المساواة في بعض الأحيان ظلم، إذ كيف يُعقل أنْ تكون الرسوم المفروضة على استجلاب خباز براتب 60 دينارا من قبل أحد أرباب العمل البسطاء هي الرسوم نفسها على أجنبي براتب 600 دينار؟ وإذا كانت الحجة من وراء رفع الرسوم المقترحة هو رفع كلفة الأجنبي حتى يصبح البحريني خيار رب العمل، فبعد كم عقد من الزمن ستكون وظيفة خبّاز أو عامل بناء مناسبة للبحريني في ظل وجود 400 ألف أجنبي؟
وبغض النظر عن طريقة فرض الرسوم كوسيلة لجعل البحريني خيار رب العمل، فإنّ فرض مبالغ ثابتة متساوية على الكل ليس من الإنصاف في شيء، فضلا عن أنه لن يحقق الهدف المعلن عنه وهو جعل البحريني هو خيار رب العمل. وفي ظل حاجة السوق لأكثر من 70 في المئة من العمالة الأجنبية فوق ما هو متوافر من العمالة الوطنية، فلا يصح تعميم الرسوم، وإنما رفعها على الوظائف ذات الرواتب المجزية حتى يضطر أرباب العمل لتوظيف البحريني فيها. السوق في حاجة لعمّال أجانب أكثر بكثير مما هو متوافر من البحرينيين، فسنويا يزداد عدد العمّال الأجانب المسجلين فقط في القطاع الخاص والمؤمَن عليهم بمعدل أكثر من 32.5 ألف أجنبي، وهذا الرقم مستند لإحصاءات الهيئة العامّة للتأمينات للفترة بين 2001 إلى 2005، بينما يدخل سوق العمل من البحرينيين سنويا ما يعادل عشرة آلاف بحسب دراسة مكنزي، وحاليا يوجد أكثر من 300 ألف أجنبي مسجلين في القطاع الخاص وحده، فكم سنة نحتاج حتى تصبح هذه الوظائف البسيطة التي يعتاش عليها صغار رجال الأعمال محل رغبة البحريني؟ فلو افترضنا فرضا أقرب للخيال، وهو أنّ عدد الأجانب سيبقى ثابتا ولن يزيد، ولو افترضنا دخول عشرة آلاف بحريني لسوق العمل، فإنّ السوق لن يستغني عن الأجانب قبل مرور أكثر من ثلاثين عاما من الآنَ.
والحل في الوقت الحالي هو التركيز على القطاعات ذات الرواتب المجزية التي هي محط آمال المواطنين، عن طريق تدريب المواطنين على وظائفها، وفرض رسوم عالية على توظيف الأجانب العاملين فيها من أجل جعل البحريني خيار رب العمل. أماّ مثل قطاع البناء، فحتى لو تم فرض مئة دينار على كل ّأجنبي، وليس مجرد رفع الرسوم بمقدار عشرة دنانير على الوضع الحالي شهريا، فلن تحفّز المواطن للعمل في هذا القطاع براتب 230 دينارا، ولو أنّ رب العمل طلب من وزارة العمل عمّال بناء بحرينيين، لعجزت عن توفيرهم بهذا الراتب. بجانب ذلك، لايوجد ما يكفي من السكّان لسد حاجة السوق من العمّال في قطاع البناء، فالسوق بحسب إحصاءات سنة 2005 للتأمينات فيها أكثر من 75 ألف عامل أجنبي يعملون في هذا القطاع وحده (انظر موقع التأمينات الاجتماعية لمزيد من الإحصاءات). وحتى نثبت خطأ فرض رسوم من دون تمييز بين القطاعات، وافترضنا فعلا تم تطبيق رسوم المئة دينار عن كلّ أجنبي شهريا على مقاولي البناء بحسب دراسة مكنزي وذلك في العام 2009، فإنّ أمل المواطن ببناء مسكن سيعتبر في حكم المقبور إلى الأبد، لذلك ينبغي إما إعفاء القطاعات التي يديرها الصغار والتي لا يرغب فيها المواطن لقلة أجورها، أو فرض رسوم بالنسبة المئوية على راتب الأجنبي.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ