العدد 1913 - السبت 01 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي القعدة 1428هـ

فقه الصناديق الخيرية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عصر السبت (قبل الماضي)، اختار الشيخ محمد الشهابي (مدير إحدى الحوزات الدينية) الجلسة الأخيرة في «ملتقى التنمية الاجتماعية الثالث»، ليفجّر قنبلة مدوية ويمضي وسط ذهول الجميع.

الشهابي ألّف مشكورا قبل عامين كتابا يحمل عنوان الجلسة نفسها «فقه الصناديق الخيرية»، ضم أجوبة عن عدد من الاستفتاءات التي تخص هذه المؤسسات الخيرية، بالرجوع إلى الفقهاء. ولكنه في الملتقى طرح حزمة من الأسئلة والإشكالات، ولم يقدّم جوابا واحدا، معتبرا ذلك «مجرد إثارات». وهي إثارات قد تسبب «هزة» في مجال العمل الخيري خصوصا والعاملين فيه عموما. فأكثر هؤلاء يقتطعون أجزاءَ ثمينة من أوقاتهم للعمل التطوعي، في ظل إحجامٍ عامٍ عن العمل، ويكون ذلك على حساب راحتهم واستقرارهم الأسري.

ردود الفعل الأولية والتعليقات السريعة أثناء تقديم ورقة الشهابي وبعدها، تثبت أن الرسالة قد وصلت. إلاّ أن ذلك لا يكفي، فما أسهل زرع الشبهات «الفقهية» على كل صغيرة وكبيرة، وترك الأسئلة معلقة من دون إجابات. والطرح بهذه الصورة، يربك العاملين ويمكن أن يوقعهم في شكوكٍ قد تنتهي بهم إلى مرض الوسواس القهري.

العاملون في الصناديق ليسوا علماء فقه وشريعة، ولكن غالبيتهم من تلك الشريحة الملتزمة المحبّة للخير، من أبناء الأسر المحافظة الذين تربّوا على عمل الخير ومساعدة الفقير وإغاثة الملهوف، وهي قيمٌ تتراجع في حياتنا المعاصرة وأنظمتنا التربوية الحديثة.

هناك مشكلاتٌ ونواقصُ في عمل الصناديق الخيرية، وهي نواقصُ تحتاج إلى أن يعيش عالم الدين في المؤسسة ويعرف تعقيدات عملها اليومي، لا أن يتولّى التنظير لها من الخارج. ونثر الشبهات من دون تقديم إجابات - مهما حسنت النيات - قد يأتي بنتائجَ عكسيةٍ للهدف المرجو، بتوجيه الأنظار إلى بعض القضايا الفقهية التي يمكن تداركها وتصحيحها بطرق أخرى.

ليس لدينا أرقامٌ محدّدةٌ عن عدد المشايخ وعلماء الدين، وهم بالمئات، فلماذا لا يبادر بعضهم إلى الترشّح لمجالس الإدارات، ليكون الحكم صادرا عن معايشةٍ واقعيةٍ وليس عن تخيّلٍ وسماعٍ. فالصناديق الخيرية باتت من صلب نسيج المجتمع، بعد أن أصبحت إحدى المؤسسات العصرية الفاعلة لتحقيق التكافل الاجتماعي، بما يخفّف من حدّة الفقر ومظاهر البؤس والحاجة والانحراف.

هناك إشكالات ذات طابع «فقهي» بحت، ولا تتعلّق بالذمة المالية والحمدلله، وهي تستدعي ضرورة البحث عن مخارجَ وحلولٍ فقهيةٍ. فالصدقة اليوم إذا أُحسِن تنظيم جبايتها، يمكن أن تأتي بمردود كبير يصون الكثير من العوائل الفقيرة، ويوفر تعليما عاليا لأفرادها ويحفظ بناتها وأبناءها من الانحراف. أما أن نقول إن ما يُجمَع بالحصالات لا ينطبق عليه مفهوم الصدقة فهذا يحتاج إلى تدقيق وتكييف، وخصوصا إذا علمنا أن هذه الطريقة البسيطة توفّر ما لا يقل عن ربع موارد بعض الصناديق.

أحد الصناديق خرج بحلٍّ لهذه «الشبهة» أو غيرها بالحصول على توكيل من المتبرعين ومن فقراء المنطقة بحقّ التصرف. وهو ما يؤسس لأعراف جديدة، تلتزم حدود الشرع ولا تتخطاها، بدل الركون إلى أعرافٍ وقواعدَ سادت قبل سبعة قرون.

ثم إن مجالس الأمناء عادة ما تأتي عن طريق الانتخاب، وبالتالي تكون مخوّلة من الناس التصرف فيما يحقق المصلحة العامة، بعيدا عن التنظير. وأخيرا... لا أعتقد أن الصناديق بحاجة إلى «مجلس فقهي» قد يزيدها تعقيدا، بل هي أحوج ما تكون إلى دعم وتيسير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1913 - السبت 01 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً