يصيب الجوع المزمن نحو 850 مليون شخص في العالم، على حين يتسبب الجوع والفقر معا بحصد أرواح 250 ألف شخص يوميا. لتذكيرنا بهذه المأساة غير المقبولة، قامت منظمة الأغذية والزراعة التابعة إلى الأمم المتحدة بالاحتفال بيوم الغذاء العالمي الشهر الماضي رافعة شعار «حق الحصول على الطعام».
ولكن، كان يجب على المنظمة التركيز على الحقوق التي تهم «المزارعين الذين لا يملكون أراضي، وسكان الأحياء الفقيرة في المدينة والأشخاص شديدي الفقر» وإعطاؤهم حق التملّك ونقل الملكية والحق في المتاجرة بحريّة محليا وعالميا.
النوايا الحسنة ليوم الغذاء العالمي فشلت في تحديد الأسباب الحقيقية للجوع، والمجاعات والفقر. وتساءل المدير العام للمنظمة جاك ديوف: «إذا كان عالمنا ينتج طعاما كافيا لإطعام جميع السكان، فلماذا هناك 854 مليون شخص لايزالون ينامون ومعدتهم فارغة؟» الجواب هو «سياسات الحكومات الهدّامة».
باسم المزارعين الذين يعيشون حياة الكفاف والجائعين، قامت حكومات كثيرة بالسيطرة على الزراعة فقط لتدميرها وتركها بلا أرباح. هيئات تسويق الغذاء والعوائق التجارية لحماية الإنتاج الوطني والتعرفة الجمركية العالية كلها جعلت المزارعين أشد فقرا وقللت المحاصيل الزراعية وآذت المستهلكين.
تمنع هذه العوائق المزارعين من بيع إنتاجهم بربح، وبالتالي تجعل كلا من المزارع والمستهلك يعانيان من الجوع. أثناء أزمات الغذاء والمجاعات، يصبح الضرر الذي تسببه العوائق الاعتباطية على الصحة والحياة واضحا. أثناء المجاعة التي حدثت في كينيا السنة الماضية، كانت المحاصيل ذات وفرة في الجزء الغربي من البلاد، على حين كان الناس يتضورون جوعا في الشمال. هذا شيء ليس نادر الحدوث، وللأسف سيتكرر إلى أن يُسمح للأسواق بالعمل وأن تتحرر من سياسات الحكومات.
كما أن العوائق التجارية تمنع المزارعين من الوصول إلى التكنولوجيا الزراعية، كالمبيدات والسماد والبذور المهجنة التي يمكنها أن تحد من العمل الشاق إلى حد كبير وتحسين المحاصيل الزراعية. ففي الموسم الزراعي الواحد يستغرق المزارعون الموجودون في جنوب الصحراء الكبرى بين 60 و120 يوما لتنظيف الحقل من الأعشاب الضارة.
في الحقيقة، لا يوجد مكان يضع تعرفة جمركية لاستيراد المنتوجات الزراعية أعلى من تلك التي في جنوب الصحراء الكبرى حيث معدل ارتفاع الأسعار وصل إلى 33.6 في المئة، أي بعيدة عن متناول من هم في أمسّ الحاجة إليها؛ وهم الـ70 في المئة من الناس الذين يعيشون من إنتاج الأرض.
يكلف السماد الإفريقيين ستة أضعاف السعر العالمي. قام رؤساء الدول والحكومات لأكثر من 40 دولة الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بالموافقة على «إجراء فوري لإزالة الضرائب والتعرفات الجمركية عن السماد ومواده الأولية»، وذلك في قمة أبودجا في يونيو/ حزيران 2006. ومضت أكثر من سنة ومازال لا يوجد هناك أي تقرير يدل على التحسّن، ومازالت العوائق التجارية على كل المنتوجات من بين الأعلى في العالم. يصيب الجوع كل قطاعات الحياة، من دون غذاء كافٍ، يصبح الناس غير قادرين على العمل وتربية عائلاتهم والذهاب إلى المدارس، وأيضا غير قادرين على مقاومة الأمراض. إن أفضل طريقة للوصول إلى الأمن الغذائي هي تأكيد حرية الناس وحقهم في تأمين الغذاء لأنفسهم ولعائلاتهم. ويجب على الحكومات ليس فقط وقف التدخل بالزراعة ووَهْم الاكتفاء الذاتي، بل يجب عليها أيضا أن تدرك أن الإنسان يكون أكثر قدرة ومسئولية عندما يكون حرا.
الحق في التملّك وتبادل الأموال سيشجع المزارعين على استثمار وقت ومال أكثر في أرضهم. وسيزداد عدد المزارعين الذين يستخدمون التكنولوجيا الزراعية إذا كانوا واثقين بأنهم سيحصلون على عوائدَ من استثمارهم. التملّك الآمن للأرض سيتيح أيضا للمزارعين أخذ قروض مصرفية باستخدام أرضهم ضمانا. هذا سيتيح لهم الاستثمار لتحسين عملهم الزراعي؛ للبدء بمشروعات جديدة أو ببساطة توفير الصحة الجيدة والتعليم والرفاه لعائلاتهم.
إن دعم حقوق الملكية وتمكين الناس من العمل في مشروعات لبيع المنتجات والخدمات سيقللان من الجوع بشكل كبير. قد تبدو هذه السياسات غير مرتبطة بموضوع الغذاء، ولكنها مرتبطة جدا بحريّات المزارعين لإنتاج الطعام وجني المال. وفي المقابل، إن التدخل المستمر من الحكومات والوكالات العالمية ترك المزارعين جوعى وغير منتجين؛ ما يتسبب أيضا بملايين الجوعى من الناس.
منظمة الأغذية والزراعة على حق عندما تقول: «إن على الحكومات خلق بيئات ملائمة وآمنة ومستقرة وحرة ومزدهرة، بحيث يقوم الناس بإطعام أنفسهم بكرامة». ولكن، هذا يعني زيادة سيطرة الناس على حياتهم وأرضهم وعملهم، من دون سيطرة الحكومات.
* باحثة في برنامج البيئة لشبكة السياسة العالمية، وهو مركز أبحاث مقره في لندن، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1913 - السبت 01 ديسمبر 2007م الموافق 21 ذي القعدة 1428هـ