العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ

الفارغان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل فترة كتب أحدهم متباهيا أنه ظلّ يفكّر لمدة أسبوع كامل في قضية كانت تشغل باله كثيرا: «ماذا تلبس النساء من ملابسَ داخلية؟»! والأرجح أنه لم يهتم أحدٌ بإتمام قراءة المقال ليعرف الإجابة «العبقرية»، فمثل هذه القضايا «الاستراتيجية» لا تثير إلاّ الفارغين!

عالم النفس النمسوي سيغموند فرويد - الذي جعل الجنس محور التاريخ - كان يفسّر كل العلاقات البشرية على أساس الدافع الجنسي، من أول عمل يقوم به الطفل تلقائيا للبقاء على قيد الحياة (الرضاعة من ثدي الأم) إلى التخلّص من الفضلات باعتباره أحد لذات الحياة! فكل شيء له تفسير جنسي في هذه المدرسة النفسية المعقّدة.

والمأخذ الأكبر على فرويد أنه بنى نظريته على خرافات وقصص شعبية وأساطيرَ من الأدب الإغريقي القديم، واصطنع منها «عقدة أوديب» لإثبات تعلّق الطفل بأمه تعلقا جنسيا، وغيرته الشديدة من أبيه. وفي مقابل هذه العقدة «الذكرية»، كان لابد من اختراع عقدة أخرى للبنات، فالعالم يسير بحسب هذه المدرسة وفقا للعُقَد والهواجس والهلوسات! وهكذا ابتدع «عقدة ألكترا»، عن تعلّق البنت اللاواعي بأبيها وكرهها الشديد لأمها التي تنافسها على قلب الأب.

إلى جانب هذه العقد «الجميلة»، صار المحرك الأساسي للتاريخ هو اللبيدو، الطاقة الجنسية التي تتحكّم في البشرية جمعاء! وهي نظريةٌ مازال البعض متمسكا بها ومؤمنا بتفاصيلها، مع أن الكثير من أركانها تهاوى بعد أن توسّعت آفاق البحث في علم النفس. وإن كان هناك من جانب مفيد في هذا الركام الأسطوري، هو أنه ترك بعض الإشارات التي تساعد على معرفة بعض المعقّدين.

الإنسان الطبيعي لا ينشغل باله لمدة سبعة أيام بلياليها لمعرفة ملابس النساء الداخلية، إلاّ إذا كان مصابا بانحراف «الفِتْشِيّة»، وهو الغرام بالأشياء المتعلقة بالجنس الآخر، كالملابس الداخلية والجوارب النسائية و (الدواليغ). وبحسب فرويد نفسه، هناك معقّدون مغرمون أيضا بالأقدام وتقبيل الأحذية والصنادل والنعال بمختلف أشكالها وأنواعها!

بودّنا لو نكذّب كل ما جاء به فرويد، ولكن هناك من يشهد على نفسه جهارا نهارا أنه فعلا من النماذج المليئة بالعقد والأمراض! وكما أن فرويد الذي عاش في أجمل بقاع أوروبا، لم يرَ في العالم الواسع الجميل إلاّ «اللبيدو» والتلذّذ بإخراج الفضلات، فإن هناك من لم يرَ في عالم الإنترنت إلاّ موقعا مغمورا ليس له شأن ولا قيمة، ولا يدخله إلاّ عشرات الأعضاء، ليخلق من بعض التفاهات المنشورة فيه قضية «رأي عام» في بلد مبتلى بالعقد الطائفية والمعقّدين.

ولأن الجميع يعرف أن الموقع لا يمثل إلاّ مصمّميه، ولا يمثل أتباع أي مذهب أو دين، فإن أحدا من الناس لم يعره اهتماما، فكان لابد من الاستنجاد بمعقّدٍ آخرَ؛ لإشعال القلوب بالضغائن ونشر الأحقاد، ولتصبح القضية «مذهبهم» و«مذهبنا» و«طائفتهم» و«طائفتنا»، «إسلامنا» و «شركهم»... فمتى كانت المواقع الشعبية المجهولة حجة على أصحاب المذاهب والأديان؟

لا يخلو أتباع أي مذهب أو دين من سفهاء وحمقى وناقصي عقول، ولكنّ الأحمق منهم من ينقل عنهم ويروّج القصص الخرافية ليفتعل الحروب الطائفية، كأننا «ناقصين» حمقى ومعقّدين!

النحل يقع على الأزهار... أما الذباب فتستهويه القاذورات وقصص الشذوذ الجنسي وجوارب النساء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً