العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ

الأوزان قلت أو زادت... عنوان لأخطر أمراض العصر

سعرات، سلولايت، دايت... مصطلحات ومفردات لم يعد يخفى على غالبنا معناها. على رغم كون غالبيتها باللغة الإنجليزية، فإن مصطلحات الحميات الغذائية (الرجيم) وعباراته باتت من الأحاديث الشائعة بين الناس؛ لهوس عدد كبير منا بها؛ أو لحاجة البعض إليها؛ حتى لكثرة ورود هذه المصطلحات على شاشات تلفزيوننا يوميا بأشكال متنوعة. والهدف من كل هذه المصطلحات هو الوصول إلى ما يسمى الرشاقة والصحة المثالية.

في الماضي كان من أهم معاير الجمال اكتناز الجسد وامتلاؤه، فالمرأة التي تعد الآن سمينة أو ممتلئة كانت تعتبر صفتها هذه من معالم جمالها، إلا أن مع تطور صرعات الموضة والجمال، وتغير الأنماط الاجتماعية - ليس لدينا فقط بل في جميع المجتمعات - ظهرت مسألة الرشاقة والنحول معيارا ضروريا عند الحديث عن الجمال.

هذه المعايير مع الوقت، وعبر حملات دعائية متنوعة تجتاح كل وسائل الإعلام اليوم - بمختلف الأشكال وجميع اللغات - أضحت ضرورة لمن يريد أن يتحلى بمظهر حسن، وعلى أساسها لابد أن يفقد الراغب في الجمال من وزنه كيلوغرامات، وينتبه بشكل دائم للزيادات التي قد يتعرض لها، ويتبع نظما غذائية تضمن له بقاء معدلاته المثالية، التي لم يتمكن من الوصول إليها إلا بشق الأنفس.

بالتأكيد تغير معايير الجمال هنا لم تكتفِ بأن تطرح نفسها من دون تضمينها الوسائل التي نصل بها إلى هذه المعايير، فالحميات والبرامج الغذائية الصحية التي تهدف إلى تقليل الدهون والشحوم والكلسترول وغيرها من الأمور التي قد تسبب السمنة، تتوافر بأعداد هائلة وأشكال متنوعة، ولأهداف مختلفة، فمنها ما يتبع نظام السعرات الحرارية القليلة، ومنها ما يركز على تجنب أنواع معينة من المأكولات، ومنها ما يعتمد التركيز على استهلاك نوع واحد من المواد الغذائية، حتى إن بعض الحميات تعتمد مأكولات قد نظن أنها من الأسباب الرئيسية للسمنة، مثل الحميات التي تعتمد على الشكولاته، أو الحميات التي تعتمد على المكسرات فقط.

جزء من هذه الحميات مبني على أساس علمي، وبدراسة لمعاييرها من خلال مختصين في التغذية والصحة العامة، وهذا النمط من الحميات مهم جدا وضروري، وخصوصا مع تزايد أمراض السمنة والمخاطر الصحية التي تنتج منها، غير أن في مقابل هذه الحميات المفيدة الصحية كما هائلا من المهوسين بالنحول وليس الرشاقة فقط، وهذه الفئة في كثير من الأحيان روّجت لأنماط حميات غذائية خطيرة جدا، ولا تراعي حاجات الجسم إلى المواد الغذائية المنوعة؛ ما قد يؤدي إلى تدهور صحة مطبقيها، أو عودتهم إلى وزنهم الزائد السابق للحمية بعد إيقافهم البرنامج الغذائي، وهذه الطرق تنهك الجسم وتضعف قابليته للاستجابة للأنماط الغذائية الصحية فيما بعد، فيصبح فقدان الوزن أمرا أكثر صعوبة وتعقيدا وخطوة.

ولا يقتصر هوس الحميات (الريجيم) اليوم على السيدات، فالشبان أيضا ما فتئوا يحرصون على الظهور بمظهر حسن، فيعتمدون هم أيضاَ أنظمة غذائية صارمة تقلل من أوزانهم، ويمتد هذا الهوس إلى أن يلجأ الكثير من الناس إلى أنماط مساعدة للحميات تضمن لهم سرعة فقد الوزن، ولو على حساب الصحة والسلامة، لعل من أبرزها اللجوء إلى الأدوية التي تحد من الشهية للأكل، والملينات التي تساعد على التخلص من الطعام الموجود في المعدة بأسرع وقت قبل أن يقوم الجسم بامتصاصه بالكامل.

ومن أخطر هذه الطرق أيضا اللجوء إلى العمليات الجراحية بمختلف أنواعها، التي تعمل بشكل أساسي على تعديل شكل الجسم، من دون أن تعمل بشكل فعلي على مسألة زيادة صحته ومقدرته على تجاوز الأمراض التي قد تأتي عبر السمنة، من بين هذه العمليات عمليات شفط الدهون، وحزام المعدة، والمساجات التنحيفية... إلخ حتى إن البعض يلجأ إلى «ربط الفم» أي القيام بعملية في الفك بحيث يربط الفك العلوي بالسفلي بغرز صغيرة، تعوق المقدرة على فتح الفم؛ ما يضطر الشخص إلى تناول كميات قليلة من الطعام، غالبيتها من السوائل، وتبقى هذه الغرز لفترة، من ثم تتم إزالتها بعد أن يكون الشخص قد فقد الوزن الذي يرغب فيه، وتعتبر هذه الطريقة الأخيرة من أخطر طرق التنحيف، ومن أكثرها شيوعا؛ بانخفاض كلفها بالمقارنة بالعمليات الجراحية الكبرى، والملاحظ أيضا أن الساعين لهذا النوع من الرشاقة - على رغم حرصهم على ضبط معدلات الطعام ليديهم - الكثير منهم لا يستطيع الانتظام في برامجَ رياضة بدنية تقوي عضلاته وبنية أجسامهم؛ وذلك لكون طاقة أجسامهم وقدراتها منخفضة؛ بسبب شح الغذاء؛ ما يعوق قدرتها على بذل الجهد اللازم لأداء التمارين الرياضية بشكل منتظم.

وإن كانت الرشاقة وخفة الوزن من الأمور المهمة لصحة الإنسان، فالهوس في تطبيق أي طرق تجلبها ولو ظاهريا يعد من أهم مشكلات عصرنا وأخطرها؛ فالنحول الزائد يعتبر مرضا كما هي السمنة مرض.

العدد 1919 - الجمعة 07 ديسمبر 2007م الموافق 27 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً