تصلح قصة أحد رواد العمل التطوّعي بمنطقة النعيم، أن تقدّم نموذجا للمتطوعين بمجال العمل الخيري. وحكايته تختزل لنا مسيرة هذه المؤسسات، كيف بدأت وإلى أين وصلت، وما هي مسئوليتنا تجاهها، حكومة وشعبا.
بدأ العمل متطوّعا في الهلال الأحمر البحريني في مطلع الثمانينيات، وكان يرى بعينيه معاناة الأسر المحرومة، وكيف كانت الأسر من المناطق البعيدة تأتي إلى المنامة لتلقي بعض المعونات من مقر الهلال الأحمر. ويقول: «كانت النساء من الأسر الفقيرة في سترة مثلا يضطررن لاستخدام سيارات النقل العام، أو (البيك أب)، ذهابا وإيابا، لتسلّم الحقيبة المدرسية التي تساوي قيمتها أجرة السيارة. مشوارٌ متعبٌ طويلٌ يتحمّله الفقراء من أجل حقيبة، فضلا عما تتعرّض له النساء من سوء معاملة على أيدي بعض الموظفين الأجانب».
ويقارن: «الآن... الصناديق هي التي توزّع الحقائب في مقراتها بكل منطقة، أو يقوم المتطوعون بإيصالها إلى الأسر نفسها، مع الحفاظ على ماء وجه الفقير، فضلا عن الخدمات الأخرى الكثيرة».
الاهتمام بتكرار طرح موضوع الصناديق الخيرية، إنما ينبع من أهميتها المتزايدة في مجتمعنا، مع زيادة الفوارق الطبقية، واختلال التوازن في توزيع الثروة العامة، واتساع رقعة الفقر، على رغم ما نشاهده من عمرانٍ وبنيان.
أمس، طرحت موضوع «فقه الصناديق الخيرية»، فاتصل الشيخ محمدجواد الشهابي، يقول إن هاتفه لم يتوقف من الاتصالات التي تنبِّههه إلى ما ورد في العمود من نقد، واعتذر عن طرح الأسئلة دون تقديم إجابات بسبب ضيق الوقت. والرجل مهتمٌ بالتجربة، ولديه وجهة نظر مع بعض الملاحظات المهمة تستحق المناقشة، وهو أقدر من يدافع عنها، وصفحات «الوسط» مفتوحةٌ لعرضها ومناقشتها، حرصا على مصلحة الفقراء وترشيدا للعمل التطوعي.
أحد الناشطين في العمل الخيري بعث مجموعة من الأسئلة والاستفتاءات مع إجابات أحد الفقهاء. ورئيس أحد الصناديق الخيرية لمدة عشر سنوات، طرح فكرة مهمة ملخصها أن «الأموال التي تُجمع أو يُتبرّع بها للصناديق ليست حقوقا شرعية واجبة، وإنما تبرعاتٌ للفقراء والمحتاجين، والمتبرّع بهذه الأموال يعرف ذلك تماما، وموافق على أسلوب وطريقة الصرف».
ويختلف مع الكاتب بشأن الدعوة إلى دخول علماء الدين في الصناديق لأنهم سيعقّدون الأمور، ويثيرون الكثير من الإشكالات الفقهية التي ستعرقل العمل الخيري بدل تسهيله وتيسيره.
أحد القراء نقل أن شخصا اقترح في أحد المجالس، اشتراك علماء الدين في الصناديق لتصويب أنشطتها بما يتناسب مع الشرع، فكان جواب أحد الشيوخ أنه لا يعتقد ذلك، وأنه «يجب على المعمّم أن يلتزم بالروحانية ويبتعد أو يترفع عن هذه المجالس لينأى بروحانيته عن نقاشات أو اختلافات تلك المجالس». وتساءل: «كيف يمكن أن نلتزم بالعمل المؤسساتي وهذه هي النظرة للعمل التطوعي؟».
هذه وجهات نظر تثري النقاش، وعلى المعنيين البحث عن حلولٍ فقهية وعملية تسهّل عمل هذه المؤسسات التي تتحمّل أعباء كبيرة عن كاهل الحكومة منذ عقدين، وتسهم في تخفيف حدة الفقر، وهو هدفٌ أصبح على رأس أجندة الأمم المتحدة في الأعوام الأخيرة.
الحكومة مطالبةٌ اليوم بتحمل مسئوليتها تجاه هذه المؤسسات من دون مماطلةٍ أو تسويف. وأقل ما ينتظر منها أن تتحمل عنها المصروفات الإدارية والتشغيلية، وتسهل حصولها على مقرات رسمية، والأهم أن تتجنب الحكوم «التسييس»، لتسهيل ولادة الاتحاد العام للصناديق، الذي وضعت في طريقه العراقيل. لا تقتلوها ولا تخنقوها... فالصناديق أمانةٌ في أعناقكم جميعا.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1914 - الأحد 02 ديسمبر 2007م الموافق 22 ذي القعدة 1428هـ