العدد 1914 - الأحد 02 ديسمبر 2007م الموافق 22 ذي القعدة 1428هـ

المشترك والمتشابه بين 8 و14 آذار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أربعة أيام تفصل بين التوافق على رئيس للجمهورية اللبنانية وموعد جلسة الانتخاب. مسألة فراغ موقع الرئاسة الذي دخل أسبوعه الثاني أثار مخاوف القوى اللبنانية ودفعها إلى التحرك بسرعة وتقديم تنازلات بذريعة منع اندلاع الفوضى وانتشارها في ساحة مكشوفة للتجاذبات الإقليمية والدولية. وشكّل الخوف على الكيان، كما تقول مراجع الفعاليات السياسية، ذاك الدافع العملاني للتحرك وإبداء الاستعداد للتفاوض على نقاط كانت محل خلاف في السنوات الثلاث الماضية.

قوى «14 آذار» مثلا التي أقامت الدنيا ولم تقعدها على مبدأ تعديل الدستور ورفضت التجاوب مع الضغوط الجوارية التي دعت إلى التمديد للرئيس السابق اميل لحود نصف ولاية أبدت أخيرا استعدادها للتجاوب مع فكرة تعديل الدستور. والقوى نفسها التي مانعت سابقا في استدعاء الرؤساء من قيادة الجيش حرصا على مدنية الاختيار وعدم توريط المؤسسة العسكرية في اللعبة السياسية أصبحت الآنَ في موقع لا يمانع انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية.

أثارهذا التساهل في التعامل مع النقاط المبدئية أسئلة داخلية في وسط مجموعات قوى «14 آذار» كذلك أطلق شرارات تعجّب من قوى «8 آذار». فالمجموعات الأولى توقفت أمام حواجز مبدئية شكّلت موانع سياسية للمقاطعة أو للمعارضة في فترة الوجود العسكري السوري في لبنان. فهذه المجموعات تمسكت بمواقفها المبدئية وأكّدت إصرارها على رفض تعديل الدستور «مرة واحدة فقط» حتى لا يتحوّل التعديل إلى عادة سنوية أو دورية، كذلك جددت تحفظها على استدعاء قائد الجيش وانتخابه رئيسا للبلاد حرصا على المؤسسة العسكرية ووحدتها ودورها الخاص وموقعها المحايد في اللعبة السياسية.

المجموعات الثانية (8 آذار) ارتبكت وأصيب بعضها بالإحباط وبعضها الآخر أثار علامات دهشة واستغرب هذا التغيير الذي طرأ على تفكير قيادات بارزة في الطرف الموالي للحكومة الحالية. الفئة التي ارتبكت كانت تراهن على أنّ الفريق المضاد لن يقبل بتعديل الدستور ولن يتشجع في اختيار رئيس من المؤسسة العسكرية. والفئة التي أحبطت وجدت نفسها تواجه الحائط المسدود حين اكتشفت أنها مضطرة للقبول بمترشح غير الجنرال ميشال عون. والفئة التي استغربت واندهشت طرحت أسئلة سياسية تتصل بمعنى هذا التغيير ومناسبته. فهل جاء بناء على توجيهات خارجية أو ضغوط داخلية أو قراءات دقيقة تخوّفت من صفقات دولية وإقليمية على حساب بلاد الأرز؟

هذا التموّج في الإرباكات الذي زعزع أركان ومنطلقات القوى السياسية اللبنانية في طرفيها يؤكّد من جديد نظرية ارتباط الملفات الإقليمية ببعضها وتأثير الجوار الجغرافي على توازنات المعادلة المحلية. فالارتباك الذي ضرب كلّ الأطراف وأدى إلى تشويش الموجات اللاقطة تعود أسبابه إلى مجموعة عوامل دولية وإقليمية وجوارية وأخيرا محلية. فهذه المجموعة من العوامل اشتركت على نسب متفاوتة في تشكيل ردود فعل غير متساوية في قراءة متغيّرات محتملة وصفقات مفترضة.

دوليا قرأ فريق «14 آذار» أنّ مجرد دعوة الولايات المتحدة سورية للاشتراك في «مؤتمر أنابوليس» يعتبر خطوة تراجعية من واشنطن قد تمهد الطريق لتفاهمات سيكون لبنان محطة من محطاتها.

إقليميا قرأ فريق «14 آذار» أن مجرد موافقة دمشق على حضور «مؤتمر أنابوليس» يعتبر إشارة قد تمهد الطريق إلى انعطافات والتواءات سياسية ربما تؤدّي إلى تشكيل قناعات لايستبعد أن تستقر على تفاهمات وتعويضات وتكليفات وخدمات متبادلة.

جواريا قرأ فريق «14 آذار» أنّ مباركة تل أبيب حضور دمشق وإبداء حكومة ايهود أولمرت استعدادها لإعادة فتح «المسار السوري» المقفل منذ سنوات وترحيب واشنطن بالتلبية السورية كلّها مؤشرات تدل على احتمال حصول «متغيّرما» قد يؤدّي إلى تعطيل «المسار الفلسطيني» واستبداله بأوراق أخرى يمكن التفاوض بشأنها خارج البنود التي تنص عليها القرارات الدولية.

محليا قرأ الفريق المذكور أنّ ذهاب الجمهورية إلى «الفراغ الهادئ» بحسب وصف السفير الأميركي في بيروت قد يؤدّي بعد فترة إلى توليد شرارات ساخنة تطلق تموجات سياسية تعيد بلاد الأرز إلى سنوات الاقتتال الأهلي وما قد يشكّله من هواجس تثير مجددا مشروعات التقسيم (كانتونات) وتوزيع المناطق إلى وكالات حصرية لزعماء الطوائف وأمراء الحرب.

كلّ هذه القراءات الدولية والإقليمية والجوارية والمحلية صدرت تباعا ومن أكثر من جهة لتفسير العوامل التي دفعت قوى «14 آذار» لتعديل توجهاتها وتغيير قناعاتها المبدئية.

ارتباك فريق 8 آذار

مقابل الارتباك الذي أصاب فريق «14» أصيب أيضا فريق «8 آذار» بتموّجات سياسية واهتزازات أيديولوجية وارتدادات لفظية، ليست بعيدة في معناها ومبناها عن تلك التي زعزعت مواقف الطرف المضاد.

دوليا قرأ فريق «8 آذار» أنّ إقدام واشنطن على توجيه دعوة لحضور دمشق ومشاركتها في اجتماعات «أنابوليس» ربما تشكّل بداية طريق لفك الارتباط مع طهران ودفع سورية إلى معسكر «الاعتدال» وعزلها عن المحورالثنائي الذي تأسس منذ العام 2003. فالفريق تخوف من أنْ تكون الدعوة إشارة إلى احتمال حصول متغيّرات تحبط سياسة الممانعة التي أظهرت تفوقها الميداني في أكثر من ساحة مفتوحة للصراع الدولي.

إقليميا قرأ فريق «8 آذار» أنّ مجرد موافقة دمشق على الحضور أحبط خطة تعزيز جبهة الصمود والتصدّي وعطل إمكانات الدعوة إلى عقد مؤتمر مضاد ضد معسكر «الاعتدال» وأفشل خطوات عملانية كان بإمكانها أنْ تنمو وتتجّه نحو تشكيل قوة ممانعة تتولد عنها حركات تزعزع مشروع التقويض الذي تقوده الولايات المتحدة.

جواريا قرأ فريق «8 آذار» أنّ الابتسامات الإسرائيلية والكلام الرسمي عن رسائل ولقاءات واستعدادات توجه إشارات سلبية تعطل على المحاور الإقليمية إمكانات الاستمرار في تعزيز مواقع الممانعة الفلسطينية والسورية واللبنانية والإيرانية.

أدّت كلّ هذه القراءات الدولية والإقليمية والجوارية إلى تكوين توجهات ترددت في تلبية دعوة طهران إلى عقد مؤتمر بديل يعقد في إيران على خط موازٍ ومضاد لاجتماع الدول والهيئات في «أنابوليس». وساهمت هذه التوجهات في توليد موجات ارتدادية محلية إذ توقفت فجأة اتهامات «التخوين» ودعوة القضاء اللبناني إلى محاكمة وزير الخارجية بالوكالة الذي أرسلته الحكومة للمشاركة في جلسات «أنابوليس». كذلك ارتبكت القوى في اتباع سلوك إطلاق الخطابات النارية وجمّدت كلّ التحركات والاعتراضات والتظاهرات والاعتصامات التي بدأ العمل على تحضيرها في بعض المناطق.

الارتباكات إذا مزدوجة والتفسير متقارب بين الفريقين اللبنانيين. والغريب فيها أنها مشتركة وتعود تقريبا للأسباب والعوامل نفسها، وأساسها توجيه تلك الدعوة الأميركية لسورية للمشاركة في «أنابوليس» وترحيب «إسرائيل» بالخطوة مقابل تلبية دمشق الدعوة وإبداء استعدادها للتفاوض على مسار الجولان المحتل. فالأسباب التي أوجبت على فريق «14 آذار» التفكير مجددا وإعادة التحليل والقراءة ليست بعيدة كثيرا عن العوامل التي أربكت «8 آذار» ودفعته إلى إعادة النظر في توجهات كانت تعتبر من الثوابت التي يحرم المس بها. الطرفان إذا متخوفان لأسباب متقاربة من إمكان حصول صفقة أميركية سورية «إسرائيلية» تعيد إنتاج تلك التسوية الإقليمية التي دفع لبنان ثمنها منذ العام 1976.

هناك الكثير من المشترك والمتشابه بين القطبين على رغم الاختلافات العامّة بين «8 و14». وهناك قواعد مشتركة تجتمع على هواجس ومخاوف الفريقين وتضعها على خط متواز لكنه يحتمل التلاقي أو التفاهم على مخرج للفراغ الدستوري وغياب رئيس عن قصر بعبدا. فالمتغيرات التي طرأت فجأة على مواقف الطرفين ليست دوافعها محلية فقط وإنما يمكن تفسير أسبابها بوجود عناصر طارئة على المعادلات الدولية والإقليمية والجوارية. وهذا التموج الذي ظهر في خطوط وتلاوين «8 و4 آذار» يؤكد مجددا نظرية ارتباط الملفات الإقليمية وتأثيرها الجواري الجغرافي واللوجستي على توازنات المعادلة اللبنانية. فالتعديل الذي أظهره كلّ فريق على مواقفه وثوابته يمكن تفسيره من خلال ذاك الربط بين بلاد الأرز والمحيط الذي يحتوي على ملفات ساخنة لم تتوصل الأطراف المعنية بها إلى حلول ومعالجات لها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1914 - الأحد 02 ديسمبر 2007م الموافق 22 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً