سيدة الشاشة العربية، وعلامة بارزة في السينما العربية، يرجع لها كثيرون الفضل في تشكيل صورة جديرة بالاحترام للمرأة في السينما العربية من خلال الأدوار التي قدمتها طيلة فترة نشاطها الفني التي بدأت منذ العام 1940 حين كانت لا تتجاوز التاسعة من عمرها.
وليس الأمر كذلك فحسب، بل إن فاتن حمامة واحدة من أفضل نماذج النجوم الصغار التي يمكن للسينما المصرية أن تتحدث عنها بكل فخر. فدور حمامة لم ينتهِ حين شبت الفتاة وفقدت ملامح طفولتها، بل ظلت النجومية تلاحقها حتى اليوم وهي في السبعينات من عمرها.
ولع حمامة بالسينما بدأ منذ أيام طفولتها، ومنذ اليوم الذي أخذها فيه والدها موظف وزارة التعليم الى إحدى دور العرض لتشاهد فيلما للممثلة آسيا داغر. كان عمرها حينذاك لم يتجاوز السادسة وكما تقول في احدى مقابلاتها إنه حين صفق الجميع لآسيا داغر بعد انتهاء الفيلم، قالت لوالدها انها شعرت أنهم يصفقون لها هي.
ولدت فاتن أحمد حمامة في 27 مايو/ أيار 1931 في المنصورة (عاصمة الدقهلية) في مصر. عند بلوغها التاسعة فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر. والدها الذي يتذكر ولعها الشديد بالسينما أرسل صورتها الى المخرج محمد كريم الذي كان حينها يبحث عن طفلة تمثل مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد». كان ذلك في العام 1940، إذ قدمت حمامة دور «أنيسة» الطفلة التي تسكن مع عبدالوهاب في منزله، وتصبح أقرب أصدقائه. أدهشت حمامة الجميع، ولقبت بالطفلة المعجزة، لقبها البعض بشيرلي تيمبل. على أية حال، كانت تلك بدايات ولادة نجمة سيشار لها بالبنان لعقود طويلة.
اقتنع المخرج محمد كريم بموهبة الطفلة فأبرم عقدا مع والدها تشارك بموجبه الطفلة في كل أعمال المخرج المستقبلية. أثبتت الطفلة موهبة فذة منذ الظهور الأولى؛ ما أهلها للظهور مرة أخرى أمام عبدالوهاب نفسه في فيلم «رصاصة في القلب» وكان ذلك في العام 1944 وحين كانت في الثالثة عشرة من عمرها. بعدها بعامين استدعاها كريم وعبدالوهاب لتظهر معهما في فيلم ثالث هو «دنيا» وكان ذلك في العام 1946.
نجحت حمامة طفلة، ونجحت صبية، أبهرت الجميع في أفلامها الثلاثة تلك؛ ما مكنها من أن تثبت جدارتها في عالم السينما المصرية؛ فانتقلت أسرتها إلى القاهرة ضمانا لمستقبل واعد لنجمتهم الصغيرة. التحقت حمامة في القاهرة بالمعهد العالي للتمثيل وعمرها لا يتجاوز 15 عاما.
فاتن... صبية وفنانة ناشئة
لفتت الصبية والفنانة الناشئة انتباه الفنان الكبير يوسف وهبي الذي عرف عنه اكتشافه ودعمه كثيرات من كبار نجمات السينما المصرية. طلب منها وهبي تمثيل دور ابنته في فيلم «ملاك الرحمة» في العام 1946 وهو الفيلم الذي نقلها الى عالم الميللودراما السينمائية، وأثار انتباه النقاد والمخرجين الى موهبتها.
العام 1947 شهد زواج حمامة من المخرج عزالدين ذوالفقار أثناء تصويرهما فيلم «أبو زيد الهلالي» في العام نفسه. كانت حمامة حينها صبية صغيرة وفنانة ناشئة، على حين كان مخرجا قديرا ذا اسم لامع يكبرها بأعوام كثيرة.
يوسف وهبي، وعلى أثر نجاحهما معا قبل أعوام قليلة، عاد إليها العام 1949 ليطلب منها مشاركته في فيلم «كرسي الاعتراف»، ثم ظهرت في فيلمين لاحقين في العام نفسه هما «اليتيمتين» و «ست البيت» وحققت في كليهما نجاحا كبيرا سواء على مستوى النقاد أو الجمهور.
الخمسينيات... بدايات النجومية
المدرسة الواقعية في السينما المصرية، العصر الذهبي في هذه السينما، البطولة الأولى، مهرجان كان السينمائي، وصلاح أبوسيف. كانت تلك مجتمعة هي العوامل التي ساعدت على تألق فاتن مع دخول الخمسينات. أولا جاءت بدايات نجوميتها مع مطلع هذا العقد على يد مخرج الواقعية صلاح أبوسيف، الذي أسند إليها دور البطولة في فيلم العام 1952 «لك يوم يا ظالم». اعتبر هذا الفيلم - الذي شارك في مهرجان كان السينمائي - من أوائل أفلام الواقعية، وهي ما يرجع لها سبب كون فترة الخمسينات الفترة الذهبية في السينما المصرية.
بعد ذلك ظهرت حمامة في أول أفلام المخرج يوسف شاهين وهو فيلم «بابا أمين» وكان ذلك في العام 1950، ثم شاركته في فيلم «صراع في الوادي» العام 1954 وكان الفيلم منافسا رئيسيا في مهرجان كان السينمائي.
أيضا ظهرت في أول فيلم للمخرج كمال الشيخ «منزل رقم 13» وهو أحد أوائل أفلام الغموض في السينما المصرية.
في الخمسينيات أيضا أسست حمامة مع زوجها ذوالفقار شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم «موعد مع الحياة» (1954) الذي كان سبب إطلاق النقاد لقب سيدة الشاشة العربية عليها. وليس ذلك فحسب بل أصبحت حمامة - منذ ذلك الفيلم حتى العام 2000 وآخر أعمالها التلفزيونية «وجه القمر» - صاحبة أعلى أجر بين الفنانات المصريات.
عمر الشريف... يقلب موازين حمامة
كما كان العام 1954 عام النجاحات للزوجين، كان هو أيضا العام الذي انتهت فيه علاقتهما بالطلاق. وكما ذكرت حمامة في أحد المقابلات الصحافية أن سبب انتهاء علاقتها الزوجية مع ذوالفقار كان لأنها اكتشفت ان العلاقة بينهما كانت «علاقة تلميذة مبهورة بحب الفن وانجذبت لأستاذ كبير يكبرها بأعوام عدة».
ما حدث حقيقة في العام 1954، هو أن حمامة التقت الفنان العالمي عمر الشريف، الذي أصبح فيما بعد زوجها الثاني، والذي لم يكن حينها معروفا. التقى الاثنان حين اعترضت حمامة على أن يشاركها الفنان شكري سرحان بطولة فيلم «صراع في الوادي»، فما كان من مخرج الفيلم يوسف شاهين إلا أن سارع ليعرض الدور على زميل دراسته عمر الشريف. وكان الشريف حينها قد تخرج للتو من كلية التجارة ويعمل مع والده في تجارة الخشب. وافقت الفنانة على الممثل الشاب وبعدها بفترة بسيطة طلبت الطلاق من زوجها ذوالفقار. ما حدث في ذلك الفيلم هو أن حمامة المشهورة برفضها القبلات السينمائية، وافقت على أداء مشهد يحوي قبلة بين البطلين، هي وعمر أو ميشيل شلهوب، كما كان اسمه آنذاك.
بعد طلاقها من ذوالفقار أشهر عمر اسلامه وتزوج من فاتن العام 1955 ليقدما معا 5 أفلام ناجحة هي الى جانب الفيلم الذي جمعهما «صراع في الميناء» (1956)، «لا أنام» (1957)، «سيدة القصر» (1958)، «نهر الحب» (1960). مع مطلع الستينات التقى الشريف المخرج العالمي ديفيد لين الذي اكتشفه وقدمه في الكثير من الأفلام. انشغل عمر بالنجومية وأهمل زوجته وأسرته؛ ما أدى الى انتهاء حياتهما الزوجية بعد قرابة 20 عاما، وهي التي قالت عنها حمامة إنها حياة سعيدة تشبه حلما لا تريده أن ينتهي. انفصل الزوجان في العام 1974؛ بسبب الشائعات وغَيْرة حمامة الشديدة، وخصوصا مع اشتهار الشريف في الأفلام الرومانسية الغربية على أنه الرجل الهادئ اللطيف شديد الرومانسية والمغري للنساء.
بعد الطلاق، عادت حمامة إلى مصر بصحبة ابنها الوحيد طارق، وهي التي كانت قد غادرتها مع الشريف الذي كان يسعى وراء شهرته العالمية. ولكنها طيلة تلك السنوات كانت تتنقل بين مصر ومقر إقامتها مع زوجها في لندن.
مواقف حمامة السياسية
في العام 1963 شاركت حمامة في أول فيلم سياسي لها وهو فيلم «لا وقت للحب» الذي حصلت عنه على جائزة أحسن ممثلة. في الفترة بين عامي 1966 و1971 توقفت حمامة عن زيارة مصر؛ احتجاجا منها على الضغوط السياسية التي تعرضت لها؛ نتيجة اعتراضها - كما ذكرت في مقابلة صحافية - «على ظلم الناس وأخذهم من بيوتهم ظلما للسجن في منتصف الليل، وأشياءَ كثيرة فظيعة ناهيك عن موضوع تحديد الملكية».
معارضتها التي جاهرت بها تلك، جعلتها تتعرض لكثير من المضايقات من المخابرات المصرية إذ طلب منها أولا التعاون مع المخابرات ولكنها امتنعت عن ذلك. رفضها ذاك جعلها تمنع من السفر للمشاركة في المهرجانات.
الرئيس جمال عبدالناصر نفسه الذي وصفها مرة بالثروة القومية، طلب من مشاهير الكتّاب والنقاد السينمائيين إقناع فاتن بالعودة الى مصر، كما كان قد منحها وساما فخريا مطلع الستينات. على رغم ذلك لم ترجع فاتن إلى مصر الا العام 1971 بعد وفاة عبدالناصر.
عند عودتها بدأت حمامة مرحلة أخرى من حياتها. فاتن التي عادت مجروحة بعد فشل علاقتها مع الشريف وهي التي تركت كل شيء من أجله، زواجها الأول وابنتها من ذلك الزواج ونجوميتها في مصر. عادت لتقدم شخصيات نسائية من نوع آخر، تعبر من خلالها عن نقدها الكثير من الرموز الديمقراطية، كما حدث في فيلم «امبراطورية ميم» (1972) الذي حصلت عنه على جائزة تقديرية من اتحاد النساء السوفياتي بعد عرض الفيلم في مهرجان موسكو في ذلك العام. فيلمها التالي جاء العام 1975 وهو فيلم «أريد حلا» الذي قدمت من خلاله نقدا لاذعا لقوانين الزواج والطلاق في مصر.
حمامة تغيّر وجه الفنانة المصرية
في الأربعينات وحين بدأت حمامة مشوارها السينمائي، كانت الصورة النمطية السائدة للمرأة في السينما المصرية آنذاك هي إما المرأة البورجوازية التي تمضي وقتها بين النوادي وإما مرأة تطارد الرجال، كما كان هناك ميل كبير لتقديم المرأة كسلعة جسدية تمارس الإغراء. لم تجتذب أيٌّ من الشخصيتين أعلاه الفتاة الصغيرة، فقدمت في بداياتها في الأربعينات دور الفتاة المسكينة البريئة. ظلت حبيسة ذلك القالب حتى الخمسينات وهي الفترة الذهبية لحمامة كما أسلفنا، التي بلغ رصيدها مع دخولها ما يزيد على 20 فيلما.
في الخمسينات تغير كل شيء. فالواقعية الجديدة في السينما المصرية جعلها تجسد شخصيات مختلفة تماما، ربما أقرب الى الواقع بكثير. فهي ابنة الباشا التي تشعر بآلام المسحوقين وتساندهم في «صراع في الوادي»، وهي طالبة الحقوق التي تؤمن بأن للنساء دورا يوازي دور الرجل في المجتمع في فيلم «فاطمة».
وتنضج فنيا
بلغت حمامة نضجها الفني العام 1959 مع فيلم «دعاء الكروان» الذي يعتبر من أفضل ما قدمته السينما المصرية، والذي قامت فيه حمامة بتجسيد شخصية معقدة من الناحية النفسية ولكنها أتقنتها. نجاحها الكبير في ذلك الدور جعلها تحرص على انتقاء أدوارها التالية بعناية بالغة لتقدم بعده عددا من أعظم أدوارها جاءت في أفلام مثل «نهر الحب» و «لا تطفئ الشمس» و «لا وقت للحب».
بعدها وفي السبعينات، وبعد عودتها متمردة رافضة قدمت «امبراطورية ميم» و «أريد حلا» لتعبر عن سخطها على قوانين وأنظمة بلدها ثم «يوم حلو ويوم مر» العام 1988 الذي انتقدت فيه مبادئ عصر الانفتاح المتقلبة في مصر.
سيرة نجومية
طوال ما يصل إلى 5 عقود حافظت حمامة على صورة جميلة ومشرقة للفنانة المصرية التي عاصرت عقودا طويلة من تطور السينما المصرية. تألقت في معظم أدوارها، وهي الأدوار التي تجاوزت مئة دور، جسدت حمامة من خلالها الكثير من الشخصيات غير المألوفة في السينما المصرية.
عقد التسعينات شهد توقفا لحمامة استمر 7 اعوام، اختيرت خلالها أفضل ممثلة أثناء احتفال للسينما المصرية العام 1996 بمناسبة مرور 100 عام على إنشائها. كما تم اختيار 18 من بين أفلامها ضمن 150 فيلما من أفضل ما أنتجته السينما المصرية.
كذلك شهدت فترة غيابها تلك تسلمها شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية في العام 1999، وأخيرا حصولها على جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتّاب والنقاد المصريين ومنحها وسام الأَرْز من لبنان ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، في العام 2000.
وجه القمر
في العام 2000 قررت حمامة العودة الى الأضواء من خلال المسلسل التلفزيوني «وجه القمر». في هذا المسلسل مارست حمامة دورها الناقد الذي تميزت به في العقود الأخيرة إذ ابرزت فيه الكثير من سلبيات المجتمع المصري. تم اختيار الممثلة أحسن ممثلة عن أدائها في المسلسل كما تم اختيار المسلسل أحسن مسلسل.
يذكر أن «وجه القمر» هو ثاني عمل درامي تلفزيوني تشارك فيه الفنانة بعد مسلسل «ضمير أبلة حكمت» الذي قدمته العام 1990.
فاتن حمامة... نجاح لا يتوقف
لم تتوقف نجاحات فاتن حمامة طوال العقود الكثيرة التي تمثل عمرها السينمائي. قدمت في كل مرحلة ما يتناسب وتطلعات الجمهور وملامح المرحلة. لم ترضَ بأن تحتجز في قالب واحد قد تفرضه ملامحها أو شخصيتها حتى إتقانها دورا ما. في كل مرحلة قدمت ما يكسر القاعدة ويقدم صورة مشرقة لفاتن حمامة أولا، وللفنانة المصرية ثانيا، وللمرأة المصرية والعربية ثالثا.
حافظت فاتن على أن تبدع كل أدوارها وتتقمص كل الشخصيات التي أسندت إليها بإبداع لا نظير له، من دون أن تتنازل عن كثير من مبادئها ومن دون أن تثير استياء أو اعتراض أي طرف سواء أكان ناقدا أم متفرجا أم مختصا سينمائيا. فاتن حمامة سيرة نجومية ونجاح لم تتكرر في تاريخ السينما المصرية.
العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ
غلا
يسلموووووو