تحدّثنا في مقالنا السابق عن مظاهر الجهل والمزايدة والتشكيك السياسية التي تتعرّض لها اللجان الأهلية وأصحابها من المتطوعين في خدمة قضايا الشأن العام أيا كانت انتماءاتهم ونواياهم في ذلك، وتناولنا أيضا أمثلة للكيفية التي تسير بها تلك المظاهر والتحركات السلبية اليائسة التي يقودها بعض النواب المفزوعين، فيصبحوا فجأة مرئيين جدا في الدائرة، بهدف طمس أيّ شكل من أشكال الحراك السياسي والاجتماعي والخدماتي التنظيمي داخل دوائرهم الانتخابية، فيتسنى لهم مثل كل مرة الإفلات من المحاسبة والرقابة الشعبية أكان يقف وراءها منافسون سابقون أم غيرهم من أفراد الشعب!
ولعل النقطة الأهم هي أنّ التحقق من هويات القائمين على تشكيل اللجان الأهلية أو «البرلمان الشعبي» لن ينقص أو يغير من تلك المشروعية الحقوقية العامة التي تمتاز بها هذه اللجان، وإن كانت التلبيسات والتشكيكات ستستغل بأساليب لا أخلاقية لإحراق الأرصدة السياسية والشعبية لأصحابها لا أكثر ولا أقل! لذا فلا لاريب أن يبدو المفزوعون من الحراك المدني من أصحاب المصالح الانتهازية، وهم قبلها أصحاب جهل بأبجديات السياسة والديمقراطية وفقر دم وحياء وطني وإنساني! ولعلّه من المناسب أن نتناول أداء نائب وعضو بلدي لإحدى الدوائر المحرقية المشهود لها بالبؤس والعراقة التاريخية في آن، والتي شهدت تأسيس لجنة أهلية وعريضة شعبية احتجاجية ضد النائب والعضو البلدي. وبالعودة إلى الوراء من منّا يتذكّر حينها أيام الاستعدادات والأعراس الانتخابية التي شملت عموم أرجاء البحرين؟! لذلك لابدّ أنْ تسترجع تلك الأمسيات الثرية وما شهدته من لقاءات وندوات جادة استعرضت ملفات معيشية وقضايا وطنية كبرى مسكوت عنها تهم جميع أبناء الشعب، وخصوصا جهود مترشحي «القائمة الوطنية للتغيير» وغيرهم! كما لابدّ من استرجاع ما تميّزت به جماعات إسلاموية أخرى من «الموالاة» بتنظيمها للولائم والبوفيهات الدسمة بما لذ وطاب من الأنعام المرشوش عليها صلصات الوعظ والإرشاد للاستهلاك الشرعي والحزبي؟! فمَنْ يتذكّر تميز نائبنا الفاضل الذي ساقه القدر الرباني والاقتدار الحزبي ليكون مترشحا لإحدى أكثر الدوائر بؤسا وعراقة محرقية، وكيف قام حينها باستهلال تلك المنافسة بتنظيم مهرجان «خضر في السوق حمر في أمك» بما احتواه من ترفيه ولعب بسيط و«حناء» لبنات وعجايز الفرجان البائسة، بدلا من أنْ يستهل عهده الزاهر بتوعية أبناء الدائرة ويرشدهم إلى برنامجه الواقعي لانتشالهم من حضيض الفقر والقفر السياسي والمعيشي!
حينها قلنا بنية طيبة بأن النائب ذو الوجه الصبوح السموح ربما أراد رسم الابتسامة على وجوه أهالي دائرته البائسة، والتخفيف من زئير المنافسة الانتخابية في أكبر دائرة تعج بالمتنافسين من مختلف كوادر المجتمع، ومنهم أيضا بعض ضحايا الاتجار بالبشر! والآن وقد قارب أن يتم النائب الفاضل عامه الأوّل مازلنا نراه فيما يعلنه من «إنجازات» على الملأ ويتباهى بإحرازه من ابتداع لـ «سنع تكنولوجي»لم ير له من أثر، وتنظيم مسابقات رياضية، وغيرها من سفاسف، كأنما يصرّ بشدة على معاملة أهالي الدائرة كأنهم من صبيان الحزب وغلمان الجمعية، تارة يعظهم، وتارة يلهيهم ويلاعبهم ويتفضل عليهم ببعض العطايا الخدماتية التي ليست من السلطة التشريعية في شيء، وتارة يغضب وينفر من إقامة لجنة أهلية! وليس للناس في النهاية سوى إجادة فنون الطاعة والانصياع! ولو صح ما ذكره أهالي الدائرة ولجنتها الأهلية عن كون النائب قد تفضل بتقديم اقتراحات تصب في مصلحة منطقته واستقراره خارج الدائرة بدلا من مصلحة الدائرة التي يترشح عنها، فتلك ستكون مصيبة كبرى لكونها قد تشير إلى أن هذا النائب وحزبه الإسلاموي لم يكن لهم بذلك من هم سوى حجز المقعد البرلماني في هذه الدائرة كالذبيحة، ولا هم بالتالي لإنعاشها وإسعافها سوى شوائها وتتبيلها بالوعود البراقة، وبالتالي تسجيل أكبر عدد من النقاط التمثيلية الحزبية بدلا من الانهماك بالمصلحة العامّة، لكأنما دائرة ترشيحه حديقة خلفية لدائرة إقامته ومقر سكناه الدائم!
لو خشي نائبنا الفاضل وحزبه الإسلاموي القصور في تقديم خدمات ما من دون مستوى السلطة التشريعية أصلا لمنطقة سكناه الحالية فلماذا لم يسعه حينها أن يتوصل إلى كلمة سواء مع جماعته ومرشحها للدائرة التي يقيم بها، إن كان يخشى من تقصيره تجاه ناخبيه في الدائرة التي ترشح عنها، وإنْ كان يخشى الله قبلها، ويسعى بتلك المخافة القدسية إلى جودة الأداء وخدمة أهالي الدائرة؟! ما يجب عليه أن يضعه في اعتباره هو وجماعته الحزبية بأنه لا يهم الناس أبدا ومنهم أعضاء الدائرة وأفراد الشعب أنْ يكون نائبهم منشدا بارعا ذا صوت جميل وحنجرة «كهروماسية» فتلك موهبته وبارك الله له فيها!
ولا يهمهم إن كان عابدا وزاهدا وورعا ومتقيا فذلك عهد بينه وبين ربه، أو إن كان بوجه سموح، وابتسامة «قد» الدنيا والدين معا، فتلك السماحة والابتسامة لن تكشط من كل ذلك البؤس قيد أنملة! الأهم من كل ذلك هو أنْ يكون مبادرا بفاعلية بالاتصال والتواصل الدائم مع أهالي الدائرة والشعب، فيقدّم مصلحتهم العامّة على مصلحة الفئة والحزب ، وأن يحتفظ بعلاقات طيبة وحسنة مع الجميع بما فيهم المنافسون!
وحتى أكون صريحا مع القرّاء فإنّ هذه الدائرة المحرقية بالذات كانت ولاتزال تعني لي الكثير من المودّة والحميمية لكونها كانت منذ ما يزيد عن القرن وأكثر مستقرا للأهل والأقرباء أبا عن جد، وإنْ كان من بين الأهل من وضع ثقته في النائب ومَنْ ينتمي إلى تياره حبا وشغفا وإيمانا بـ «الحل الإسلامي البديل»، فإنهم وبعد أقل من عام غيّروا رأيهم وعبّروا عن خيبة أملهم الشديدة من أداء النائب والعضو البلدي على جميع الأصعدة، بل أنهم صنفوا النائب إلى ما دون مستوى نواب المناسبات؛ نظرا إلى كون «مسجات السنع» تلك قد انقطعت عنهم بعد شهر العسل الانتخابي! وربما أهل الدائرة على موعد لثلاثة أعوام أخرى من ذلك الإحباط طالما لم يضعا النائب والعضو البلدي لنفسيهما حلولا وحدودا تواكب التغيرات! ومَنْ يدري ففي موسم سقوط الأمطار من كلّ عام تطفح وتزبد تلك الدائرة بؤسا وعراقة، وتختلط باعتكار في مستنقعاتها أكدار التخصصات والسلطات التشريعية والتنفيذية؟! فلأجل ذلك لم يعول الكثير من أهالي الدائرة من بعد الله تعالى إلاّ على علاقاتهم الشخصية والقرائبية الحسنة وصلة الرحم مع مسئولي الأجهزة التنفيذية مباشرة لحل مشاكلهم الخدماتية والمعيشية فقط بعدما كفروا بالتجربة الإصلاحية ككل بفضل النائب وأمثاله! ولعلّ مما يثير التعاسة أن يحتج البعض على إقامة تلك اللجان الأهلية لكونها تعوق أداء النائب وتبعده عن التميز، وخصوصا أن مثل هذا القول أتى بعد أول وأهم عام من تأسيس الإحباط والخيبة من الأداء البرلماني، وأضحى بحكم الواقع ما دونه بلا قيمة سوى مواصلة التمني وحصاد العبث! فهل من العدل أن يدفع المواطنون ثمن خيار دقائق غاليا على مدى أربع سنين من عمرالمواطن والوطن وقضاياه المؤجلة بذريعة الصمت المحكم والرضا بقضاء الله وقدره أو «التحسب» على النائب وجماعته قهرا؟! وهل من أدنى علم وحياء في أنْ يلقن الناس بأن وصايتهم الرقابية على النائب تنتهي بمجرد انتهاء موعد الانتخابات عسى أن يدعوه ويتركوه بعيدا، فلو كان ذلك الطرح عاقلا وسليما فمن الأفضل أنْ يكون التلقين أكثر دقة فيطلب من الأهالي مغادرة الدائرة والنزوح عنها جميعا، ليتفرغ النائب لها ولمشاكلها ويبدع ويبتدع في حلولها فتكون له ولجماعته أفضل ورشة عبث، وأوسع «براحة» استعراض حزبي! وإن تحرك أهالي الدائرة احتجاجا فربما هم على موعد مع النشطاء الثلاثة «زعبور» و«فرفور» و«شرشور» ومع شلة «البوكيمونات» السياسية الذين قد يتهمون هؤلاء المحتجين (الغلابة) بأنهم يثيرون الفوضى والاضطراب في أركان «الفاتيكان» المحرقي المغلق، ويسعون بذلك إلى شق «الشارع السني» وتمكين حصان طروادة «الوفاقي» و«أجنداتهم» من الدخول إلى قلب «الفاتيكان»!
ومن بين جميع سخريات القدر ومهازله تلك تستعطفنا مهزلة واحدة يسعى من خلالها بعض الإخوة من كتاب المنصات الفارغة، ورسل البروتوكولات الدبقة، وفدائيي «العلاقات العامة»، ومقدمي باقات الورود المزيفة (الاصطناعية) في الفعاليات «الماصخة» بمحاولات يائسة للتشكيك في مشروعية تلك اللجان الأهلية والمزايدة والتهجم عليها وعلى أصحابها! أولم يكن من الأجدى بهم السكوت طالما أنّ بيوتهم أوهن من بيت العنكبوت؟! أو لم يكن عبثيا اللجوء إلى اتهام الناس الذين عرفوا بحسن سيرتهم وسلوكهم في نواياهم، خصوصا إنْ كان أصحاب الاتهام يحظون بسيرة أخلاقية ومهنية مرهونة للجدل في تقرير مثير هز البلاد ومازال ينظر في أمره القضاء، وهم لأجل ذلك بحاجة أصلا إلى شهادات حسن سيرة وسلوك أخلاقي ومهني غير مدفوعة الأجر حتى يكونوا أهلا للتشكيك والاعتبار المجامل على الأقل؟! نتمنى لإخوتنا هؤلاء أنْ يشفهيم الله مما ابتلاهم وأقلامهم به من ولع لالتهام أطنان من التبن في يوم واحد، فهم للتو قد ذاقوا مرارة تبن قرار إجازة الكتب الممنوعة، وأحرجوا بذلك أيما إحراج، وستلتهم أقوالهم وأقلامهم قريبا أطنانا أخرى من التبن جراء ما يستجد من آيات جهلهم ومزايداتهم تلك على السلطات التي لا تضع لهم شأنا آدميا ولا تراعي ماء وجوههم! أرى بأن نتركهم على بواكير الشتاء؛ لينعموا بدفء بشت الكفيل، فذلك أفضل ما يتمنون ويرقون إليه، ولنسأل الله لهم الهداية والتعقل؛ ليعلموا بأنّ الحراك السياسي والاجتماعي والخدماتي الأهلي ممثلا في اللجان وغيرها هو المقوّم الأوّل والأخير لنجاح واستمرار هذه «التجربة الإصلاحية»، وأنّ مشروعيته الحقوقية العامّة تلك كانت ولاتزل تعلو قدرا ومقاما على «مشروعية» أساقفة وكهنة ونشطاء «الفاتيكان» المحرقي المغلق في آخر زمان الانفتاح
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ