العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ

اختلاط أوراق «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التوقعات التي كانت ترجّح أن يكون نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الشهر الفاصل بين مرحلتين على مستوى أقاليم «الشرق الأوسط» صحت إلى حد كبير. فالتوقعات ارتكزت على ربط الملفات الساخنة في المنطقة وإمكان ظهور تحالفات جديدة بشأنها قد تؤدي إلى خلط الأوراق وإعادة ترسيم حدود العلاقات بين الدول المعنية بتقلباتها.

هذا الأمر بدأت تظهر معالمه الميدانية ويحتاج إلى مزيد من الوقت حتى ينقشع الضباب وتتبلور الصورة السياسية في صياغات لا تعرف حدودها النهائية من الآنَ. ولكن الواضح من تفاعل التطورات أنّ المنطقة مقبلة على بداية مرحلة يرجّح أنْ تختلط فيها أوراق التحالفات.

اختلاط الأوراق ينتظر أربع خطوات يرجّح أنْ تحصل في الشهرين المقبلين، ويمكن بناء عليها تأسيس قراءة تأخذ في الاعتبار تداعيات الملفات الأربعة وهي: العراق (أولوية أميركية)، إيران (أولوية دولية)، فلسطين (أولوية عربية)، ولبنان (ساحة مكشوفة ومفتوحة).

بالنسبة إلى الملف العراقي أعلنت حكومة نوري المالكي عن اتفاق أميركي - إيراني باستئناف الاتصال الثنائي بينهما في مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل. وفي حال تم اللقاء سيكون هو الاتصال «الفني» و»التقني» الرابع بين الطرفين.

بالنسبة إلى الملف الإيراني دخلت الأزمة محطة جديدة بعد صدور تقرير أجهزة المخابرات الأميركية بشأن البرنامج النووي وتأكيد الأجهزة أنّ طهران أوقفت العمل بالمشروع العسكري منذ العام 2003. وهذا التطوّر النوعي فتح الطريق أمام الحل الدبلوماسي وأحبط خطة التصعيد العسكرية التي قادها نائب الرئيس ديك تشيني وبقايا تيار «المحافظين الجدد» في إدارة واشنطن.

بالنسبة إلى الملف الفلسطيني أظهر «مؤتمر أنابوليس» عدم وجود اتجاه أميركي - إسرائيلي يدفع التسوية نحو حل واقعي ومعقول كما تنصّ عليه قرارات الأمم المتحدة. ولكنّ المؤتمرالذي جاء ليلبي حاجة أميركية شكّل مناسبة إعلامية للاتصال بسورية ودعوة دمشق إلى حضور الجلسات والمشاركة في المداولات العامّة من دون إهمال ملف الجولان.

بالنسبة إلى الملف اللبناني شكّل «الفراغ الرئاسي» فرصة دستورية لإعادة الاتصال بدمشق من خلال القناة الفرنسية. وهذا التطوّر يشكل خطوة دولية تريد البحث في مجموعة أوراق إقليمية انطلاقا من ترتيب علاقات تضمن توازن المصالح في ساحة تتميز بخصوصية محلية تتصل جواريا بتلك التجاذبات السياسية الأهلية القائمة في بلاد الأرز.

منذ نهاية نوفمبر دخلت الملفات الأربعة في طور مغايرعن تلك القراءات السابقة وبدأت تظهر في الأفق ملامح تحولات دولية وإقليمية لايستبعد أنْ تؤدّي إلى نوع من التحالفات تقوم على إعادة النظر في توزيع الأدوار والوظائف. وهذا الاحتمال يرجّح أنْ تظهر خطوطه العريضة في الشهرين المقبلين في حال تواصل العمل على إنجاز ما تبقى من خطوات.

أربع خطوات

هناك أربع خطوات يحتمل أنْ تحصل في الفترة المقبلة، وهي: أوّلا انتخابات الرئاسة في لبنان وما تعنيه من تسوية محلية تعكس في جوهرها تلك التوازنات الإقليمية والدولية التي دخلت حديثا على خط الساحة المفتوحة والمكشوفة.

ثانيا استكمال الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية المباشرة وإمكان تحوّلها إلى سياسة دولية تشرف عليها الدول الكبرى وبتنسيق أميركي - فرنسي. فهناك لقاء دولي في باريس يرجّح أن تحضره دمشق بذريعة مواصلة البحث في مسار العلاقات السورية - الإسرائيلية وموضوع احتلال الجولان. ومؤتمر باريس لنْ يكون الأخير إذ ستعقبه لقاءات دولية أخرى ستعقد في موسكو، وغيرها من العواصم.

ثالثا استئناف الاتصالات الأميركية - الإيرانية بشأن الملف العراقي في مطلع السنة الميلاية المقبلة. وهذا الاتصال «الفني» و»التقني» الرابع سيكون الأوّل من نوعه بعد انكشاف لعبة المشروع النووي الإيراني وانفضاح أمره على أثر صدور تقرير المخابرات الأميركية بشأنه.

رابعا جولة جورج بوش في شهر يناير المقبل على دول المنطقة. وهذه الجولة ستكون مهمّة ولافتة؛ لأنّها تأتي بعد مؤتمر أنابوليس» وتحسّن الوضع الأمني في العراق لمصلحة استقرارالاحتلال وتبلور صيغة التعايش في بلاد الرافدين تحت سقف الاعتراف الأميركي بوجود دور مؤثر لإيران.

جولة بوش ستكون مهمّة؛ لأنّها ستؤشر إلى احتمالين. الأوّل أنْ تستكمل الإدارة سياستها السابقة باتجاه الدفع نحو التصعيد وزعزعة الاستقرار، والثاني أن تكون بداية مرحلة جديدة تدشن خلالها الإدارة مشروع قراءة لعلاقات وتحالفات مغايرة لتلك التي اعتمدتها في السنوات السبع الماضية. حتى الآنَ لم تتوضح صورة الجولة وما هي الدول التي سيزورها بوش؟ ومن هي الدول التي سيغيب عنها؟ وبناء على المحطات يمكن رؤية ملامح الاستراتيجية الجديدة التي ستعتمدها واشنطن في السنة الأخيرة من عهد بوش.

الخطوات الأربع تتصل من قريب أو بعيد بالملفات الأربعة. فالملف العراقي له علاقة باستئناف التنسيق الأميركي - الإيراني. والملف الإيراني له علاقة باستئناف الحوار الدولي مع طهران بشأن مشروع غير موجود أصلا وربما تكون الأجهزة الأميركية اختلقته لإثارة الحساسيات والفوضى في المنطقة. والملف الفلسطيني له علاقة باستئناف الاتصال العربي - السوري تحت سقف رقابة دولية تنتقل من «أنابوليس» إلى باريس وثم موسكو. والملف اللبناني يشكّل ساحة مكشوفة للبدء في فتح قنوات الاتصال مع سورية وإيران بذريعة تسهيل الانتخابات الرئاسية وضمان أمن بلاد الأرز ومنع انزلاقها نحو الاقتتال الأهلي.

التوقعات التي رجّحت أنْ يكون نوفمبر الماضي شهر البدء في التحوّلات وتبلور صيغ جديدة للتحالفات الإقليمية واحتمال انعكاسها في صورة ميدانية تكشف عن مرحلة تختلط فيها أوراق «الشرق الأوسط» لم تكن مجرد ترجيحات مختلقة وإنما استندت على مواقيت دولية وإقليمية بدأت ملامحها ترتسم على أكثر من صعيد وخصوصا تلك الملفات الأربعة الساخنة. فالملفات أخذت تمهد الطريق باتجاه إعادة خلط الأوراق وربما كشفت عن وجود نية بتأسيس تحالفات ثنائية سيعلن عنها قريبا، وتحديدا بعد الانتهاء من جولة بوش على دول المنطقة في الشهر المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً