العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ

الشيخ «السحليّة» و «الملالي»... فضْحُ أوراقٍ... أم رصدُ واقعٍ؟

الفيلم الذي سمحت به إيران ومنعته البحرين

أثارت تسمية فيلم إيراني بـ «السحليّة» (مارمولك بالفارسيّة) كثيرا من اللغط داخل إيران، وهو ما عطّل عرض الفيلم بشهر عن موعد الافتتاح المقرّر العام الماضي. فالفيلم الذي بدا في ناحيةٍ منه وعظيّا أخلاقيّا، رأى البعض أن فيه تلوّنا كالسحالي لتمرير استهزاء صريح بطبقة رجال الدين، وهو ما حدا بالمجلس الإسلامي الأعلى في البحرين إلى منع عرض الفيلم الذي أثار ضجّة عالمية.

يعدّ الفيلم سابقة على مستوى الإنتاج السينمائي الإيراني في موضوعه الذي تعرّض بشكل صريح لرجال الدين «الملالي» في مجتمع دأب على تبادل النكات عنهم في مجالسه الخاصة، وإن تطوّر الأمر في بعض المناطق ولاسيّما المدن.

«رضا السحليّة» فيلم كوميدي، يمتاز بالبساطة، وهو من إنتاج منوشهر محمدي، ومن إخراج كمال تبريزي، وقام بدور البطولة فيه الممثل برويز برستوني (رضا السحليّة). سجّل الفيلم بعد تلك الضجّة إيرادات قياسية في إيران مع أكثر من 930 ألف دولار في أقلّ من ثلاثة أسابيع، كما فاز بجائزة الجمهور مهرجان طهران السينمائي الدولي العام الماضي.

رأى البعض في «السحليّة» محاولة جريئة/ مبطّنة لنقد المؤسسة الدينية، فيما رأى آخرون أنه «يفضح أوراقا سريّة في المذهب الشيعي، ويتركها مبعثره ما بين الرّكاكة الهشة والرياء الفاضح»! إلا أنني لم أرَ من خلال متابعتي للفيلم لثلاث مرّات تقريبا ثمّة فضحا بقدر ما هو إعادة تصحيح، فالمخرج تعمّد الإشارة إلى نماذج مشرقة من رجال الدين «الأفاضل»، فيما نقل بشكل «غير مباشرة» صورة لرجال دين «يضحكون» على الناس. صوّر بساطة مجتمع القرية الذي يعامل أيّ رجل دين بوصفه قدّيسا يُحمَل على أحسن الظنون، فيما التصوير مُفارق في المدينة حيث الاستهزاء والاحترام موجودان معا.

عنونة الفيلم بـ «السحليّة» - وإن وجد مبرّره بوشم البطل نفسه بسحليّة وقدرته على التسلّق - لم يكن بريئا، وقد بلغ «التلوّن» و «التداخل» في الفيلم حدّا ألبس الأمر حتى على وزارة الإرشاد الثقافي (مقصّ الرقيب الإيراني) ورئيس القوّة القضائية الذي شاهد الفيلم مرتين وطلب رأي لجنة مختصّة بشأنه. وكعادتها لم تفوّت الولايات المتحدة الأميركية على نفسها لعب دور في هذه القضية، فقد قرّر القضاء الأميركي السماح بعرض الفيلم في أميركا بعد وقف عرضه في إيران ورفض الشكوى المقدّمة من الموزع الإيراني لمنع توزيع الفيلم، إلا أن المفاجأة كانت بعرض الفيلم في 18 صالة سينما في طهران في يوم العرض الأول، بعدما حذفت منه الرقابة بعض المقاطع التي ربّما (يظنّ البعض أنّها) «تمسّ بعض الثوابت».

تدور قصّة الفيلم حول «رضا مسغلي» (السحليّة) صاحب السوابق الذي يُقبض عليه محاولا الفرار من السجن. يدخل «السحليّة» في حوارات «صريحة» حدّ «الهرطقة» وهو في المستشفى مع رجل دين يمثل نموذجا صالحا للعالِم العامِل من كدّ يده، القادر على التواصل مع الناس، فيما يمثل هو نموذج «المُفسد»، الذي ترك الدين تحت ضغوط اقتصادية، ومرّ بتجارب عصيبة حتى يئس. ومع الإذن للشيخ بالمغادرة يتغاضى عن هروب «السحليّة» بملابسه، فاتحا له بابا من الأمل بالله تعالى. وسرعان ما فهِم رضا فوائد هذا الزيّ، فقرّر الاستعانة به لتمرير مخطط هروبه من البلاد، إلا أنه وقع بين «أيدي» البسطاء الذين يجلّون رجال الدين. ادّعى «السحليّة» أنه معيّن إماما في مسجد الأمير الواقع في قرية بمدينة مشهد المقدّسة. وعلى غير رغبته اضطر لمسايرة المحيطين في قالب مضحك، إذ يقرّر هذا الشيخ «السحليّة» بمواعظه المختلفة عن المألوف السماح بالغناء في المسجد لكونه لا يتنافى مع الدين، ويتعرّف العبادات عبر اختبار الحاضرين، ويعظ ممّا حفظه من التلفزيون ومن حواراته مع الشيخ في المستشفى!

وفي كلّ تلك الفترة التي قضّاها في تلك المنطقة كان يسعى للتواصل مع الوسيط الذي سيسلّمه جوار سفر مزوّرا، إلا أن محاولاته كلّها تبوء بالفشل، بل يجد نفسه سببا للهداية، ويتحوّل بذلك إلى «قدّيس». تنتهي به الشهرة إلى أن يُطلب ليبارك إطلاق سراح بعض المساجين، واضطر حينها لتقديم عظة صادقة أبكته كانت سبيلا للقبض عليه بعدما أثار شكوك آمر السجن الحاضر حينها، تاركا في آخر مشهد المسجد غاصّا بالناس الذي تحوّلوا على يديه إلى متديّنين يقيمون احتفالا دينيا على أنغام الأغاني في المسجد، فيما يستقلّ هو سيارة الشرطة، ويسلّم زيّ الملا إلى فتى أبكم في إشارة رمزية واضحة، قائلا: «إن هدف هذه الملابس تهذيب الناس»، في نقد رمزي لبعض «الملالي».

ما يلفت النظر في الفيلم عدّة قضايا جوهريّة جدا، الأولى وعظية بالدرجة الأولى وهذه هي القضية التي سوّغت تمرير الفيلم من «الرقابة» باعتقادي، فالفيلم يقول «إن الله أفضل صديق» و «الطرق بعدد أنفاس الخلائق»، وقد وصل «السحليّة» وأوصل الكثيرين على اختلافهم إلى تلك الحقيقة بقصد أم بغير قصد، والثانية أن هدف رجال الدين تهذيب الناس، وعليه ينبغي أن يلبس هذا الزيّ أهله.

العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً