سيصبح 1 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2008م يوما تاريخيا يُستهل به للاحتفال بيوم المرأة البحرينية، ليغدو من بعد ذلك ذكرى تعاد كل عام، وتختص بالمرأة هنا وحدها، إذ لاتزال الحاجة راهنة وملحة بشكل كبير للنهوض بالمرأة البحرينية فهي لاتزال تعيش أزمتي المكانة والدور، لكن الجميع يتمنى أن يصبح هذا اليوم يوما غير عادي، يوما يحمل في طياته أكثر من بشرى للمرأة، إنها البحرينية التي تستحق أن نعمل من أجلها الكثير، فهل من مزيد؟
حسنا فعل المجلس الأعلى للمرأة حين جعل التعليم شعارا للاحتفال الأولي إذ هو الركيزة الأساسية وما عداه سيأتي لا محالة، إذ يعتبر تعليم البنات من أهم التطورات التي أدخلت في التعليم في البحرين. فقد تلقت الفتاة تعليمها الأول في الكتاتيب، وقرأت دونما تكتب إذ تحرص بعض العوائل البحرينية على ابتعاث بناتهن للتعليم فيه من أجل أن تصبح قارئة في المآتم أو الحسينيات حيث تقوم بقراءة كتاب الفخري - وهو كتاب تاريخي قديم يستعرض مقتل الإمام الحسين (ع) - وترديد المراثي الحسينية على مسمع جمع غفير من النساء في الحسينية، وفي العام 1982م وبعد مرور تسع سنوات على تعليم البنيين بشكل نظامي، فكرت الحكومة بإنشاء مدارس مماثلة للبنات. ويشير بلغريف في مذكراته إلى أن حاكم البحرين وحرمه وافقا على المشروع بل وعدا بمساندته، لكن الرفض جاء من قبل الأهالي. أما التجّار فإنهم مقتنعون بفكرة تعليم البنات، لكنهم متخوّفون من رد فعل المجتمع إذا ساندوها، فلذلك آثروا عدم الخوض فيها علانية، وهذا يتضح من خلال ما جاء في رد أحد تجار البحرين على بلغريف بخصوص مشروع الحكومة في تعليم البنات حين قال: «انه لشيء جميل أن تكون لدينا مدرسة للبنات، لكنني أفضل عدم ذكر اسمي كمساند لهذه الفكرة...». وأعلنت الحكومة عن قرارها بإنشاء مدرسة للبنات، وقوبل هذا القرار بالاستنكار وردود الفعل الشديدة، حيث قدمت بعض الشخصيات المهمة في البلاد عريضة احتجاج، وفي الوقت ذاته انتقد خطباء المساجد هذه الخطوة على أساس أنها بدعة، وأما الأهالي فإنهم كانوا يرددون «إذا تعلمت البنات القراءة والكتابة من الذي سيمنعهن من مراسلة الشبان من دون علم أولياء أمورهن».
وعلى رغم المعارضة الشديدة من الأهالي، افتتحت أول مدرسة ابتدائية للبنات العام 1928م في بيت عبدالرحمن محمد الزياني في المحرق، وأطلق عليها «مدرسة الهداية الخليفية للبنات في المحرق»، وقد لقي التعليم في هذه المدرسة إقبالا كبيرا من الطالبات. وبعد عام افتتحت المدرسة الثانية لتعليم البنات في المنامة وعهد بإدارتها إلى زوجة ناظر المعارف فائق أدهم وعرفت المدرسة باسم مدرسة الهداية الخليفية الأميرية للإناث بالمنامة وأصبحت مريم الزياني أول معلمة بحرينية تقوم بتدريس البنات، وكان المنهج الدراسي قائما على تدريس القرآن الكريم، ومبادئ الدين الإسلامي، والقراءة، والكتابة، والحساب، والخياطة، والرسم والشئون المنزلية. وفي نهاية العام 1939م، أصبحت هناك ثلاث مدارس ابتدائية للبنات هي: مدرسة المحرق، وعدد طالباتها نحو 150 طالبة، تقوم بتدريسها ست مدرسات خمس منهنّ بحرينيات، ومدرسة المنامة وعدد طالباتها 190 طالبة تقوم بتدريسهن ثماني مدرسات ست منهنّ مواطنات، ومدرسة الحد وعدد الطالبات 85 طالبة ثلث مدرساتها مواطنات.
وبعد مرور أكثر من عشر سنوات وفي العام 1939م، تنشر صحيفة «البحرين» رسالة مطولة تعبّر فيها إحدى الطالبات عن سعادتها بالتعليم حيث قالت: «ما أسعدني وأبهى مستقبلي، وأنا أكتب، وأنا أقرأ، وأنا أرتل القرآن وأنشد الأناشيد... ما أبدع الإبرة في يدي... أين أنا من هؤلاء الفتيات اللاتي أعبر بهن وأنا عائدة من المدرسة فأرثي لهن وأتألم لجهلهن وعدم نظافتهن، بل أين أنا من أمي ومن زائرات أمي وجارات أمي لم يتمتعن بتعاليم المدارس». نعم لقد خرجت المرأة من جحور ظلام الأمية، لكن مع مرور ما يقارب الستين عاما على هذا الخطاب، لايزال تقدمنا نحن النساء البحرينيات بكل تياراتنا بطيئا وغير متكافئ، فبعد ثمانين عاما من التعليم يظل التساؤل قائما هل وصلت المرأة في البحرين إلى ما يتوقع منها باعتبارها أول من نال التعليم في الخليج؟ فنظرة عامة على واقع المرأة في البحرين نراه يتراجع بل يتخذ نوعا من اتساع الفجوة بين النظرية والواقع، بين النخبة والقاعدة الجماهيرية النسائية، كما لايزال فقر المرأة وتدنى مشاركتها في إدارة الموارد الاقتصادية والبيئة، وغيابها عن دوائر صنع القرار، وسوء تمثيلها في وسائل الإعلام هو السائد والمقلق في عالم يتوقع أن تسوده المرأة، لكن ما الذي جعل المرأة البحرينية على رغم السنين لم تتغير بالصورة المطلوبة ولم تقدم إنجازات كبيرة وواضحة؟ صحيح أنها سجلت في السنوات الأخيرة حضورا ملحوظا في جميع الأصعدة، لكنه غير كافٍ على الإطلاق إذ ظل رمزيا تغلب عليه الدعاية والارتجال ولا يرقى إلى مستوى الطموح والآمال، وبقيت الجهات الرسمية تزين نفسها بمناصرة المرأة ولكن في والواقع غير كافٍ ومتواضع في الوقت ذاته، إذ لاتزال التحفظات والعراقيل هي نفسها تحكم المشاريع التنموية النسائية فضلا عن التعيينات المحسوبة، ومازالت نسائنا رهينة بين ما تريد وما يراد منها، وما تؤمن به وما يشاع في الأوساط من شعارات، فاليوم لا ينبغي أن يكون حديثا أنثويا خالصا بقدر ما هو المطالبة بالحق الإنساني للمرأة. نحشى أن يتحول إلى يوم احتفالي فقط، يصبح الحديث فيه من زخرف القول، ومعه تصبح قضايا المرأة قضايا مكررة ومملة، بل يتداولها الجميع من باب طرح ما يوجب طرحه في هذه المناسبة دونما الوصول إلى حلول موضوعية حقيقية تلامس الواقع وتستشرف المستقبل
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ