العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ

هجمات مومبي... والقراءة الثانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تتدحرج الأزمة الهندية - الباكستانية وتنزلق نحو مواجهة عسكرية بين بلدين يملكان صواريخ نووية أم يتجه العقل السياسي نحو الانتصار ويضبط إيقاع التوتر تحت سقف توازن المصالح؟ المسألة خطيرة حتى الآن وهي لا تزال مفتوحة على الاحتمالين. فهناك من يدفع التوتر باتجاه الاصطدام المخيف. وهناك من يتجه نحو مد جسور التواصل بعد أن نجحت المجموعات المسلحة في نسف خطوط الثقة.

تطور الأزمة نحو الانفجار يعني أن الطرف الذي نظم وخطط وجهز ودرب وسهل مرور المجموعات لضرب أهدافها المختارة بدقة وعناية يكون قد أصاب وحقق مراده من وراء الهجمات. أما إذا نجح العقل السياسي في احتواء تداعيات الأزمة المفتعلة يكون الطرف الذي أشرف على عمليات الاختراق والتسلل قد فشل في التوصل إلى تحقيق مبتغاه.

المسألة مفتوحة وهي مرهونة بمدى قدرة الجانب الباكستاني على توضيح موقفه وإبداء استعداده للتعاون لتطمين الجانب الهندي من خلال تقديم مساعدات ومعلومات عن «الشبكة» التي يقال أنها تقف وراء الهجمات. مقابل الجانب الباكستاني لا بد أن يفكر الجانب الهندي ثانية بطبيعة الهجمات والأهداف البعيدة المراد منها. والقراءة الثانية تساعد الحكومة الهندية على تحليل هادئ للهجمات وربما تكشف عن جوانب خفية تريد توريط نيودلهي في أزمة مفتوحة على حرب لا يعرف أين وكيف ستنتهي.

إعادة قراءة طبيعة الهجمات يشير إلى مجموعة خيوط تتجاوز الهيكل العام الذي ظهرت من خلاله خريطة العمليات. فالهجمات فائقة التنظيم ومكلفة ماليا ومعززة بالمعلومات وتمتلك خبرة واسعة ودقيقة بنقاط قوة مومبي وضعفها. فمن قام بالهجمات خطط سلفا الأهداف واختيارها بدقة وتعمد أن تكون الخسائر المادية والبشرية والمعنوية مرتفعة جدا حتى يضع الحكومة في موقع صعب وخيار واحد وهو الانفعال والثأر من دون تفكير.

ضخامة الهجمات تشير إلى وجود قوة أكبر من «عسكر طيبة» والمخابرات الباكستانية وهي تريد افتعال أزمة لا تستطيع نيودلهي السكوت عنها وتحمل تبعاتها. فالحجم الهائل للضربات واختيار الضحايا من جنسيات مختلفة وقتل الناس عشوائيا في محطة قطار ومطعم سياحي كلها عناصر سيئة تستهدف استنفار الرأي العام العالمي من عواصم ومدن أوروبية وأميركية واسترالية وآسيوية وحتى إسرائيلية لتجتمع كلها في معسكر واحد يشجع على استئناف تلك الحملة الدولية ضد الإسلام والمسلمين بعد أن أجهضت تلك الموجات التي تلت هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.

اختيار المواقع والجنسيات وتنويع قوميات الضحايا وألوانهم يدل على أن القوة التي نظمت وخططت وضعت في مخيلتها الإجرامية سلسلة ردود فعل تتجاوز في مساحتها الجغرافية ومسافتها الزمنية كل النتائج الميدانية التي ترتبت مباشرة عن الهجمات. فالقوة التي أشرفت على العملية كبيرة ويحتمل ألا تكون إقليمية لأن الهجمات تشير في مدلولاتها السياسية إلى وجود طرف يخطط لجرف منطقة جنوب غرب آسيا إلى ساحة مفتوحة للصراع ما يضع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب في موقع يفرض عليه التزامات أمنية لا تنسجم كثيرا مع وعوده الانتخابية.

الهجمات التي يقال إنها جاءت من البحر تثير علامات استفهام عن تلك القدرات التقنية الهائلة التي تمتلكها الزوارق لتجاوز كل خطوط المراقبة وصولا إلى الميناء وثم الإنزال والانتشار والاستيلاء عسكريا على عشرة مواقع يفترض أن تكون محصنة.

عملية الإنزال البحري تحتاج إلى قراءة ثانية حتى تكتمل الصورة من مختلف جوانبها وخصوصا من الداخل الهندي. فالزوارق قد تكون لتضليل التحقيق والتغطية على التسلل المحلي لأن المجموعات التي أقدمت على ارتكاب هذه الجرائم تمتلك معرفة تفصيلية عن الأحياء والشوارع ومداخل المدينة ومخارجها ونقاط ضعف الأهداف وقوتها. وهذه المعلومات لا تتوافر إلا لعناصر خبيرة ومقيمة تعرف جيدا خريطة المدينة وتلك التفصيلات الدقيقة بالفنادق والمطاعم والمدارس. العناصر الطارئة والدخيلة لا يمكنها أن تسيطر على المواقع بالسهولة التي نجحت بها لو لم تكن على علم ودراية بكل الممرات والثغرات ومراكز التسلل والتحصن وملاجئ الهروب.

أسئلة كثيرة

هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح للتعرف على الجوانب الاستخباراتية والتكتيكات العسكرية التي استخدمت لتنفيذ الهجمات ولكنها في مجموعها غير مهمة الآن في حال تصرفت الحكومة الهندية تحت ضغط الظروف النفسية والإهانة المعنوية فاتجهت نحو اتخاذ قرارات غير مدروسة يحتمل أن تورطها في أزمة مفتوحة مع جار يعاني بدوره من تلك التفجيرات والأعمال الإرهابية.

باكستان وضعت قبل نهاية فترة الرئيس السابق برويز مشرف على رأس قائمة الدول المطلوبة أميركيا. فالأزمة السياسية بين واشنطن وإسلام آباد بدأت روافدها تتجمع منذ العام 2006 وأخذت تنفلش وتتطور على قاعدتين: الأولى البرنامج النووي/ الصاروخي واحتمال تسربه إلى منظمات إرهابية. والثانية انهيار الوضع الأمني في أفغانستان وعودة قوة «طالبان» إلى النمو والانتشار وخصوصا في مناطق قبيلة البشتون.

بسبب هذا الوضع المتأزم الناجم أصلا عن فشل السياسة الأميركية بدأت إدارة واشنطن تلمح إلى مخاوف من احتمال سقوط السلطة في باكستان وانهيار الدولة وتفكك ولاياتها الأربع واحتمال نجاح منظمات إرهابية في الاستيلاء على قنابل نووية. وجاءت التوقعات الأميركية بناء على خلفية إقدام مهندس القنبلة النووية الباكستانية ببيع معلومات ومعدات لإيران وليبيا ترشد الخبراء إلى كيفية تصنيع الأسلحة. وجلبت هذه الفرضية مجموعة استنتاجات أكدت احتمال تكرار الخطأ من طريق آخر ما دفع إدارة واشنطن إلى اتخاذ مواقف متشددة من مشرف أجبرته في النهاية على تقديم تنازلات ثم التنحي عن السلطة بعد حادث تفجير زعيمة المعارضة بينظير بوتو.

المخاوف النووية المفترضة تعززت سياسيا بنمو قوة «طالبان» في أفغانستان ونجاحها في تسجيل ضربات موجعة لسلطة حليف أميركا في كابول ما رفع من درجة القلق من الجار الباكستاني وتحديدا تلك المناطق القبلية المتداخلة والمتاخمة لمناطق انتشار البشتون. وأدى هذا المتغير الأمني إلى رسم خريطة طريق سياسية تعيد النظر بالتحالفات والأولويات فبدأت عمليات التفجير والاغتيالات والاعتداءات الطائفية تتنقل بين كراتشي وإسلام آباد وعواصم الأقاليم الأربعة.

باكستان الآن متهمة بينما هي ضحية هجمات زعزعت استقرارها وأضعفت قدراتها على السيطرة الأمنية ما أعطى ذريعة لقوات التحالف في أفغانستان لتصعيد ضرباتها الجوية واختراق المناطق وإطلاق الصواريخ على المراكز والقرى والأحياء وقتل عشرات المدنيين تحت غطاء ملاحقة «طالبان» ومطاردة شبكاتها القبلية المنتشرة على الحدود الدولية.

مصادر الإدارة الأميركية أخذت تدّعي بعد الانتهاء من هجمات مومبي أنها خائفة من تدهور العلاقات الباكستانية - الهندية وأنها متخوفة من نمو التوتر على حدود البلدين ما يشجع حكومة إسلام آباد على سحب قواتها من حدود أفغانستان إلى حدود الهند. وذريعة مخاوف مصادر الإدارة الأميركية أن نقل القوات من جهة إلى أخرى يضعف جبهة أفغانستان ويشجع «طالبان» على تطوير هجماتها مستغلة الثغرات والممرات الجبلية ومعابر الأودية الأمر الذي يتطلب من جانب واشنطن الرد السريع قبل أن تتدهور المواقع وتنهار.

الذريعة الأميركية بشأن مخاوفها قد تلقي بعض الأضواء الكاشفة في حال قررت الحكومة الهندية إعادة النظر باتهاماتها المتسرعة والغاضبة والبدء ثانية في قراءة أبعاد الهجمات والطرف المستفيد منها وخفايا تلك الأهداف البعيدة من وراء تسهيل نجاحها. فالذريعة السياسية التي ترافقت مع الانتهاء من الموافقة على «الاتفاقية الأمنية» مع العراق، تقول إن الفراغ الأمني الذي سيتولد في مناطق البشتون الباكستانية، في حال أقدمت إسلام آباد على سحب قواتها لتعزيز حدودها مع الهند، تقتضي الإسراع بإرسال المزيد من الفرق الأميركية لتعبئة تلك الثغرات والمسالك القبلية الجغرافية التي تقع على حدود أفغانستان.

الذريعة تحتاج دائما إلى مبرر حتى تصبح القناعات مسألة لا تحتاج إلى نقاش أو مفاوضة أو مقايضة. والمبرر الذي قدمته هجمات مومبي على «طبق من فضة» أعطى إدارة جورج بوش المتهالكة والفاشلة مادة خام للبناء عليها وتحويلها إلى قرارات لا يستطيع الرئيس المنتخب التخلف عن تأييدها تحت مظلة الدفاع عن المصالح الأميركية المهددة بالانهيار في منطقة غنية وحساسة تضم مستودعات تخزن قنابل نووية وجبال صعبة التضاريس تحتوي على ملاجئ تنطلق منها «طالبان»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً