تستقبلنا رابطة العالم الإسلامي في كلّ عام بمبادراتها الطيبة في موسم الحج، حيث تجمع أعدادا من المبلغين والمفكّرين المسلمين؛ ليتدارسوا في مؤتمرهم السنوي ما يعود نفعه على أمتنا العربية والإسلامية.
قضايا العالم العربي والإسلامي شائكة ومتعددة وبعضها معقدة بقدر كبير، والعناوين التي تطرح في المؤتمرات مأخوذ في خلفيتها الوقع الذي تسير عليه الأمور في أكثر من واقع وقطر عربي ومسلم.
فالمواطنة مثلا تعتبر من القضايا الشائكة في العالمين العربي والإسلامي، فجنسية الدولة في عالمنا العربي والإسلامي لا تعني المواطنة الفعلية التامّة؛ لأنّه ليس بالضرورة أنّ كل مَنْ يحمل جنسية بلده ومسقط رأسه فهو مواطن وإن كانت الجنسية في جوهرها تعني ذلك.
هناك حديث يعكسه الإعلام على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار المرئية عن المواطنة في أكثر من قطر، ولعلّ السودان مثل حاضر لهذا الموضوع، وكذلك جمهورية مصر، وإيران، والعراق ولبنان.
وبغض النظر عن صدق الإعلام أو تهريجه لافتعال الفواصل وتحقيق بعض الأهداف، هناك أصوات تعلو واتهامات تدوي وعرائض ترفع بعدم وطنية وانتماء أهل الوطن للوطن، ومن ثم اتهامهم بالارتهان للخارج، يجري هذا في أكثر من قطر عربي وإسلامي، مع أنّ أولئك تناسلوا أبا عن جد في تلك الأرض ولعشرات بل مئات السنين، ولم يصدر منهم ما يسيئ.
هناك نمط من العلاقة المرتابة بين العديد من الدول العربية والإسلامية ومواطنيها، هذا النمط المرتاب ينعكس في تشكي المواطنين من المواطنة الناقصة المنعكسة على حقوقهم وأمورهم الطبيعية، وهناك في الجهة المقابلة تبرز ريبة واضحة في اتهام جهات القرار لهم بضعف الولاء، وأحيانا خيانة الوطن والعمل على هدمه وتقويضه، ولعلّ الاتهامات السابقة المتبادلة على ساحة العراق الحبيب خير شاهد على ذلك.
إنّ خطورة هذه الريبة أنّها تنعكس واقعا على المعنيين أو المهتمين بها من المواطنين، فتسقط في حقهم أبرز المفاهيم الأساسية للمواطنة، فلا يتعامل معهم بقانون سيادي عام يُمارس على الجميع بحد السواسية، ولا يستطيعون المشاركة في الحياة العامّة؛ ليساهموا في بناء وطنهم إلى جانب الآخرين، ولا يتمتعون بمشاركة سياسية تجعلهم شركاء في صناعة القرار، وينالهم ضيمٌ في جانب الرفاه الاجتماعي والسياسي، ينعكس على أبعاد حياتهم المختلفة، وربما تأثرتْ حتى أوضاعهم التعليمية والخدمية، بسبب التشكيك في وطنيتهم وولائهم، كلّ ذلك يجري أفعالا وممارسات دون أنْ تعبّر عنه التصريحات الرسمية والمواقف المعلنة.
جمعني حديثٌ مع شاب من دول الخليج يقيم حاليا في الولايات المتحدة الأميركية للعمل بعد أنْ أنهى دراسته هناك، قلتُ له لِمَ لا تعود إلى بلادك؟ قال: منذ كنتُ في الدراسة كنْتُ كئيبا في بلادي، إذ يدخل علينا بعض الدكاترة في الجامعة فيسيئون لي ولتوجهاتي وحين أنهيتُ الجامعة رأيت بأم عيني ما لم يُصارحني به الرؤساء، فقد كنتُ أتقدّم لطلب الوظيفة في بعض التخصصات التي علمتُ فيما بعد أنني لا يمكن أنْ أُقبل فيها.
إنّ مشوار ومشروع المواطنة لا يرتبط بإرادة الحكومات فقط بل للشعوب والمجتمعات أثر بالغ فيه، يشير مؤلّف كتاب المواطنة (سامح فوزي) إلى ذلك بالقول: « المواطنة ليست خيارا سهلا، هناك أعداء كثيرون يتربّصون بها، ومن الصعب أنْ تمضي رحلة المواطنة دون أنْ ترتطم بها عقبات عديدة، هناك مجموعات من المواطنين تشعر بالسمو والاستعلاء على غيرها لأسباب تاريخية أو دينية أو مذهبية أو عرقية أو ثقافية... الخ، هؤلاء لن يقبلوا خيار المساواة مع غيرهم بسهولة، وإذا نصّ القانون على المساواة بين المواطنين سنجدهم في الواقع العملي يُواصلون ممارسة التمييز، من هنا فإنّ الإيمان بالمواطنة والإصرار على ممارستها، يؤدّي في نهاية المطاف إلى تغيير العقلية الاستعلائية ويقود إلى حالة من (التواضع المجتمعي) والقبول الإنساني للآخر المختلف على قاعدة الاحترام المتبادل».
أعتقد أنّ الحديث في هذه الأمور وعقد المؤتمرات الجادة من أجلها هي التي ستمهد الطريق لرقي دولنا ونموها وستجعلها ثابتة القدم، راسخة الوجود، في عالم تحوشه التحديات الكبرى، وتتقاذفه أمواج من الصراعات التي تتقلب وتتلون بحسب مشتهيات الدول المعادية.
أنتهي بأبلغ ما ختم به مقال، وأفضل ما نظمت على وفقه الفعال، كلام الله المتعال « وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتينَ من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم»
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ