كتب طارق إمام ذات يوم متحدثا عن الشاعر المصري حلمي سالم: «حلمي سالم هو شاعر تفكيك بامتياز. تبدو قصيدته لعبة دائمة من (الفك والتركيب)، (الاحلال والإبدال) ... وهو ما يمنح نصوصه تلك الفداحة الجمالية التي جعلتها دائما مثيرة للجدل...».
حلمي سالم كان ضيف بيت الشعر في أمسية شعرية ضمن فعاليات مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث وقدم أمسية شعرية برهن من خلالها مرة أخرى على أحقيته بالجدل الذي يبدو أنه صار ميزته التي لا يرتضي غيرها.
قدم حلمي سالم في هذه الأمسية مجموعة من قصائده استمع لها الجمهور الحاضر بانتباه، باستغراب، بضحكات متوارية في أحيان كثيرة، ذلك أن الصورة الشعرية التي يقدمها سالم وعلى بساطة مكوناتها وليونة كلماتها، هي بالفعل صورة مثيرة للجدل.
يقول سالم في قصيدة عنوانها «لميس»:
أدارت الحدث
الصيدلانية الجميلة التي
عينت طبيعة السحابة
وموضع الشعاع
ثم دربت أباها
على تدوير أكرة الباب
عشرة مرات
ولان حلمي سالم كان مثيرا للجدل دائما، فقد كان في كل كلمة ينطق بها من قصائده يثير ردة فعل معينة في الجمهور الحاضر، والسر لم يكن في الكلمة وإنما كان في ما يليها من كلمات يصفها الشاعر ليكون الصورة المفاجئة غير المتوقعة، ذلك أن حلمي بقدر ما يقترب من البساطة في اختيار كلمات قصائده، وهي بساطة تصل به إلى حد التوغل في البيئة الشعبية المصرية، بقدر ما يرتفع بالصورة الشعرية إلى حدود يتجاوز فيها الخطوط الحمراء في أحيان كثيرة. ولذلك يعجز النقاد في تصنيفه، فهو الشاعر المتمرد الذي تعجز عنده التصنيفات وعلى رغم من ذلك يستسهل الكثيرون منهم تصنيفه ضمن خانة الشعراء الحداثيين فهو شاعر يرفض التغريد داخل سرب التقليدية في الشعر. وهو يقر بذلك في إحدى حواراته الصحافية إذ يعتبر سالم أنه يصنف نفسه ضمن شعراء الحداثة العربية ويضيف «لكن الحداثة لدي ليست دينا ولا شيكا على بياض. وليست «روشيته» جامدة أبدية. ومن ثم فهي لا تمنعني من أن أذهب إلى الغناء أو إلى المباشرة، أو حتى إلى الصراخ إذا اقتضى وضع ملتهب ذلك الصراخ. إذ اعتبر أن هذا الصراخ (الشعر السياسي المباشر) هو ضريبة عاجلة وليست آجلة. ينبغي أن تدفع في التو، في الموقع، نقدا. ولست أرى في ذلك عيبا كما يرى بعض الحداثيين».
ويذهب حلمي سالم بعيدا في تمسكه باللاالتزام في الانتماء حتى أنه يبدو أحيانا مستمتعا بتجاوز الخطوط الحمراء، فهو الشاعر الذي ينتمي إلى جيل السبعينات يستلذ هذا الجدل الذي يبعثه في الساحة الشعرية المصرية والعربية وهو لا يتوانى أبدا عن السعي إلى إحداث هذا الجدل، حتى أنه اتهم في إحدى المرات بالتعدي على المحرمات والإساءة إلى الذات الإلهية، وذلك بعد نشره لقصيدة بعنوان «شرفة ليلى مراد» في مجلة «إبداع» المصرية ومنحه جائزة الدولة للتفوق في الآداب، واعتبرت بعض الجهات في ذلك الوقت أن «الجائزة منحت لحلمي سالم كموقف «سياسي» وليس كموقف إبداعي؛ فالموقف الإبداعي من قصيدة حلمي سالم أنها لا ترقى لأن تكون قصيدة، ومن الخطأ إدراجها ضمن ديوان الشعر العربي؛ فهناك قصائد كثيرة تجاوزت ما يسمى بـ «المحرمات» في ثقافتنا ولكنها من الناحية الفنية كانت تحمل الكثير من الجوانب الإبداعية؛ لأن كسر المحرمات والتابوهات لا يعني الإبداع، وفي الحالة التي بين أيدينا هناك «إسفاف» أدبي، فإذا كانت المؤسسة الثقافية قد منحت له الجائزة من أجل قصيدة «شرفة ليلى مراد»، فبئس بها من جائزة».
يذكر أن حلمي سالم رأس عددا مهما من الصحف والمجلات الثقافية وهو أساسا خريج قسم الصحافة بكلية الأداب بجامعة القاهرة، صدرت له عدة دواوين شعرية وكتب ثقافية.
العدد 1917 - الأربعاء 05 ديسمبر 2007م الموافق 25 ذي القعدة 1428هـ