البحرين أسئلة كثيرة عن قدرة البرلمان على مواجهة الفساد، أكد عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية في مجلس النواب النائب جاسم حسين أن البرلمان ليس قادرا لوحده على مكافحة الفساد بقوله: «الفساد بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، فالبرلمان بإمكانه أن يكافح الفساد بعض الشيء، ولابد من وجود قناعة كاملة لدى السلطة التنفيذية، وترتيبنا يتراجع في مكافحة الفساد، وأحد أسبابه تقدم الدول الأخرى وخصوصا الدول التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي، وهي دول أوروبا الشرقية السابقة، وهذا يعني أن ليس بالضرورة أن تكون البحرين تأخرت ولكن الآخرين تقدموا».
ورأى حسين أن «الحكومة لم تتخذ خطوات فعلية لتعزيز مكافحة الفساد عدا ديوان الرقابة المالية»، مضيفا «هناك توظيف محدود لما يصدر في تقرير ديوان الرقابة المالية، فعلى رغم أن الديوان يقوم بدور جيد، وعليه أن يكشف الفساد ولكن الجهات الأخرى يجب أن تستفيد من هذا التقرير، وعلى رغم أن الديوان كشف عن الكثير من مواطن الفساد، فإنه حتى الآن لم تتم محاسبة وزير في البحرين بتهمة مكافحة الفساد، علما أن هناك علاقة مطردة بين مكافحة الفساد والتقدم الاقتصادي».
ويكشف حسين رؤيته أن هناك تطورا نوعيا في مكافحة الفساد بالنسبة إلى الشركات الوطنية قائلا: «أفضل شركة في هذا المجال هي شركة أسري التي ذهبت إلى مواجهة الفساد المتمركز في قيادة المؤسسة، ولم تذهب إلى بعض الصغار، بخلاف شركة (ألبا) التي لاحقت بعض الأشخاص المتهمين بتجاوزات في الفترة من العام 1999 إلى 2002، كما رأينا في (طيران الخليج) أن الخطأ الموجود يتمركز في الاتهامات الموجهة إلى الرئيس التنفيذي السابق الذي تم السماح له بالمغادرة بل منحه مكافأة نهاية الخدمة!»، مشيرا إلى أن «البحرين محتاجة إلى تطوير القوانين والتشريعات على صعيد مكافحة الفساد».
أما النائب المستقل عبدالعزيز أبل فيرى أن المجلس عاجز عن مكافحة الفساد المستشري في الدوائر الحكومية «بسبب عدم تجاوب الحكومة مع ملفات التحقيق»، وقال أبل: «آخر مظاهر عدم التجاوب هذا رفض شركة ممتلكات التي تديرها الحكومة الإفصاح عن الأساس القانوني لدفعها 80 مليون دينار لشركة طيران الخليج».
وأضاف أبل أن «ظاهرة الفساد عالمية ولا يمكن محاربتها إلا من خلال تعزيز الإصلاح السياسي، ومفاهيم الحوكمة، وإطلاق يد الأجهزة الرقابية للقيام بدورها من دون تضييق حكومي أو تقليص للصلاحيات أو الالتفاف عليها».
بدوره، علّق عضو لجنة الشئون المالية والاقتصادية في مجلس النواب النائب محمد جميل الجمري قائلا: «كثيرا ما تتم الإشادة بما تم انجازه في البحرين منذ 2001 من قبل الجهات الرسمية ولكن الدلائل تشير إلى تراجع مكانة البحرين في مكافحة الفساد فقد سجل مؤشر مدركات الفساد الذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية تراجعا للبحرين من المرتبة الـ36 في 2006 إلى المرتبة الـ46 في 2007 إذ هبط المؤشر الى 5 بعد أن كان 5.7 من المؤشر الذي يتكون من عشر نقاط ، وبحسب التقرير فإن المطلوب من الدول التي لم تحصل على 7 نقاط القيام بعمليات إصلاح جذرية».
وتطرق الجمري إلى تجربة ديوان الرقابة المالية، بقوله: «أهمية هذا الديوان واضحة وأصبح التقرير السنوي الذي يسلمه لمجلس النواب مادة ثرية للصحافة واستحوذ على اهتمامات الشارع السياسي في البحرين، ولكن الكثير من النواب يرون ضرورة إلحاق هذا الديوان بمجلس النواب، ويتمنون توسعة في عمله وإعطاءه صلاحيات اكبر. وكما كان الحال من نقص في ممارسة مجلس المناقصات من حيث عدم خضوع الجهات الأمنية والعسكرية له فالحال كذلك مع ديوان الرقابة الذي لم يذكر الكثير عن وزارة الدفاع مثلا واكتفى ببعض الملاحظات عن تسليم سجل المطلوبات أكثر من مرة وبأكثر من رصيد ووجود خلل في سجل المصروفات وعدم الالتزام بالأسس المحاسبية في إعداد سجل المصروفات وتجاوز الموازنة المتكررة».
وردا على سؤال عن شركة «ممتلكات»، قال الجمري: «تستوقفني هنا تجربة إنشاء شركة ممتلكات القابضة وهي شركة حكومية تأسست العام الماضي برأس مال يبلغ ملياري دينار بحريني وأوكلت إليها مهمة إدارة حصص الحكومة البالغة نحو 900 مليون دينار في أكثر من 33 شركة، فالمرسوم الذي أسست الشركة بناء عليه لم يتم تمريره على مجلس النواب، وكذا المبالغ التي يتم ضخها في الاستثمارات غير خاضعة لموافقة البرلمان، وهذا تحدٍ آخر أمام النواب».
ويضيف مواصلا «(ممتلكات) كانت لها تحركات لمحاصرة بعض دوائر الفساد في عدد من الشركات وتم تحويل عدد من المتهمين إلى النيابة العامة، وليست لدينا تفاصيل دقيقة عن هذه القضايا ولكن من دون إشكال أتت هذه التحركات في وقت مهم جدا».
لماذا تراجعت البحرين
في المؤشر الدولي؟
وعن أسباب تراجع البحرين في مؤشرات مدركات الفساد ومؤشرات الحكم الصالح ضخ لنا الناشط عبدالنبي العكري تلك الأسباب في قوله: «البحرين تراجع ترتيبها الدولي من الـ26 في العام الماضي إلى الـ36 هذا العام وهو تراجع مخيف يستدعي الدراسة والمصارحة. ففي الوقت الذي احتلت فيه مملكة البحرين مراتبَ متقدمة في الحرية الاقتصادية، وحرية الاستثمار فإنها تتراجع في مكافحة الفساد وحرية الصحافة والحريات العامة مثلا. ولكن هذه المؤشرات مرتبطة ببعضها بعضا. فلا يمكن الكشف عن الفساد في غياب صحافة حرة، ولا يمكن مكافحة الفساد في ظل تقييد الحريات العامة».
وأضاف «يأتي تقرير هذا العام وسط سلسلة من فضائح الفساد المالي والإداري في البلاد كشف النقاب عن بعضها في الشركات الكبرى إذ تمتلك حكومة البحرين غالبية أسهما أو جزءا كبيرا منها مثل (طيران الخليج) و(ألبا) و(أسري). هذه المرة كان تعليق كبار المسئولين، تأكيد عزمهم اجتثاث الفساد ومساءلة المسئولين حتى لو كان وزيرا، ولكن لم تقترب التحقيقات حتى الآن من حواشي الوزراء، ويبدو أن المسألة تصطدم دائما بسقف لا يمكن اختراقه».
مجلس المناقصات... رقابة نوعية
على المشتريات الحكومية
أما وزير شئون النفط والغاز ورئيس مجلس المناقصات عبدالحسين ميرزا فصرح لـ «الوسط» بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد: «المجلس أرسى مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص وحماية المال العام من دون أي تدخل من أشخاص في إجراءات المناقصة، وهذا يعد تقدما ملموسا».
وأفصح ميرزا عن أن مجلس المناقصات أرسى خلال السنوات السابقة أكثر من 5 مليارات دولار من دون أية شكاوى تذكر من جميع الأطراف ذات الصلة بمجلس المناقصات، وكذلك شكّل المجلس مرجعية مستقلة يلجأ إليها الكثير من المقاولين والمجهزين ومقدمي الخدمات إلى الجهات الحكومية للتظلم من إجراءات الوزارات والإجراءات الحكومية بالنسبة إلى المناقصات».
وأضاف ميرزا أن «المجلس قطع شوطا كبيرا في ترسيخ مفهوم النزاهة والشفافية والعدالة في المشتريات والمناقصات الحكومية، ووفر مبالغَ كبيرة بالنسبة إلى المناقصات الحكومية، كما أن الحكومة أجرت تعديلات على قانون المناقصات لإضافة المزايدات ليكون تحت إشراف مجلس المناقصات، وهناك توجه للنظر في هذا الموضوع».
ونوه ميرزا إلى أن «مجلس المناقصات يُعدّ جهازا لمكافحة أي نوع من الفساد بالنسبة إلى المشتريات والمناقصات التي تزود بها الجهات الحكومية، ومجلس المناقصات أيضا يمثل جهة مراقبة مسبقة بتأكيد أن جميع الإجراءات تتم بحسب قانون المناقصات وأن الإجراءات سليمة، ومجلس المناقصات حاز سمعة ومكانة وصدقية في داخل البحرين وخارجها»، موضحا أن «هناك جهات مستثناة من القانون مثل المناقصات الأمنية والعسكرية بسب سرية الإجراءات ذات الصلة بالأمن القومي». وعن علاقة مجلس المناقصات مع الجهات الرقابية الأخرى، أشار ميرزا إلى أن مجلس المناقصات يتعاون بشكل كبير مع ديوان الرقابة المالية إضافة إلى تعاون غير مباشر مع مجلس النواب؛ لأن البرلمان يسائل الوزارات عن مدى إخضاع مناقصاتها لمجلس المناقصات، مضيفا «كثير من الطموح قد تحقق فعلا، وفي الوقت الحالي حزنا شهادة الجودة العالمية، ولدينا بنك معلومات يساعد على اتخاذ القرار، لذلك فسرعة تجاوب مجلس المناقصات مع توصيات الجهات الحكومية التي تخضع لقانون المناقصات تعد قياسية نظرا إلى توافر المعلومات، كما أن أكثر من 90 في المئة من الردود تتم في اقل من أسبوعين».
وأردف ميرزا: «نعكف حاليا على إنشاء مشروع المناقصات الالكترونية الذي سيجهز في النصف من الأول من العام 2008 وسيكون الأول من نوعه في المنطقة وسيساعد على سرعة البدء وخفض الكلف وسيساعد على الزيادة في الشفافية والنزاهة» كاشفا أن الأمور ستجرى من خلال «نظام إلكتروني فعال».
دور مؤسسات المجتمع
المدني في مكافحة الفساد
يلعب المجتمع المدني في البحرين دورا كبيرا في مكافحة الفساد ويؤكد الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن إحياء هذا اليوم في البحرين يكتسب ضرورة ملحة بالنظر إلى استمرار وتائر الفساد في التصاعد؛ ما يضع على عاتق القوى الحية والفاعلة السياسية والاجتماعية والطلابية والعمالية في مجتمعنا وهيئات العمل المدني والقطاع الخاص التحالف معا في سبيل التحرك الإيجابي المعبر عن حركة شعبية ووطنية صادقة لإنقاذ البلاد من مختلف أوجه أشكال الفساد التي تتم بدعم لوبي الفساد ورعايته».
وأضاف مدن «على رغم تواتر الحديث عن محاربة الفساد، فإننا نلاحظ تجذر أشكاله، وتوغله في كثير من ثنايا النسيج الاجتماعي وتوطيد شبكاته وتنوعها لتشمل من هم في مواقع سلطة ونفوذ؛ ما تسبب بتراجع المملكة في تقرير مؤشرات مدركات الفساد للعام 2007 والصادر عن منظمة الشفافية الدولية، ويرى «المنبر التقدمي» أن ذلك التراجع يعد مؤشرا سلبيا ومقلقا، وخصوصا مع تجاهل الحكومة المعطيات الدولية التي تؤكده؛ بما يطرح أسئلة كبرى عن إذا ما كُلِّفت أية جهة لدراسة مسببات ودلالات مستوى الفساد في البحرين، وإذا ما كان لدى الحكومة استراتيجية لمكافحة الفساد، من خلال اعتماد تدابير وإجراءات صارمة على طريق معالجة الخلل بالعمل من أجل الإصلاح واحتواء بؤر الفساد».
وأضاف مدن أن «المملكة مدعوة إلى الإسراع في المبادرة بالتصديق على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها في فبراير/ شباط 2005، من دون التصديق عليها حتى الآن وذلك خطوة لازمة تسجل فيها الحكومة التزاما داخليا ودوليا بمكافحة الفساد يعبّر عن إدراكها مدى خطورة آثاره على قضايا التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة والتطور الاجتماعي والإنساني، كما أنها مدعوة للإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لاحترام سيادة القانون ومحاربة الفساد وتعزيز قيم الشفافية لتحقيق تلك الأهداف»، داعيا مؤسسات المجتمع المدني إلى العمل معا والمباشرة في بناء تحالف وطني داعم للشفافية ومناهض للفساد.
ووجّّه مدن أيضا دعوة إلى إنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد، وتبني قانون لكشف الذمة المالية للمسئولين في الدولة يخضع له كل من يتبوأ وظيفة عامة من مسئولين ووزراء وقضاة وأعضاء السلطة التشريعية والعاملين في الشركات التي تمتلكها الحكومة وغيرهم.
العدد 1920 - السبت 08 ديسمبر 2007م الموافق 28 ذي القعدة 1428هـ