العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ

وزير المجاهدين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما تكون الجزائر الدولة الوحيدة في العالم التي توجد فيها وزارةٌ للمجاهدين. والمتابعون للأخبار، ربما حفظوا في الأيام الأخيرة اسم «وزير المجاهدين» محمد الشريف عباس بسبب تصريحاته التي استبق بها زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الجزائر (المقررة أمس الاثنين)، إلى درجة أن طالب بعض الفرنسيين بإلغائها.

الوزير الجزائري قبل ستة أيام، أرجع الفضل في فوز ساركوزي إلى اللوبي اليهودي المسيطر على صناعة القرار في فرنسا، حين تحدّث عن طابع بريدي أصدرته السلطات الإسرائيلية حمل صورة ساركوزي لدعم حملته الانتخابية، وعن قبول الاشتراكي برنار كوشنير تولي وزارة الخارجية في حكومة يمينية بسبب مجهودات اللوبي نفسه، واتهم ساركوزي بالعمالة لـ «إسرائيل».

الموقف الجزائري الرسمي اتخذ جانب التروي من التصريحات، فهناك تثمينٌ رسمي بأن يختار ساركوزي الجزائر أول دولة خارج القارة الأوروبية يزورها بعد توليه الرئاسة قبل أشهر، «للتأكيد على خصوصية العلاقات والروابط التاريخية بين البلدين».

الرئيس السابق جاك شيراك حاول في ولايته أن يوقّع مع الجزائر «اتفاقية صداقة»، بشروطٍ لم تقبلها الجزائر، وهو أمرٌ لا يفكّر فيه ساركوزي، لأنه ببساطة ليس مستعدا للوفاء بمطالب الجزائر، فيما يخص الحقبة الاستعمارية الماضية، فهو يفضل «توقيع العقود الاقتصادية والاتفاقيات الأمنية والدبلوماسية والتعاون في مكافحة الإرهاب... على اتفاقيات الصداقة التي تبقى حبرا على ورق»، كما قال.

اليوم، أي طالبٍ بمدرسة ابتدائية، سواء في البحرين أو فرنسا أو الجزائر، يدرك أن فرنسا بلدٌ يقع في قارة أوروبا، وفرنسا في قارة أخرى، تفصلهما أحد أشهر البحار في تاريخ العالم، ومع وضوح هذه المسألة إلى درجة الجنون، إلاّ أن فرنسا ظلت تكابر عقودا طويلة، في اعتبار الجزائر جزءا من التراب الفرنسي، يشقها البحر المتوسط كما يشق نهر السين باريس.

هذا الحقبة الاستعمارية السوداء استمرت 130 عاما، توَّجتها حرب تحرير استمرت ثمانية أعوام دامية، سقط خلالها أكثر من مليون شهيد خضَّبوا بدمائهم كامل التراب الجزائري من أجل الاستقلال، فيما كان الفرنسيون ينظرون إليهم على أنهم وحوش وأوغاد.

الجزائر ظلّت تطالب فرنسا (بلد الحضارة والنور وحقوق الإنسان) باعتذارٍ عن ماضيها الاستعماري، وتصحيح المناهج الدراسية الفرنسية، وإلغاء القوانين التي تمجّد استعمار الجزائر. ولأن ساركوزي يمثّل فرنسا أولا وأخيرا، فإنه حاول القفز على مثل هذه الدعوات إلى توقيع اتفاقات جديدة لتصدير الغاز الجزائري مقابل التقنية النووية، إلى جانب «مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية»، ففرنسا لم تنضج بعد للاعتراف بأخطائها، وهناك من ساسة العهد القديم وعتاة العسكر الفرنسيين من يصرون حتى الآن على أنهم كانوا يخوضون حربا من أجل الحضارة، ضد الجزائريين المشاغبين من أصحاب الأجندات التي كانوا يتلقونها من الخارج، يوم كان حكم الرئيس جمال عبدالناصر يدعم حركات التحرر الوطني.

التاريخ لا يكتب من وجهة نظر واحدة، ففرنسا على رغم كل هيلمانها وصولتها وعربدتها التي امتدت من الجزائر إلى الهند الصينية، لم تنضج بعد، وعبثا يحاول وزير المجاهدين الجزائري أن يقنعها بأن البطولة والشجاعة في الاعتراف بالأخطاء، والاعتذار عما ارتكبته من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً