أبرزت كارثة مسجد لال قبل شهور قليلة هذه السنة موضوع إصلاح المدارس الدينية الإسلامية. يبدو أن هناك اعتقادا شاملا بين شعوب الغرب ووسائل الإعلام بأن هذه المدارس تساعد على تشجيع عدم التسامح والتطرف وأنها تشكل أرضا خصبة لتجنيد الإرهابيين. واقع الأمر أن تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والذي نشر في الولايات المتحدة أخذ تدريس هذه المدارس على ما يبدو في الاعتبار وخصوصا في باكستان، كمصدر محتمل للمشكلات. وعلى رغم اعترافه بأن عددا قليلا من المدارس فقط يشجع التطرف والأصولية، فإن السؤال يبقى هو كيف يمكن للحكومة الباكستانية أن تساعد على تغيير النظام مع الإبقاء على فوائد هذه المدارس؟
توفر المدارس، ضمن النظام الحالي تعليما يركز بشدة على الدين. ترسل الكثير من الأسر الفقيرة، وخصوصا تلك الآتية من مناطق ريفية أبناءها إلى المدارس، حيث تتوافر لهم الإقامة المجانية والتعليم (على رغم أنه ديني فقط) ووجبتان من الطعام يوميا. إضافة إلى ذلك تؤمن الكثير من الأسر بشدة أن الأطفال بحاجة إلى تثقيف ديني إضافة إلى التثقيف العلماني. لذلك تقوم بعض الأسر أحيانا بنقل الأطفال من المدارس العلمانية إلى مدارس دينية لفترة قصيرة من الزمن للحصول على تعليم ديني قبل استئناف تعليمهم الرئيسي مرة أخرى.
أعتقد أنه حتى يتسنى التغلب على النواحي السلبية لتعليم المدارس (عدم التسامح ونظرة ضيقة جدا تجاه الدين) مع الإبقاء على نظام الرعاية الاجتماعية يحسن رجال السياسة الباكستانيين صنعا إذا انتبهوا للمدارس الدينية الإندونيسية المعروفة بـ «البيزانترانس».
تقع المدرسة التي قمت بزيارتها في بوغو بإندونيسيا قرب العاصمة جاكرتا. كانت مدرسة إسلامية عليا تديرها وزارة التعليم ووزارة الأديان. بعد زيارتي لتلك المدرسة تمنيت لو أن جميع المدارس الدينية كانت مثلها.
كانت المدرسة مختلفة توفر التعليم الديني والعلماني لبنين وبنات في غرف صفية مختلطة. كان هناك تفاعل حرّ بين الجنسين. كانت الطالبات والمعلمة يلبسن الحجاب، ولكن ذلك لم يحد بأي شكل كان من حرية التفاعل بين الطلبة. كان الطلبة يصلون معا، ولكنهم أثناء الاستراحة أخرجوا الغيتار وغنوا أحدث الأغاني. المدرسة على وعي تام بالتعليم الديني المختلط بينما تحافظ في الوقت نفسه على عناصر الثقافة الإندونيسية. كان الطلبة كذلك أعضاء في مجموعات الكشافة، إذ جرى تدريبهم على الاكتفاء الذاتي. كان في المدرسة طلبة يوميون وطلبة داخليون مقيمون.
قضيت ستة شهور في جاكرتا وأدركت أن تلك المدرسة لم تكن فريدة من نوعها، بل إن ذلك هو نظام التعليم الديني في إندونيسيا. كان من السهل التعرف على هؤلاء الطلبة في أرجاء جاكرتا كافة وكذلك في أرجاء أخرى من إندونيسيا الريفية، بتنانيرهن البيضاء الطويلة للطالبات والبزات البيضاء للطلاب.
هناك أكثر من 14.000 بيزانترانس في إندونيسيا، وهي توفر الفوائد التي توفرها المدارس الباكستانية. وتوفر الإقامة والمأكل والتعليم في مناطق لا تستطيع حتى الحكومة إنشاء مدارس فيها.
أشعر بأن الخليط الديني والعلماني الموجود في إندونيسيا يسمح للشباب بأن يكونوا متسامحين ليس فقط مع الديانات الأخرى وإنما مع هؤلاء الذين ينزعون لأن يكونوا مختلفين داخل ديانتنا. إضافة إلى ذلك، فإن الصفوف المختلطة والتعامل يسمحان بمستوى معين من الاحترام والتسامح بين النوعين الاجتماعيين، وأعتقد بقوة أن لدى باكستان الكثير لتتعلمه منهم.
تحسن حكومة باكستان صنعا إذا استثمرت بعض مواردها في محاولة فهم ما الذي يجعل المدارس الإندونيسية تعمل بهذا الشكل الجيد؟ ولماذا يحصل نحو 20 في المئة من طلبة إندونيسيا على تعليمهم من هذه المدارس؟ ولماذا لاتزال إندونيسيا قادرة على الحفاظ على سمعتها كدولة مسلمة معتدلة، حتى مع هذا النظام الواسع من المدارس؟
* محللة في جامعة جورج تاون بواشنطن العاصمة،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1916 - الثلثاء 04 ديسمبر 2007م الموافق 24 ذي القعدة 1428هـ