يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق حسين الفحل إلى ذلك السبب، سببا آخر هو ضعف شفافية المعلومات حول التبادلات التجارية وعدم وضوح آليات تقييم السلع والتمييز الضريبي بين المنتجات المحلية والمستوردة والمواصفات الصارمة كشهادة تحليل المخبرالذري الواجب تطبيقها على السلع المحلية والمستوردة والإجراءات الإدارية والكمية والنقدية وعدم تنفيذ الالتزامات المتعلقة بقواعد المنشأ.
تتداخل تلك العوامل وأخرى كثيرة غيرها في إعاقة تطور التجارة البينية العربية بعضها داخلي مصدره واقع العلاقات السياسية والتاريخية والإقتصادية التي تسود البلاد، وبعضها الآخر خارجي يعود إلى تضارب مصالح الدول الأجنبية ذات العلاقة مع أي شكل من أشكال العمل العربي المشترك بغض النظر عن الحيز الذي يحتله في خريطة الاقتصادات العربية القطرية منها والإقليمية.
من أول تلك العوامل تخلف البنية التحتية العربية وضعفها. وأول مكونات تلك البنى هي شبكة المواصلات (ولا نقول الإتصالات)، فحتى يومنا الحاضر ما تزال شبكة المواصلات العربية من الأسوأ في العالم، إذا استثنينا بعض دول إفريقيا، وهو أمر يعيق حركة الناس، دع عنك حركة البضائع. إذ لا تربط أقطار الوطن العربي شبكة طرق برية حديثة بما في ذلك السكك الحديدية التي ربما كانت أكثر تقدما من منظور عربي شامل إبان الدولة العثمانية منها الآن، بل إن عددا من الدول العربية يفتقر إلى شبكة مواصلات برية داخلية جيدة، ومن المعروف أن النقل البري منخفض الكلفة إذا ما قورن بالنقل الجوي مثلا، ولذلك فإن غياب شبكات الطرق الحديثة يؤثر بالسلب من دون شك على إمكانات التفاعلات التعاونية العربية.
ولن نجد الأمر مختلفا عند الحديث عن شبكة المواصلات البحرية العربية، فعلى رغم أن الأقطار العربية كافة تطل على محيطات أو بحار ويمكن ربطها بخط ملاحي واحد إلا أن واقع النقل البحري في الوطن العربي بعيد كل البعد عن تجسيد هذه الإمكانية التي يمكن أن تفيد كثيرا في تعزيز السياحة والتبادل التجاري بين أقطار الوطن العربي، ولا يسلم النقل الجوي - على رغم كلفته الباهظة إذا قورن بكل من النقل البري والبحري - من هذه الظاهرة بدوره، ذلك أن نظرة واحدة إلى شبكة الخطوط الجوية لشركات الطيران العربية تشير على الفور إلى أن أقطار الوطن العربي منفتحة على خارج الوطن العربي (أوروبا - الولايات المتحدة - آسيا..) أكثر مما هي منفتحة على داخله.
الأمر يزداد سوءا عند الحديث عن الواقع الإقتصادي، وليس المقصود هنا مقارنة الإقتصاد العربي بصفته الإقليمية المتكاملة أو حتى على المستوى الوطني القطري بالإقتصادات الحديثة المتطورة.
لقدسبق وأشرنا إلى هشاشة التفاعلات الاقتصادية بين أقطار الوطن العربي، وهو ما يشير إلى أن الجانب السلبي لهذه العوامل يفوق جانبها الإيجابي، ويضاف إلى ما سبق ذكره أن الأوضاع الاقتصادية البنيوية في الوطن العربي تعزز هذا الاستنتاج، فاقتصادات الدول العربية عموما تتسم بالتخلف والتشابه، ولأن هذه الاقتصادات عموما وبدرجات متفاوتة متخلفة فإنها تبقى مشدودة في علاقاتها الاقتصادية الدولية إلى الشمال المتقدم طلبا لرؤوس الأموال أو التكنولوجيا المتقدمة أو لهما معا، وهو ما يفسر ضعف التجارة البينية العربية وخصوصا على ضوء تشابه الاقتصادات العربية على النحو الذي يجعلها تتنافر ولا تتكامل كما في المغناطيسية إذ الأقطاب المتشابهة متنافرة، فمعظم ما تنتجه الأقطار العربية له مثيل في معظم الأقطار العربية الأخرى، وما تحتاجه هذه الأقطار غير متاح داخل الوطن العربي ولذلك تكون تيارات التجارة الدولية العربية متجهة إلى خارج الوطن العربي لا إلى داخله بصفة أساسية، وليس من علاج لهذا الوضع إلا ببدء التخطيط من أسفل وفق المصالح المشتركة للأقطار العربية بحيث يتم العمل على إيجاد اقتصادات عربية متنوعة على النحو الذي يشجع التكامل فيما بينها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1913 - السبت 01 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي القعدة 1428هـ