حسنا فعل الشعب الفنزويلي حين صوّت بـ «لا» على التعديلات التي اقترحها الرئيس هوجو تشافيز؛ ليهيء الأرضية للبقاء في السلطة حتى يتعفن!
الرجل يبدو أنه أصابته لوثة عربية، حين أعلن عن رغبته العارمة في البقاء في السلطة، قائلا: «إنّ الله لو أعطاني العمر سأكون على رأس الحكومة حتى العام 2050»، ولو تحققت له أمنيته -لا سمح الله- لظلّ يحكم بلاده وهو يتوكأ على عكّاز يهش به على «شعبه» وهو في الخامسة والتسعين. ولو تحقق له ذلك «الكابوس»، فإنه سيمدّد لنفسه خمسين عاما أخرى؛ لتصبح فنزويلا حظيرة يديرها راعٍٍ أوحد تجسّدت فيه مشيئة الآلهة، ينطق بلسان السماء، ومن لهم رأي آخر مجرد أراذل ومشاغبين.
الرجل له شعبيةٌ كبيرةُ وإنجازاتٌ على الأرض، خصوصا في مجال إعادة توزيع العائدات النفطية؛ ليستفيد منها المزارعون بالمناطق الفقيرة. وهو من دعاة «الثورة الاشتراكية»، ومن الرموز الجديدة للتيار التحرّري الأممي، الذي يشكّل هاجسا مزعجا للدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري، ومع ذلك، فإنّ الفنزويليين لم يوقّعوا له على بياض، فالشعب الذي ينظر للمستقبل، لابدّ أنْ يحتاط لنفسه من الوقوع في فخ مشروع لدكتاتورية مستقبلية.
نتيجة التصويت أظهرت معارضة 50.7 في المئة للتعديلات الدستورية، ولو كان الوضع في بلد عربي؛ لوافق 99 في المئة على تعديل الدستور، ليس لجهة بقاء الرئيس إلى الأبد فحسب، بل لتوريث ابنه من بعده وتنصيبه خليفة مدى الحياة!
معارضو تشافيز لم يخفوا فرحتهم بهزيمته، وسرعان ما نزلوا إلى شوارع العاصمة (كاراكاس)، وأطلقوا أبواق سياراتهم وهم يلوّحون بالأعلام. وبالمقابل لم تعجب النتيجة شافيز طبعا، ولكنه حاول أنْ يظهر متماسكا، هادئا، ومتقبّلا لنتيجة الحياة الديمقراطية، إلاّ أنه قال «سوف أستأنف معركتي من أجل بناء الديمقراطية، فالإصلاحات مازالت حيّة، ويمكن أنْ نمرّرها (التعديلات) في وقت لاحق»، وخاطب أنصاره مطمئنا: «لا تحزنوا، فهناك فرقٌ دقيقٌ جدا بين «نعم» و«لا». فالرجال الأقوياء لا يستسلمون لهزيمة ولا يعترفون بوجود معارضة، ولا يعتذرون عن أي خطأ بحق الشعب، وهم دائما على حق ومعارضوهم خونةٌ للوطن وعملاءُ للخارج، وما حدث «ليس هزيمة بل (سحابة صيف) فقط».
إنّ من سوء حظ تشافيز انه لم يحظ بشعبٍ يقبل أنْ يساق مثل القطعان في البرية، ولو كان ذكيا لركب أوّل طائرة متجهة إلى منطقة الشرق الأوسط، للاستعانة بخبرات دولها في مجال تنظيم الانتخابات؛ ولطلب أنْ تمدّه بمجموعةٍ من خبرائها المتمرّسين في تقسيم الدوائر بحسب الانتماءات الطائفية والعرقية بما يضمن «تمرير» التعديلات المطلوبة؛ ولأستأجر مجموعة من «الأقلام» الصحافية التي تتولى نشر استطلاعات رأي لا تأتي نتائجها بأقل من 95 في المئة من التأييد!
فنزويلا قالت كلمتها وأثبت الشعب الفنزويلي أنه يحترم نفسه ويحرص على مستقبله، وعلى شافيز الحالم بالتغيير الثوري مهما يكن الثمن، أن يجهّز حقائبه للرحيل عن قصر الرئاسة بعد خمس سنوات. وعلى الفنزويليين أيضا أنْ يفكّروا جيّدا في العرض السخي الذي عرضه عليهم: «أنا مستعدٌ أنْ أكون رئيسا مدى الحياة طالما أنّ الشعب يريد ذلك»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ