الإنسان الصح هو الذي يرى نفسه على صواب دائما وغيره على خطأ دائما. وهو ما يتمّ التعريف به بالدوغماتي أو الدوغماتيكي، أي المتزمّت، الذي يفرض عقيدته على الآخرين، وإنه يملك الحقيقة المطلقة. والدوغمائية هي المذهب الذي يغلب عليه التكرار الفكري، وهو المذهب البعيد عن الإبداع والابتكار. والإنسان الصح (الدوغماتيكي) هو المتزمت لرأيه ولو كان المجلس كله ضده. ولو كانت أمة لا إله إلا الله ضده؛ فإنه سيجد له مخرجا ليكون صح وعلى صواب دائما!
مشكلة الساسة المماثلين لهذا الإنسان ليست مشكلة من طرف واحد، بل هي مزيج مركب من مجموعة من المشكلات والعقد التي يعاني منها. لذلك يتخذ هذا الإنسان أسلوب المراوغة سبيلا لتضليل الناس، ولا يتورّع عن الكذب عليهم... تارة في اتهاماته لعقائد الآخرين ودينهم، وتارة أخرى بإرهاب الناس بطرق غير مشروعة أو شرعية، لا أخلاقية ألبتة. وتارة أخرى، يقوم بالتدليس في المعلومات على الناس البسطاء، وامتطاء التملق السياسي، والتوسل بجميع الوسائل لبلوغ الغايات والمصالح الخاصة والحزبية، المعلنة والمضمرة. وفي شأن هذا السياسي يذهب «موريس دفرجيه» إلى أنّ «الحكم توهيم»، بمعنى خداع العامة لمصلحة الخاصة. وقوام الحكم الدهماوي أو الديماغوجي إدعاء التودّد إلى العامة (الدهماء) لتضليلها وتوهيمها بأنّ الخطاب السياسي الانتخابي (مثلا) لهذا المرشح أو ذاك يُعبِّر عن مصالحها هي أكثر مما يعبّر عن مصالح المرشح وحزبه السياسي.
وحين المجادلة السياسية، يرتدي هذا الدوغماتيكي الدهماوي ملابس العفة السياسية، ويتحاشى التسويات المطروحة شعبيا، خوفا من بيان عجزه وضعفه أمام الجماهير المخدوعة به! فهو يتوسَّل الخطاب الديني من أجل مصالح سياسية ودنيوية بحتة. وإنْ تصدى له بعض الناس وواجهوه بالحقائق والمعلومات والبيانات والانقلابات والتشقلبات الفكرية والسياسية، قال لهم: وجهة نظركم وأحترمها! فأي وجهة نظر، وأي «بطيخ» نحن نتحدث عن كذب وصدق وليس رأيا أو وجهة نظر قابلة للأخذ والرد!
حينما رفعنا شعار الصدق منجاة، كان الهدف من ذلك القول بأن الصدق سيد الأخلاق، ولذا ورد في الحديث: إنّ المسلم لا يكذب. ومادام المسلم لا يكذب فإننا لو عرضنا غالبية الإسلاميين الذين تنافسوا في الانتخابات النيابية السابقة لرأينا أنهم من أكثر الناس كذبا وتدليسا وتمويها بالباطل والزور، وأكثرهم استخداما لطرق الاحتيال والتزوير والكذب على الجمهور.
هذا التشديد الإسلامي في الثناء والمدح لفضيلة الصدق، والقدح والذم لرزية الكذب، حتى قارب موضعها الخروج من دائرة الإسلام؛ في قول النبي (ص) لا يكذب المسلم. يجعل من الصدق سيد الأخلاق بلا منازع. وقيل قديما: إذا كان الكذب ينجيك الصدق أنجى لك»، أي إنْ كنت بالكذب ستنجو من أمرٍ ما فإنك بالصدق ستكون في نجاة تامة.
الكذب الذي شاع حديثا بين المسلمين، وتحديدا خطباء الجمعة وأئمة المساجد وغيرهم، يضعنا أمام مفصل تاريخي تراجعي، ينذر غير المسلمين من الإسلام ويدعوهم إلى الهروب منه، فضلا عن دعوته للمسلمين إلى عدم الثقة في خطباء الجمعة وأئمة المساجد والعاملين في حقول خدمة الإسلام. لذا، على الهيئات العاملة والمؤسسات المسئولة عن الخطباء أخذ الحيطة والحذر وتقييم الخطباء وأئمة المساجد باستمرار ومراقبة أدائهم بصفة دائمة.
وكمثال على ما وقع فيه خطباء الجمعة وأئمة المساجد من رزايا في حق الإسلام والمسلمين ما جرى في الانتخابات النيابية السابقة، إذ اعتلى منابر الجمعة خطباء من جمعيات المصالح وجماعات السبابين، وأحزاب «الكلكجية» و «الجمبازية» ونابزوا الرجال المخلصين من أبناء هذا الوطن، ومن الذين لهم مكانتهم التاريخية ليس في البحرين وحسب، بل في عموم الوطن العربي. وأطلقوا (الخطباء والأئمة) لألسنتهم العنان للخوض ببذيء القول، واستخدام أقذع الألفاظ والصفات، وبالكذب والتدليس في وصف الرجال المخلصين... بل ووصل الأمر إلى التكفير المبطَّن لهم
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ