إحدى مشكلات الإنسان في ثقافته، هي انتصاره لمعيار ما يحدد الإطارات الفاصلة والمعرفة للثقافة نفسها. بمعنى، إن المثقف غالبا ما يعمد لوضع معاييرَ يصنف من خلالها مخرجات مجتمعة نصا، صورة، وتصبح هذه المعايير لاحقا عصا التقويم والمحدد الرئيسي لما هو داخل الثقافة وما هو خارجها.
الإشكال الذي ينتج جراء مَعْيَرة الثقافة على هذا النسق وخصوصا في المؤسسات الثقافية، هو تفعيل قانون الجزاء طبقا للالتزام أو الإخلال بالمعايير الموضوعة في تقويم الثقافة والمثقفين. من هنا، يسأل أحدهم: لماذا يحصد بعض المثقفين/ الفنانين التشكيليين/ المسرحيين البحرينيين الكثير من الامتيازات (السفر/ المشاركة في المنتديات/ عضوية اللجان والظفر بالمخصصات المالية/ العطلات المدفوعة/ تمرير طلبات التفرغ الثقافي)؟ ولماذا يحرم آخرون من ذلك كلية؟
الذي يحدث هو أن بعض المثقفين يلتزم المعاييرَ التي تضعها بعض المؤسسات الثقافية ومن يقف على هرمها، فينال المثقفون الملتزمون ما يستحقون من تكريم وتشجيع واعتراف. وتقف في الجهة الأخرى، زمرة هي في الغالب أولئك الفوضويون الذي تتم معاقبتهم ومجازاتهم تبعا لانزياحاتهم عن المعايير الموضوعة.
إن التهميش المتعمد للكثير من المؤسسات الثقافية وخصوصا المسرحية والتشكيلية منها هو نتيجة طبيعية لما تفترضه معايير البعض من التزامات ومحضورات يضعونها معاييرَ يصنفون من خلالها من يستحق الاعتراف والتشجيع والتبني ومن هم خارج المعادلة. لا تفترض الثقافة في أيٍّ من تشكلاتها صورة جمعية تنساق لها شتى الإنتاجات والإبداعات الثقافية، بل إن الإطارات الخارجة عن الصورة الجمعية والمتمردة عليها هي بالضرورة تلك تقوّي أيضا الصورة الجمعية المفترضة.
وخلاف أن تكون المعيارية الثقافية في البحرين لدى بعض الجهات هي نتاج ثقافة، نجد أن بعض هذه المعيارات هي لا تزيد في حقيقتها على أن تكون نتاج نزوات ومصالحَ شخصية لا تتصل بالثقافة ولا ترتبط بها، وخصوصا أن الثقافة في البحرين هي مؤسسات للصعود لا مؤسسات عمل.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ