العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ

مؤتمر الوفاق الأول للمرأة... هل من مشتركات؟ (1)

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

حضرت مؤتمر الوفاق الأول للمرأة كغيري من المدعوات من دون إحاطة بالموضوعات أو بأسماء المتحدثات، كما اعتدنا في سابق المؤتمرات، عرفت فقط رؤوس أقلام عن بعض الموضوعات عن طريق إحدى الصديقات العزيزات، وكنت قبل الذهاب أفكر في أسباب اختيار عنوان المؤتمر الذي ألحق بالعبارة «المرأة والمطالبة بالحقوق العامة... ما بين الواقع والطموح». فالعنوان يعطى القارئ شعورا بأن ثمة تغييرا في الحقوق وأوضاع المرأة تنشده الوفاقيات وإن كان وفق مقاييس إسلامية معتمدة ومباركة من قبل المرجعية، كما تكرر الكوادر النسائية الوفاقية للإعلام بين فينة وأخرى.

وقلت: ربما يعزز المؤتمر المشتركات الايجابية بين الموروث الإسلامي على رغم مدارسه المتفاوتة في التأويل والتشدد، وحقوق المرأة وإنسانيتها في ضوء ما يتداول عصريا من مفاهيم ومصطلحات الكرامة والعدالة وهذا شيء طيب. سعدت بفكرة الانفتاح على رأي الآخر والاستماع إلى ما يراه والتداول وفق ممارسات أدب الحوار بل وجدتها فرصة نادرة بين النساء الناشدات للتغيير وإن اختلفت المرجعيات المعرفية، وخصوصا أن فرص الحوار بين النساء في التيارات المتباينة محدودة بل ومنعدمة... وبحسب اعتقادي، يعد التغيير وفق أي مستوى أمرا صعبا فما بالك إن كان على مستوى الخرائط الذهنية والقناعات التي تتم صيانتها على الدوام ومنذ اليوم الأول من التنشئة، ويغدق عليها صفة الحقيقة المطلقة لتتنافس في كثير من الأحيان مع المقدس. والتغيير الأصعب في أحيان أكثر هو على المستوى الجمعي، لأن من يقوده قادة يمتلكون القدرة على التوجيه والتأثير، وفي كثير من الأحيان تتبنى المرأة هذه التنظيرات برضا وبوعي أو من دون، لتنبري في الدفاع عنها وإن كانت لا تخدم حقوقها الإنسانية استراتيجيا أو حتى تناقضها.

لم يكن سرا أن من دعا إلى المؤتمر ومن دعي إليه يمتلكون خرائط ذهنية وثقافية مختلفة، متفاوتة بل متناقضة في أمور أساسية كاحترام الاتفاقات الدولية مثلا، التي عادة ما ينظر إليها إسلامويا أنها شر مطلق.

يمكنني الإسهاب هنا كثيرا من واقع تجاربنا السابقة ومن تجربة اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي تحديدا، إذ كان البحث عن المشتركات ضمن صياغة الأهداف الموضوعة للاتحاد. عندئذ، كان إصرار اللجان النسائية التابعة للجمعيات الإسلامية بطائفتيها متبوعا بعبارة «من دون التعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية»، وهذا ليس مرفوضا ولكنه وكما تفعل دولنا عند تسجيل التحفظات العامة على بنود الاتفاقات يترك عبارة مبهمة من دون تحديد أو تفسير.

كان النقاش يتلاشى بسرعة عند محاولتنا التعمق في حيثيات هذه العبارة وتعميقها، وكلما دافعنا عن حقوق المرأة الإنسانية بما لا يتعارض والشريعة سمعنا تلك التعبيرات اللاهبة المحددة المعنى والمضمون مسبقا، كالعلمانيات والمفتونات بالثقافة الغربية وغيرها من توصيفات تبعث الأتباع على النفور والإلغاء من أعلى المنابر، والرسالة التي تصل للمتلقي أن هذه الآراء ضارة لا تهم أحدا ولن يستمع إليها أحد.

رغم القصور المعرفي والاختلاف.. .

قضايا الوطن توحدنا

وإن سلمنا بأن المسافات مازالت متباعدة كثيرا في الرؤى الاجتماعية بين النساء في التيارات المختلفة بشأن حقوق المرأة والرجل وواجباتهما على أساس المواطنة المتساوية والتفاسير المتنورة، والتغييرات التي لابد أن تضمنها قوانين أحكام الأسرة على منهجية التجربة المغربية مثلا أو حتى التجربة الإيرانية في بعض جوانبها من ضمانات للمطلقات وأبنائهن ورعاية عملية لكرامة المرأة، فإننا بلاشك نتقارب كثيرا فيما يخص الشأن الوطني العام. فالمرأة البحرينية منذ الخمسينات وقبلها انخرطت في أشكال العمل السياسي بأدوار متعددة ومتفاوتة، سرية وعلنية بغض النظر عن تياراتها، إلا أن الورقة الرئيسية بهذا الخصوص تركت بعض الفراغات الكبيرة التي استوقفت غالبية الحاضرات من جمعية وعد وجمعية المنبر التقدمي لتوضيح النواقص والتذكير بأسماء عدد من المناضلات في تاريخنا السابق التي غابت فيما وصف بـ «واقع العمل السياسي للمرأة في البحرين»، وخصوصا أن الأوراق وزعت بعد التسجيل مباشرة، يوم المؤتمر.

وعلى رغم قناعتنا الأكيدة بحسن نية الباحثة وتقديرنا للجهد الذي بذلته لتوثيق عمل المرأة السياسي بجذوره ومظاهره من مصادره المحدودة، وسمعتها الفائقة في الاعتدال والموضوعية ومحاولة التواصل الفكري والمعرفي مع الآخر، فإننا وجدنا الدراسة مبتسرة كثيرا فيما يتعلق بتأسيس أهم تنظيمين وطنيين هما جبهة التحرير الوطني البحرانية والجبهة الشعبية في البحرين اللذين بدآ مسيرة العمل الوطني السري منذ الخمسينيات مرورا بحقبة أمن الدولة إلى مرحلة العمل العلني وتكوين الجمعيات السياسية، بكل ما صاحب تلك المسيرة الوعرة من إرهاب وسجن وتعذيب ومنع من السفر وتضييق على العيش. فجبهة التحرير الوطني البحرانية تأسست في فبراير/ شباط 1955، ومع تنامي حركة القوميين العرب في البحرين منذ بداية الستينيات، تشكلت الحركة الثورية في عمان والخليج العربي في العام 1968 التي أدت بعد سلسلة من التحولات إلى تأسيس الجبهة الشعبية في البحرين 1974، وانخرطت النساء في العمل السري في هذين التنظيمين وتعرض بعضهن للاعتقال كما تعرضت الكثيرات للمنع من السفر أثناء الدراسة الطلابية في الجامعات والتهديد بسحب التواقيع من العرائض الشعبية أو الفصل من العمل وبعد ذلك تم التضييق عليهن في مزاولة العمل، وانخرطت أعداد كبيرة من هؤلاء النساء ذوات الرسالة الوطنية في خدمة المجتمع جماهيريا ضمن الأنشطة الثقافية والاجتماعية في مدن البحرين وقراها عبر الجمعيات النسائية المعروفة كجمعية نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية وجمعية فتاة الريف، إذ كانت لهن الريادة في التعامل مع قضايا المرأة من دون تمييز طائفي منذ السبعينيات ووفق أجندات وطنية واضحة.

وإننا هنا لسنا بصدد السرد التفصيلي وذكر الأسماء لأن لذلك موقعا آخر، ولكن يبقى أننا بحاجة إلى إلقاء المزيد من الضوء على تضحيات النساء المناضلات من التيارات الفكرية كافة بمن فيهن الأخوات المنتميات للتيارات الإسلامية من دون استثناء منذ انتفاضة التسعينيات أو قبلها كما ورد في الورقة، بسبب محدودية التوثيق والنشر.

وعلى رغم عدم تفضيلنا تصنيف النضال إلى شيعي وسني بل وطني كما كان في فترة هيئة الاتحاد الوطني، وحتى يوم توافقنا جميعا، كشعب ونخب على التوصيفات والتسميات، فلابد من الإشارة أيضا إلى ضرورة توثيق ونشر وتبادل سيرة نضال الناشطات والمناضلات السياسيات الوطنيات، من مناطق سترة وجدحفص والسنابس وبني جمرة والنويدرات وغيرها، اللاتي تعرضن كمن سبقهن من مناضلات وطنيات، للاعتقال والتحقيق والتهديد في العقد السابق ابان أحداث الانتفاضة الدستورية، فتثمين دورهن بما يستحققنه من تعريف وتقدير واجب كما هو بالنسبة إلى المناضلات الرائدات في الحقب السابقة.

ولعل عبارة أوردتها إحدى الأخوات الحاضرات المنتميات للمذهب السني تستحق التعليق، ومؤداها استياءها من التعميم أن «كل النساء السنة ينتمين إلى جمعيتي المنبر الإسلامي أو الأصالة»، وعليه فهن «جميعا موالاة»، بينما في الواقع هن معارضات يشاركن قوى المعارضة رؤاها ولا علاقة لهن بهذين التنظيمين كما عبّرت عن أسفها لأنه لم يسمع بهن أحد... وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً