العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ

لبنان بين فراغين... هادئ وساخن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخل لبنان أسبوعه الثاني في منطقة «الفراغ الرئاسي». النواب فشلوا في التوافق على رئيس وفاقي ينقذ البلد من الانهيار أو يدير الأزمة ويمنعها من الانفجار، لذلك قرر رئيس مجلس النواب نبيه بري تأجيل جلسة الانتخاب إلى السابع من ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري.

أسبوع آخر من الانتظار. وهذا الأمر يطرح علامات استفهام بشأن إمكان التفاهم على رئيس للبلد يتم اختياره من خارج اللائحة التي اقترحها البطريرك الماروني. والتفاهم الذي ظهر في الساعات الأخيرة على اختيار قائد الجيش العماد ميشال سليمان أعاد خلط الأوراق ودفع القوى السياسية إلى الدخول في قراءات دستورية ثانية لتبرير هذا الموقف المستجد.

حتى تتوضح صورة التحالفات وتتبلور صيغة الإخراج الدستوري للأزمة الرئاسية هناك مخاوف جدية من انزلاق بلاد الأرز إلى موجة جديدة من العنف بدأت طلائعها بالظهور في مدينة طرابلس في الشمال ويرجّح أن تنتقل إلى مناطق أخرى في حال لم يتوصّل النواب إلى احتواء تداعيات مشكلة الفراغ. فالمسألة سياسية في جوهرها وتتجاوز حدود القوانين والمواد الدستورية. وفي حال انفرط عقد التفاهم على ضمان السلم الأهلي فإنّ احتمالات التصادم واردة.

لبنان الآنَ يقع في منطقة وسطى بين السلم والتصادم. وعادة تتسم هذه المنطقة الانتقالية بحال من القلق الأمني والفوضى السياسية. وهذا ما دفع السفير الأميركي جيفري فيلتمان إلى وصف المرحلة الانتقالية بكلام غريب ولا يعرف المقصود منه. فالسفير وصف الحال القلقة بـ «الفراغ الهادئ». ولا يعرف حتى الآنَ المعنى المقصود من هذا التوصيف في وقت يستعد السفير الأميركي إلى مغادرة بيروت عائدا إلى واشنطن تاركا البلاد في لحظة استثنائية يمكن أنْ تعرضه لمشكلات غير محسوبة في الأسبوع الثاني من الفراغ الرئاسي.

«الفراغ الهادئ» لا يمكن أنْ يستمر طويلا في ظل فضاءات دولية وإقليمية قلقة تتجاذب المنطقة صعودا وهبوطا من إيران إلى غزّة. وهذا الوضع الخطر يطرح السؤال بشأن فترة «الفراغ». فالمدة تحدد الاتجاه الذي سيذهب إليه لبنان. إذا كانت المدة قصيرة (أسبوع آخر) فمعنى ذلك أنّ التوافق السياسي/ الدستوري على رئيس وفاقي (انقاذي) أصبحت قريبة ويمكن توقع نتائجها في جلسة النواب المقبلة أو في جلسة أخرى تتجاوز موعد 7 ديسمبرالجاري. أمّا إذا كانت المدّة طويلة فمعنى ذلك أنّ بلاد الأرز أصبحت من جديد وكما هو حالها دائما رهينة تطورات وانعطافات وربما تحالفات غير مرئية قد تشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة.

«الفراغ الهادئ» في بلد صغير يحتاج إلى قوى سياسية واعية تدرك خطورة الموقف الدولي/ الإقليمي وسلبيات الانزلاق إلى مواجهات محلية لن تكون في جوهرها بعيدة عن تلك التجاذبات الأهلية الطائفية والمذهبية. والفراغ أيضا يتطلب بدوره توافقات دولية وإقليمية تضمن استمراره الهادئ من خلال الضغط على الأطراف اللبنانية بعدم الاتجاه نحو الحلول القصوى والمتطرفة.

في كلّ الحالات هناك مخاوف على لبنان. واحتمالات تعرضه إلى تعديلات في توازناته السياسية مسألة واردة حتى لو قطعت بلاد الأرز منطقة الفراغ بهدوء ومـن دون دورة جـديدة من العنـف. فالـهدوء المؤقت يتطلـب انتخـاب رئيس للجمهورية وهذا يعني التوافق على «نصاب الثلثين» وتعديل مادة في الدستورأوالذهاب بعيدا في صيغة الأكثرية المطلقة. والهدوء الطويل الأمد (ثلاثة أشهر أو أكثر) يتطلب هدنة دولية/ إقليمية تضمن عدم انهيار العلاقات الأهلية والارتطام بتعقيدات واقع طائفي/ مذهبي. والهدوء الدائم في ظل فراغ موقع الرئاسة يمكن أنْ يولد في حال استمراره تعارضات أهلية ساخنة تطرح سلسلة أسئلة استفهامية تتعلق بمصير الكيان ووجوده السياسي.

أسئلة مسكوت عنها

أسئلة كثيرة مسكوت عنها بدأت تطرح بقوّة في الزوايا السياسية للأطراف اللبنانية. هناك مشروع يطالب بإعادة النظر باتفاق الطائف الذي يعتمد صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وهذا المشروع في حال طرح على طاولة التفاوض لن يكون في نهاية التحليل لمصلحة المسيحيين؛ لأنّه سيعيد النظر بفكرة المناصفة ودفعها باتجاه المثالثة. هناك مشروع يقترح تحويل البلد إلى صيغة تشبه ذاك النموذج الأميركي في العراق (فيديراليات مناطقية). وهذا يعني تحويل لبنان إلى مجموعة «كانتونات» يحكمها أمراء الطوائف أو تقسيمه إلى ثنائية مسيحية ومسلمة تحاكي سياسيا ذاك النموذج الذي ظهر فجأة في فلسطين (حكومتان تتعايشان في قطاعين جغرافيين). وهناك مشروع إعادة لبنان إلى عهد الوصاية السورية مع ضمانات عربية تحفظ التوازنات الأهلية تحت سقف موافقة أميركية/ إسرائيلية ورقابة مباشرة لتموجاته السياسية.

كلّ هذه الاحتمالات مطروحة ضمنا ولم تتحوّل إلى مشروعات واضحة في تفصيلاتها. وبانتظار أنْ يعلن عنها في حال قررت الولايات المتحدة استكمال خطة تقويض منطقة «الشرق الأوسط»، يمكن متابعة مجموعة تحولات أخذت إشاراتها تظهر في الأفق وتتكون خلاياها الأولى في أكثر من زاوية. وتلك المتغيرات البدائية تلاحظ في النقاط الآتية:

أوّلا: خلط أوراق التحالفات الإقليمية في المنطقة العربية.

ثانيا: استمرار سياسة تشديد العقوبات الدولية على إيران باتجاه عزلها عن العراق أو الحدّ من تأثيرها السياسي على بلاد الرافدين بهدف فك ارتباطها مع سورية.

ثالثا: البدء في إعادة تركيب توازنات إقليمية تستند إلى مراجعات دولية (أميركية/ أوروبية) تقوم على ترتيب سلسلة أولويات في منطقة «الشرق الأوسط» تضمن أمن النفط وأمن «إسرائيل».

الأولوية في الرؤية الأميركية الآنَ لملف العراق. والأولوية في الرؤية الدولية لملف إيران. والأولوية في الرؤية العربية لملف فلسطين. والأولوية في الرؤية الإسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني. ومجموع كلّ هذه الأولويات تتقاطع في حدودها الدنيا في «المربع السوري». وبسبب موقع هذا المربع الجغرافي/ اللوجستي بدأت الدول الأوروبية تندفع نحو الانفتاح على سورية وربما إعطاء دمشق ذاك الضوء الأخضر للتحرك أو على الأقل وعدها بعدم التعرض لها مقابل ضمان دورها الإقليمي وموقعها الخاص في المعادلة اللبنانية.

المسألة اللبنانية في النهاية مركبة من عناصر غير متجانسة. فهي تشتمل على عوامل محلية ولكنها منكشفة أو منفتحة على تعقيدات إقليمية. والتعقيدات الإقليمية محكومة بدورها أو مضبوطة تحت سقف ودولي تلعب فيه الولايات المتحدة حتى الآنَ دور الطرف الأقوى في تحريك خيوط اللعبة. لذلك يبدو مصير الكيان اللبناني عرضة للتقلبات بين تعرجات دولية/ إقليمية/ محلية مفهومة وبين توجهات مجهولة تحاك عادة وراء الستار وفي الكواليس والزوايا الخفية.

هذا الوضع المكفهر أطلق عليه السفير الأميركي مصطلح «الفراغ الهادئ» حين دخل البلد الصغير مرحلة ما بعد الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية. فالفراغ كلمة عامة ومطاطة وتحتمل التأويل... وربما يضع «الفراغ» لبنان أمام مصير مفتوح على احتمالات متناقضة في حال انتقل من الهدوء إلى السخونة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً