العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ

مؤتمر الوفاق الأول للمرأة... هل من مشتركات؟ (2/2)

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

لم تكن فكرة تجميع ناشطات اجتماعيات وسياسيات من تيارات مختلفة في مكان واحد فكرة سهلة، فمثل هذه الأنشطة تتطلب جهدا إضافيا في إعطاء الفرص للحوار والعرض المتبادل وحسن الاستماع المتبادل وحسن التداول المتبادل. والمتأمل للساحة يلحظ بروز تكتلات نسائية متمايزة تعلن عن هويتها وتبايناتها بشكل واضح، ولم يعد دقيقا تصنيفها جميعا على أساس النوع الاجتماعي في كل شاردة وواردة بكلمة نساء أو المرأة هكذا. وعلى رغم الخصوصيات لا تنتفي مجالات التقارب وخصوصا فيما يتعلق بالشأن الوطني ومطالب وحقوق الناس والملفات الشعبية المطلبية. وينبغي حرصنا على التواصل مع احترام الاختلاف ومع من يبادلنا الاحترام وممارسة ذلك بشفافية ومراعاة وشجاعة.

المصطلحات والمضامين

... هل نأمل في التفهم

من الأمور الإيجابية التي لاحظناها في المؤتمر استخدام غالبية أوراق الجلسة الأولى المصطلحات العصرية للمدافعة عن حقوق المرأة كالتمكين والأنسنة والمساواة والمشاركة السياسية ومراكز صنع القرار والتغيير ما يدل على تبادل القراءة في أدب الآخر أو زيادة الاستماع حتى، ولكن الاستماع لأغلب المتحدثات والمعقبات أظهر المنطلقات المتوجسة نفسها غالبا تجاه التفكير الحداثي الداعي للأخذ بالتفاسير المتنورة فيما يتعلق بنهوض المرأة. ولعله أمر مستغرب وعلى رغم انفتاحنا على العالم بطرق ووسائل متعددة لا تحصى، لانزال نرى أوراقا تنظر للثقافة الغربية على عمومها بأنها شر مطلق، وعلى نمط سلبي واحد، وليس كخبرة إنسانية متطورة ومتحضرة ومتباينة. بالضبط كما نقرأ في المواقع الإلكترونية الإسلامية عموما من انتقادات لاذعة متضخمة للاتفاقات الدولية، والحط من مضامينها.

اليسارية... كيف يفهمها الناس

كثيرا ما تكون المصطلحات التي نصف بها بعضنا بعضا جدارا سميكا مانعا للتواصل، ووصمة يتناقلها الناس بتحريفاتها وقصورها المعرفي، وتكون النتيجة في النهاية تعزيز الكراهية وزيادة التباعد لا التقارب والفهم. سأقتصر فيما يلي على عرض بعض ما وجدت تحت تعريف اليسارية، لأنه مصطلح تكرر كثيرا في الورقة ووصفت به مرارا تلك الناشطات السياسيات من الرعيل الأول، وهدفي فقط التوقف للتفكير في المضمون بعد القراءة والمقارنة مع ما يفهمه الناس من مضامين إلحادية عند سماعهم كلمة يسار أو يساريات... فوفق الموسوعة الحرة ويكيبيديا، (اليسارية) مصطلح يمثل «تيارا فكريا وسياسيا يتراوح من الليبرالية والاشتراكية إلى الشيوعية مرورا بالديمقراطية الاجتماعية والليبرالية الاشتراكية» ولعله من الأجدى للباحثين المهتمين بالصورة الشاملة العودة إلى تعاريف تلك المصطلحات الواحد تلو الآخر.

وبحسب المصدر فإن أصل المصطلح يرجع إلى الثورة الفرنسية واجتماع ضم ممثلي الطبقات الثلاث للشعب الفرنسي العام 1789 عندما جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب على يسار الملك لويس السادس عشر، بينما جلس النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين على يمينه وقد أدى الاجتماع إلى سلسلة من الإضرابات والمطالبات من قبل عامة الشعب وانتهى إلى قيام الثورة الفرنسية. ومازال هذا الترتيب في الجلوس متبعا إلى هذا اليوم في البرلمان الفرنسي.

ووفق هذا المصدر أيضا وغيره، فإن استعمالات المصطلح بمرور الوقت، تعقدت وتشعبت بحيث أصبح من المستحيل «استعمالها كمصطلح موحد لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسارية، فقد تعني الاشتراكية أو الديمقراطية الاجتماعية (في أوروبا) أو الليبرالية (في الولايات المتحدة)، أو تلك الحركات التي لا تتبع المسار المركزي للحزب الشيوعي وتطالب بالديمقراطية في جميع مجالات الحياة. وفي الستينيات ظهر تيار يساري جديد اعتبر أقصى اليسار أو اليسارية الراديكالية أو اليسار الجديد واختلف عن اليسارية التقليدية بتوجيه اهتمامه نحو قضايا اجتماعية أوسع تشمل مجالات حقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحماية البيئة وحرية الرأي والتعبير وغيرها. ثم جاءت مرحلة ما بعد الحداثة وبدأ اليسار يبتعد تدريجيا عن النظريات الماركسية والأممية ولا يقبل التحليلات والتفسيرات الشمولية التي تبنتها، ليركز على خصوصية وتركيبة المجتمع معتبرا هذه الوسيلة أكثر واقعية ونفعا من الأسلوب اليساري القديم في محاولة نسف كامل وإعادة بناء كامل للمجتمع. ويواصل التوضيح أن اليساريين يتباينون في تعريف أنفسهم، فالبعض يرفض رفضا قاطعا أية صلة بالماركسية والشيوعية بينما يرى البعض الآخر أن اليساري الحقيقي يجب أن يكون شيوعيا أو اشتراكيا.

أما في شرح قضايا اليسارية عموما فيشير المصدر إلى اختلاف اليسار السياسي عن اليمين بتبني اليسار للحريات الشخصية والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية ومناهضة التمييز ومعارضة تمركز القوة والثروة في طبقة معينة وتشجيع الديمقراطية والقضاء على اللامساواة وحقوق الطبقة العاملة وضماناتها الاجتماعية ومناهضة الامبريالية والعولمة والتمييز بسبب العرق والجنس والدين. ولا يرى بعض اليساريين بأسا من التحالف مع بعض التيارات الدينية. وباختصار أصبحت الهوية اليسارية تشير إلى التطلعات التغييرية نحو العدالة الاجتماعية، ومن الواقع المادي المعاش. وفي علاقة اليسارية بالدين والمعتقد، يرفض الكثير من اليساريين أن يعرَّفوا بالإلحاد فينعزلوا عن محيطهم، مثلما يرفضون تحويل الدين إلى سياسة وفرضه على المجتمع والدولة. واليسارية بكل تياراتها وأن تدعو إلى إلغاء الطائفية في الحياة العامة، فهي تتيح لكل عضو من أعضائها أن يعبّر عن قناعاته في مجال الدين وفق خياراته الفردية من دون الربط بالخيارات السياسية والاجتماعية للإنسان. كما يعتقد جزء من اليساريين أن الدين يلعب دورا محوريا في حياة وروح وثقافات وأذهان أغلبية الشعوب العربية وأن احترام تلك المشاعر الدينية واجب أخلاقي وأنه لا تعالي على مناسبات الشعب ومعتقداته وثقافته. وقد كانت بعض الحركات اليسارية تاريخيا تتبنى المعتقدات الدينية ومن أبرزها حركة إنهاء التمييز العنصري في الولايات المتحدة على يد القس مارتن لوثر كنج.

الناشطات الرائدات هل كن «مرفوضات مجتمعيا»

رأت ورقة «واقع العمل السياسي للمرأة في البحرين» في المؤتمر الناشطات «بالمرفوضات مجتمعيا» بعد عودتهن من الجامعات وتفاعلهن مع المجتمع ثم تصادمهن مع المجتمع المحلي «الذي هو بطبيعة الحال مسلم وولاؤه للرموز الإسلامية». ولو كان هذا رأيا مبنيا على استفتاء علمي ما لسلمنا به، ولكنه يبقى رأيا خاصا نحترمه ونوقره، فمن عمل في تلك الفترة من الخريجات المسلمات بطبيعة الحال، في مجالات محو الأمية والتوعية الصحية والغذائية، تلمس قبولا وترحيبا من المرأة في الريف، أما من كان يصدر تلك التوصيفات فكان يمثل رأي بعض الرموز الدينية التي تمارس دورا في مقاومة التغيير وضبط الإيقاع في بيئات محافظة لا تضع المصلحة الاجتماعية للنساء في الأولوية. ونتفق مع الباحثة أن السلطة قد استفادت من ذلك أيما فائدة ولعبت على كل الأوتار حتى تنهي أية فرصة لالتقاء فئات وشرائح المجتمع الشعبية والنخبوية وغيرهم، ضمن إطباق أمني شديد على كل الأنشطة الخيرية والثقافية والوطنية، لذلك نرتئي أن تبني تلك العقلية أو التلميح بها وخصوصا بعد تحليل منطلقاتها، يبعث على تشويش المتلقي الذي ربما يمتلك خبرة ومعرفة محدودتين بأدوار تلك الناشطات عندئذ وعن مدى اندماجهن مع المجتمع.

وقد يخدم القارئ ذلك العرض السابق الخاص بتعريف تيارات اليسارية، للحكم على صوابية تعميم كون اليساريات والبعثيات في بدايات العمل السري والخيري «مرفوضات مجتمعيا» وبعيدات عن المجتمع المحلي حتى بروز النخب النسوية الإسلامية كما ورد في الورقة، إذ يجب تحديد المقصود من ذلك بدقة أكبر. وتشير تجارب جمعية نهضة فتاة البحرين السابقة في السبعينيات إلى قبول واسع من الناس وإقبال كبير من النساء على مراكز محو الأمية وتعليم الخياطة في جزيرة سترة والنبيه صالح والمالكية وبرامج التوعية الأسرية والغذائية التي كانت تشرف عليها عضوات الجمعية، حتى بدء الاهتمام الرسمي وتنظمت المتابعة الحكومية عبر وزارة التربية والتعليم.

الائتلاف النسائي بين التنظيمات السياسية... هل سبقت الفكرة الأوان

كثيرات لا يعرفن عن محاولة إقامة بعض الجمعيات السياسية، ائتلافا نسائيا بين التنظيمات السياسية بادرت بها جمعية العمل الوطني الديمقراطي، ودعت فيها جمعية الوفاق، للتنسيق في قضايا المرأة ولا يعرفون مقدار الوقت والجهد الذين صرفا في كتابة وثيقة مبادئ أو ما أسميناه عندئذ بميثاق الشرف بين التنظيمات السياسية لتعزيز التمثيل السياسي للمرأة البحرينية في مطلع العام 2006م. لعل الظروف لم تكن مواتية عندئذ ولعل الشركاء لم يكونوا على الدرجة نفسها من الاهتمام، ولربما اقتصر البعض على تكتلاته النسائية وقاعدته الخاصة وأراد صيانتها... عموما تبقى فكرة التحالفات بناء على المبدأ والموضوع واردة بما يخدم المرأة ولا يضر العمل الوطني... وأود أن أظل متفائلة بإمكان التقارب فيما يخص استحقاقات المرأة المبدئية من كرامة ومكانة وحقوق، عمليا لا لفظيا، على الأقل على مستوى الأفراد ولا أشك للحظة واحدة أن المشتركات الوطنية بين النساء فيما يخص صلاح البلد هي متطابقة وهي التي تجمعنا في اللحظات الحرجة.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً