استكمالا لما كتبناه في الحلقات الأولى والثانية والثالثة بشأن مسودة قانون المنظمات الأهلية الجديد، نستعرض ما تبقى من أهم الموضوعات والبنود.
وعن الإعانات المالية للمنظمات الأهلية من قبل الوزارة تنص المادة (90) على قيام وزارة التنمية الاجتماعية بإنشاء صندوق للإعانة المالية للمنظمات الأهلية. وتنص المادة (93) على أنه تندرج في موازنة هذا الصندوق الاعتمادات التي تقررها الدولة في هذا الشأن وأيّ تبرعات أو هبات أو إعانات تتلقاها الوزارة ويقبلها الوزير.
وبذلك تحدد المادة 90 مصادر تمويل المنظمات الأهلية، من خلال صندوق تنشئة الوزارة. إلا إنّ كيفية انشاء هذا الصندوق لم يوضحها نص المادة وكذلك الكيفية التي ستعتمد لتشكيل مجلس الإدارة. أمّا المادة (93) فهي لم تحدد مصدر التبرعات والإعانات ولا آلية توزيعها.
وفي مقابلة مع وزيرة التنمية الاجتماعية (وكالة أنباء البحرين/2007) صرّحت بأن صندوق العمل الاجتماعي الأهلي يتشكل كالآتي: (الدعم المالي الذي تم تأطيره بتأسيس صندوق العمل الاجتماعي الأهلي والذي تتشكل إدارته من أمناء يمثلون وزارة التنمية الاجتماعية وغرفة تجارة وصناعة البحرين والبنوك الوطنية والشركات الوطنية).
إلا أنه في نص القانون لم توضح هذه النقطة، كما أن الوزارة استبعدت عضوية المنظمات الأهلية في الصندوق، مما يضع قرارات الوزارة محل شك في آلية توزيع الدعم المالي ومدي شفافيته وعدم تحيزه.
ونرى أن من أهم الأمور التي تجعل لقرارات الوزارة مصداقية وشفافية في عملية توزيع الدعم المالي هي الآلية التي توزع بها. لذلك نجد من المهم إشراك مؤسسات المجتمع المدني في أية لجنة تعقد لذلك وأن تكون الشخصيات المشاركة من المؤسسات الأهلية المنتخبة أو معينة من طرف هذه المؤسسات.
منظمات النفع العام
تحدد المواد (58-59) تشكيل منظمات النفع العام كالتالي (يصدر الوزير قرار تنظيم وتحديد المعايير والشروط التي تضفي عليها صفة النفع العام) و(تتقدم اللجنة الأهلية للوزارة بطلب إضفاء صفة النفع العام ومبررات الطلب وتقوم الوزارة بدراسته والموافقة عليه وفق ما تسفر عنه الدراسة).
لاحظوا أنّ تعريف (منظمات النفع العام) غير واضح حيث يعطي للوزير الحق في إضفاء صفة النفع العام على أي مؤسسة من دون أنْ يذكر في التعريف، نوع العمل وشروطه التي على أساسها يضفي صفة النفع العام على أي مؤسسة, وترك الموضوع لهوى ورأي الوزير يخالف قانون الشفافية والموضوعية في هذا الجانب. لذلك من الأفضل تعديل التعريف وتحديد شروط ونوع العمل الذي على أساسه تضفى صفة النفع العام على أي منظمة أو مؤسسة.
أيضا لم يحدد التعريف المدة التي يحق للمنظمات خلالها تقديم الطلب! هل هو سنة؟ أكثر أقل؟ إذ إن التعريف يفترض تحقق الوزير مما حققته المنظمة من نفع عام وهذا يفترض وجود فترة زمنية لأي منظمة من تأسيسها حتى طلب إضفاء صفة النفع العام. ففي القانون التركي حدد الفترة بعام واحد من تأسيس أية منظمة.
وحتى تكون هناك شفافية في التعامل مع كل المنظمات في طلبها للتحول إلى منظمات نفع عام، نرى أنْ تقوم الوزارة بتعريف أوضح لمنظمات المنفعة العام وتحديد أنواع الأعمال التي على أساسها تحول لمنظمة منفعة عامّة وإجراءات وآلية التحويل والفترة الزمنية التي يفترض بالمنظمات التقدم بعدها لطلب إضفاء صفة المنفعة العامة عليها و ذلك لأهمية منظمات المنفعة العامة وأهمية أنْ تكون مسألة الرقابة في الجانب المالي قوية حتى لا تستغل بعض المنظمات هذه الصفة لحسابها الخاص.
إنّ فكرة العمل التطوعي فكرة ليست جديدة أو دخيلة على المجتمع البحريني بل هي نابعة من تراثه الثقافي والديني. ففكرة التكافل الاجتماعي هي الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها الميراث الثقافي العربي منذ العصر الجاهلي إلى يومنا هذا. ولقد كان التكافل الإنساني بين أوساط المجتمع البحريني، يعمل بشكل فردي وغير مؤسسي حتى بدايات القرن العشرين مع إنشاء نخبة من المثقفين والتجّار، الأندية الاجتماعية والثقافية وإلحاق الرياضة بها لاحقا. واستمرت تعمل ويزداد عددها في المنامة والمحرق، في ظل الاحتلال البريطاني آنذاك ومن دون قانون واضح ومكتوب فقط تحت نظر المستشار البريطاني الذي كان يتدخل إذا استدعى الأمر ذلك. وقد لعبت هذه الأندية دورا رياديا في الجانب الثقافي والتعليمي والخيري وأسست لوجود صحف ومسارح وبعثات تعليمية.
و مع منتصف القرن الماضي تأسست أوّل جمعية نسائية 1955. أعقبها الكثير من الجمعيات النسائية على مستوى البحرين ومناطقها. ومن وقتها لعبت الجمعيات النسائية دورا رياديا على صعيد الكثير من القضايا، فكان لجمعية نهضة فتاة البحرين الدور القيادي في تأسيس مشروع محو الأمية وتعليم الكبار لكل المراحل الدراسية ونشر الوعي الصحي والغذائي، كما كانت تمول بعض العائلات الفقيرة للعلاج في الخارج لعدم وجود مستشفيات متخصصة في البحرين. كما كان للجمعيات الفضل في افتتاح الحضانات والروضات حتى تستطيع المرأة الخروج للعمل، وكانت سبّاقة في ميدان البحث العلمي الاجتماعي الميداني حول أوضاع المرأة والأسرة في البحرين.
ومع تطوّر الأوضاع أسست بعض الجمعيات كالنهضة وأوال مكاتب للاستشارات الأسرية وقامت بتقديم الخدمات المجانية في مجال الإرشاد الاجتماعي والنفسي والقانوني.
واهتمت بعض الجمعيات أيضا بالمعوقين حيث أسست جمعية رعاية الطفل والأمومة (معهد الأمل للمعوقين) العام 1979 وهو يؤدي خدمات جليلة للمجتمع ولازال المعهد الوحيد في البحرين في هذا الجانب.
وتاريخيا اعتمدت الجمعيات في تمويلها على إقامة المهرجانات والأسواق الخيرية وتبرعات التجار والمحسنين في البحرين والخليج وعملت في ظروف صعبة وخاصة في جانب التمويل المالي، إلا أنّ كل ذلك لم يثنها عن مواصلة أنشطتها التي كانت تعتبر جديدة ومتقدمة في ذلك الوقت خاصة في ظل عدم وجود دولة ذات مؤسسات تلعب الدور المناط بها، إذ لم تستكمل الدولة مؤسساتها إلاّ بعد الاستقلال في السبعينات من القرن الماضي، أي بعد 14 ما يقارب سنة على تأسيس أول جمعية نسائية و50 سنة على أول نادٍ في البحرين.
ومن هنا تنبع أهمية هذه المؤسسات، لثقة الناس بها ولخبرتها التاريخية في المجال الاجتماعي المؤسسي، بالإضافة إلى سمعتها على المستوى العربي إذ شاركت في الكثير من المؤتمرات والفعاليات الثقافية مثل: تنظيم جمعية النهضة مؤتمر (المرأة الخليجية والألفية الثالثة... الفرص والمعوقات والأدوار المطلوبة) ولقد احتفلت جمعية النهضة بمرور 50 سنة على إنشائها، بينما وزارة العمل في البحرين لم تنشئ إلا في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي.
وعملت هذه المؤسسات بدون قانون ينظمها حتى صدور قانون الترخيص للجمعيات والنوادي 1959م. وتلاه المرسوم بقانون رقم (23) لسنة1976م بإصدار قانون العمل في القطاع الأهلي والقوانين المعدلة له.
وأخيرا يجرى حاليا، النقاش حول مسودة القانون الجديد المنظم لمؤسسات المجتمع المدني؛ ليستبدل مرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1989م بإصدار قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة، الناظم حاليا لعمل الجمعيات الأهلية.
إنّ النشاط التطوعي في البحرين آخذا في الاتساع حيث بلغ عدد مؤسسات العمل التطوعي أكثر من 437 منظمة في المجالات الاجتماعية والنسائية والثقافية والدينية والشبابية والحقوقية والتعاونية والمهنية، وميراث بهذا الحجم في العمل التطوعي بحاجة لدعم الدولة لتعزيزه وتطويره، والمحافظة عليه، ولكن النصوص الجديدة في مسودة القانون تعمل بعكس هذا التوجه حيث تضع الكثير من القيود المكبلة لهذا المؤسسات والمعيقة لها.
لقد أصبح دور الجمعيات الأهلية من الأدوار الأساسية التي يعتمد عليها الإنسان البحريني، فالكثير من الأسر تعتمد على المساعدات المالية لهذه المؤسسات فنجد أنّ جمعية مثل: رعاية الأمومة والطفولة تعيل ماديا وبشكل شهري 150 أسرة بحرينية. كذلك ترعى الجمعيات مشروعات تأهيل الأسر الفقيرة للعمل والاستقلال المادي بالتعاون مع الأمم المتحدة مثل مشروعات الميكروستارت. ولا ننسى دور الصناديق الخيرية التي تؤمن المساعدات المادية للعديد من الأسر، مثل: توفير الحقائب المدرسية وتمويل الدراسات الجامعية وترميم وبناء المنازل الآيلة للسقوط للأسر المحتاجة.
إنّ التضييق على عمل هذه المؤسسات والتحكم في طريقة عملها وتمويلها وإخضاعها مباشرة لإدارة الوزارة والتحكم في مصادر تمويلها وعلاقاتها في الداخل والخارج وإلزام المؤسسات الصغيرة منها بالتسجيل، كلّ ذلك سيؤدي إلى ضعف هذه المؤسسات وتدميرها مما سينعكس مباشرة على الواقع لاجتماعي في البحرين والذي يتصف أصلا بالتململ والضيق.
إنّ حرية الرأي والتعبير والتجمّع، حق كفله الدستور البحريني، وبالتالي من حق هذه المؤسسات العمل بحرية ضمن حدود المصلحة العامّة.
إنّ ربط إنشاء أي مؤسسة بالتسجيل الإلزامي وإصباغ الصفة الشخصية الاعتبارية عليها قد يحرم المجتمع من خدمات العديد من الجمعيات والمؤسسات الصغيرة التي تقدم خدمات جليلة للأسرة البحرينية،ولا تكون مؤهلة من حيث عدد الأعضاء والتمويل لعملية التسجيل، وبالتالي يكون الاخطار هو الخطوة القانونية الوحيدة التي يجب أن تقوم بها لا التسجيل.
إنّ وضع البيض في سلة واحدة ليس الحل الأمثل للتعامل مع مؤسسات متنوعة تختلف في أهدافها وطرق عملها، التي تتطلب قوانين مختلفة تشرف عليها، فكيف تعمل النوادي الرياضية والثقافية والصناديق الخيرية والجمعيات النسائية، المختلفة في طرق عملها وأهدافها تحت سقف قانون واحد.
إنّ الإصرار على كل ذلك سيعوق عمل هذه المنظمات كبيرة أو صغيرة، وسيؤثر سلبا من دون شك على تطوّر المجتمع المدني في البحرين.
إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"العدد 1915 - الإثنين 03 ديسمبر 2007م الموافق 23 ذي القعدة 1428هـ