العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ

إيران والمشاهد الثلاثة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ظهرت إيران في الأسبوع الماضي في ثلاثة مشاهد على الساحات الدولية والأميركية والعربية.

المشهد الأول تمثل في فشل اللقاء الإيراني - الأوروبي في التوصل إلى تفاهم نهائي بشأن الملف النووي. المندوب الإيراني قال إن بلاده لن تتراجع عن حقها في استخدام الطاقة لأغراض سلميّة على حين أعرب المندوب الأوروبي عن خيبة أمله في احتمال تذليل العقبات قبل العودة إلى بحث موضوع فرض مزيد من العقوبات. المشهد الثاني تمثل في صدور تقرير مشترك عن الأجهزة الأمنية الأميركية (16 جهازا) يشير إلى أن طهران أوقفت مشروع التخصيب النووي في العام 2003 وأنها لا تملك تقنيات تطوير إمكاناتها على مستوى التجهيز العسكري. المشهد الثالث تمثل في حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد افتتاح قمة «دول مجلس التعاون الخليجي» في الدوحة للمرة الأولى منذ تأسيس المجلس في العام 1981.

المشاهد الثلاثة لها دلالاتها السياسية وترسل إشارات رمزية وإن كانت باتجاهات متعاكسة. فالمشاهد تتلاقى في أكثر من حقل وتتقاطع على حدين: الأول، الملف النووي والنهايات المتوقعة له في الأسابيع والأشهر المقبلة. الثاني، موقع إيران ودورها في منظومة الخليج.

تداخل الملف الأمني (النووي) مع الموقع الإيراني ووظيفته السياسية والاقتصادية في الدائرة الخليجية يرسم تلك الصورة الغامضة التي تظهر فيها المنطقة والاحتمالات المتوقعة لها في حال لم تتوصل الأطراف المعنية إلى توضيح تلك الملابسات بشأن مشروع التخصيب.

الملابسات تبدو ظاهرة للعيان على أكثر من مستوى. المندوب الأوروبي يطلق تصريحات في لندن تعبّر عن قلق وخيبة أمل ولكنه لا يقفل باب الاتصال والحوار. الدول الكبرى تلتقي في باريس ولا تتفق على مشروع موحد يحدد صيغة التعامل مع إيران ولكنها تتوافق على مواصلة البحث في تجديد العقوبات وتشديدها في قرار ثالث يرجح صدوره عن مجلس الأمن.

الملابسات هذه يمكن سحبها على الموقف الأميركي الغريب في تعامله مع موضوع واحد. الإدارة ممثلة في تيار «المحافظين الجدد» تهدد طهران وتتوعدها وتلمح إلى اعتماد الخيار العسكري. أجهزة المخابرات والمعلومات تشير إلى تقصير تقني وفشل طهران في تطوير برنامجها ولكنها لا تتردد في وضع «قنبلة موقوتة» حين تذكر أن إيران تستطيع إذا ارادت أن تحوّل مشروعها بسرعة إلى إنتاج طاقة غير مدنية بين عامي 2010 و2015.

الملابسات نفسها يمكن قراءة بعض ملامحها في خطاب الرئيس الإيراني في قمة الدوحة الخليجية. فالخطاب تجنب الكلام عن «المشروع النووي» وتجاهل الأزمة المفتعلة أو المحتملة وذهب إلى طرح مشروع شراكة بين ضفتي الخليج من دون إشارة إلى تطورات أمنية قد تتورط بها المنطقة في حال وصل الملف النووي إلى طريق مسدود. وحين سئل الرئيس الإيراني عن هذا الأمر أجاب أن «مسألة الملف النووي انتهت».

«الموضوع انتهى» يطرح أكثر من سؤال. فهل انتهى المشروع إلى حيثما ذكرت الأجهزة الأميركية الأمنية في تقريرها الأخير؟ أي أنه توقف عن العمل في العام 2003. وهل «انتهى» بمعنى أن إيران تجاوزت العقبات السياسية والتقنية وأصبح الموضوع أمرا واقعا لا نقاش بشأنه؟ وهل «انتهى» بمعنى أن مسألة التخصيب داخلية ولا يجوز التطرق إليها من الجيران أو غيرهم؟ وهل «انتهى» بمعنى أن إيران أنجزت المشروع واستكملت خطواته ولم يعد بالإمكان التراجع عن شيء أصبح جاهزا؟

غموض وملابسات

هناك إذا ملابسات تطرح فعلا احتمالات غامضة بشأن مسألة حساسة تتخذها الدول الكبرى، وتحديدا الولايات المتحدة، ذريعة للتدخل في منطقة استراتيجية وحيوية اقتصاديا وغنية نفطيا.

جواب «الموضوع انتهى» يفترض احتمالات مفتوحة على تناقضات تتراوح بين حد إقفال الملف وتجاوزه سياسيا وإنجاز المهمة وعدم العودة إلى الوراء. وما يزيد غموض الموضوع ويثير بشأنه علامات استفهام تلك الفِقرات المتعارضة في جوهرها التي وردت في تقرير المخابرات والأجهزة الأمنية الأميركية. فهناك فِقرة تقول إن الملف أقفل في العام 2003، وإذا كانت المعلومة صحيحة فلماذا إذا كل هذا الصراخ والتهويل والتهديد بشأن مسألة منتهية قبل أربع سنوات. وهناك أيضا فِقرة ملغومة تقول إن إيران بإمكانها إنجاز المهمة إذا أرادت ذلك في فترة تتراوح بين ثلاث أو ثماني سنوات.

هذا التعارض في التقرير المخابراتي الأميركي يكشف إما عن ضعف في المعلومات وإما يعكس ذاك التعارض في توجهات الإدارة بين جناح يدفع باتجاه التصعيد وصولا إلى تبني الخيار العسكري وجناح يطالب بخفض الضغط والإبقاء على خيار الحل الدبلوماسي بالتعاون مع الدول الكبرى.

بين ضعف المعلومات وارتباك التعامل السياسي مع الملف يمكن أيضا قراءة تعرجات المواقف الأوروبية من المسألة وتضارب معلوماتها وعدم قدرتها على تحديد نهج عقلاني في موضوع قال عنه الرئيس الإيراني إنه «انتهى» وذكرت بشأنه المخابرات الأميركية أنه أقفل في العام 2003.

أين الصحيح من كل هذا الضجيج؟ هل المسألة مفتعلة ومجرد «كلام في كلام» والقصد من إثارتها التهويل والتخويف لابتزاز المنطقة وتوتير علاقات دولها وتبرير تدخل الدول الكبرى في شئونها أم أن المسألة موجودة فعلا ولم يعد بالإمكان معالجتها سلما ولا حربا باعتبار أن المشروع انتهى (بمعنى أنجز) أو انتهى (بمعنى أقفل)؟

هذه الملابسات اللُغوية تزيد غموض المسألة لفظيا. المندوب الأوروبي مثلا قال إنه أصيب بخيبة أمل ولكنه أضاف أن باب التفاوض لم يقفل. والدول الكبرى اختلفت على تحديد موقف مشترك من العقوبات في أوروبا ولكنها توافقت على بحث موضوع العقوبات في مجلس الأمن... فإذا كانت اختلفت في لندن وباريس على تذليل العقبات أمام تحديد العقوبات فكيف يمكن التوافق أو التفاهم على مشروع دولي يقال إن العواصم تصوغ فِقراته النهائية في نيويورك؟ فهل ما لا يصح في لندن وباريس يصح في نيويورك؟ وما الفارق بين التعارضين؟

الفارق هو الغموض الذي يزيد من الملابسات. الموقف الأوروبي غير واضح، والموقف الروسي أيضا، والموقف الصيني كذلك، أما الموقف الأميركي فهو الأكثر رمادية بين تقرير مخابرات متعارض في فِقراته وتصريحات إدارة متخبطة في أقوالها.

الغموض نفسه يمكن استخلاصه من خطاب الرئيس الإيراني الذي تحدث عن كل شيء (12 اقتراحا للتعاون) ولم يذكر ذاك «الشيء» بكلمة على رغم أنه يشكّل أولوية دولية وخليجية لمجموعة اعتبارات تمس توازن مصالح الدول المجاورة.

كل هذه الملابسات الدولية والأميركية والعربية التي ظهرت خلالها إيران على الشاشات تؤكد احتمالين: الأول أن الملف النووي «انتهى» أو أقفل منذ العام 2003 ولا داعي للقلق أو التوتر أو حتى الذهاب إلى الأمم المتحدة لمناقشة الأمر. والثاني أن الملف النووي أنجز أو في طريقه إلى الإنجاز بين عامي 2010 و2015 ولذلك فإن المسألة قابلة للتفاوض وتحتاج إلى وقت لتتبلور قبل أن تستقر على قرار نهائي.

إيران التي ظهرت الأسبوع الماضي في ثلاثة مشاهد أرسلت إشاراتٍ رمزية لها دلالات سياسية... ولكنها في خلاصة الأمر زادت من غموض مسألة التخصيب ولم تتضح بشأنه الصورة النهائية للمشروع.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً