من المثير فعلا للسخرية «المرة» هو أنْ يبعث كلّ مشروع لزيادة أو دعم المواطنين من فئة ما «ماديا»، نوعا من السخط أو ربما «الحسد» لدى الفئات الأخرى غير المستفيدة من هذا الدعم بالذات. فهو أمر يثير الكثير من الأقاويل، أوّلا: إن المواطنين لا يشعرون بالعدالة أصلا، وأنهم «ماديون» و»أنانيون»، ولكنه يقول أيضا إنّ سياسة « ذكية» جدا نجحت في أنْ تجعلهم يهتمون جدا بالزيادات والمكارم الموزعة هناك وهناك، فيغفلون بها عن «الهبشات» الكبيرة التي لايعرفون عنها شيئا، لينشغل كلّ منهم في رؤية ما في يد الآخر من فتات، من دون أن يلفت إلى أنّ الكعكة بأكملها قضمت ولم يحصل منها على أية قطعة.
ما يجعل الأمر أكثر مرارة أنْ يحصل ذلك في دول تعتبر «غنية» من بين الدول النامية، بل وتملك حاليا وفرة مالية كبرى نتيجة فوائض ارتفاع أسعار النفط.
بالأمس وافق البرلمان الكويتي على مقترح حكومي، يقضي بتأسيس صندوق لمساعدة المواطنين العاجزينَ عن سَداد الديون المترتبة عليهم، بحجم 300 مليون دينار كويتي (1.1 مليار دولار). وتمكّن النواب الكويتيون من تمرير قانونينِ، الأوّل يقضي بزيادة رواتب موظفي الدولة الكويتيين بمبلغ 50 دينارا كويتيا (182 دولارا)، والثاني بمنح طلبة الجامعة والمعاهد الخاصة مكافأة شهرية تبلغ 100 دينار للأعزب و250 دينارا للمتزوج (365 - 912 دولارا).
وبالطبع شعر نوابنا في البحرين «بالغيرة» من هذا «الإنجاز» الكويتي، فتسابقت كلّ كتلة منهم في التعبير عن عزمها عن تقديم مشروع أو آخر لإسقاط القروض على المواطنين في البحرين، أو إعادة جدولتها.
ما لايعرفه النواب، أو ربما يعرفونه، أنّ الكويتيين أنفسهم يشعرون بنفس النوع من «الحسد» و»الغيرة» الطبيعية في مثل هذه الحالات، أو على الأقل الذين لم يقترضوا منهم. وكأني بلسان حالهم يقول، وهم يستمعون إلى هذا القانون الجديد «لو كنّا ندري لاقترضنا كغيرنا».
هذا القانون الكويتي المليوني، وقوانين زيادة المواطنين، تذكرنا أيضا بالمقترحات «الفقيرة» التي مررت هنا أو هناك لرفع العبء عن بعض المواطنين في البحرين؛ لتثير الحقد في نفوس كثيرين غيرهم.
فالزيادة العامّة الأخيرة لرواتب موظفي الحكومة (15 في المئة)، على رغم أنها «لا توكل خبزا»، وأنا لا أقارن بأي شكل من الأشكال بما شهدته دول الخليج الشقيقة من زيادات، على رغم كلّ ذلك لم تشمل جميع المواطنين، وخلفت وراءها شعورا مريرا لدى موظفي القطاع الخاص بأنهم « درجة ثانية» في الاهتمام الحكومي.
ولدعم العاطلين عن العمل، تم اقتطاع 1 في المئة من رواتب الموظفين في القطاعين، ما أثار سخطا وغضبا شديدينِ، فعلى رغم أنها نسبة «ما تسوى»، إلا أن كثيرين كانوا يشعرون بالغضب في أنهم سيساهمون في دعم أشخاص لا يعرفونهم من رواتبهم.
المتقاعدون الذينَ أصبح تحسين أوضاعهم أولوية لدى المجلس النيابي الأسبوع الماضي، حتى انسحبوا من جلستهم لمدة ساعة، والذين استجابت الحكومة في النهاية لمطالباتهم، سيتعيّن أن يتم تحسين أوضاعهم أيضا من «جيوب» الموظفين، ولا نستبعد أنْ تقوم زوبعة أخرى على هذا الأمر، مصحوبة بنفس مشاعر «الحسد» تلك.
لابدّ أن ننظر إلى كل تلك القضايا بنظرة أكثر شمولية، فالزيادة وتحسين الأوضاع لم تكن مطالب فئوية أو كمالية، فمع ارتفاع حجم التضخم أصبح الجميع بالكاد يتنفس، والعدالة مطلوبة للجميع، مَنْ اقترض ومَنْ لم يقترض، العاطل والمتقاعد والعامل، موظفو القطاع الخاص والعام... لابدّ أن تقتنع الحكومة بأنهم جميعا مستحقون لتحسين الأوضاع ليس من باب «المكرمات»، بل من باب الاستحقاق للدور الذي وجدت الحكومة من أجله أصلا..
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ