رب سائل يسأل: ما بال هذا الرجل قدم أكثر الحديث عن مبنى قديم متهالك كان يسمى «مدرسة المباركة العلوية»، مبنى كغيره من المباني أنهكته السنون فتهاوى على الأرض صريعا، وقد أثخنته الجراح وآن الآوان لإزالته من فوق الأرض وبناء آخر حديث مكانه، وما الفرق؟ بل إن هذا أفضل كما يرون.
ولهؤلاء الأخوة الكرام أقول: لا يا قوم، هذا المبنى ليس أرضا، وجدرانا، وأخشابا، إنه علاقة نفسية متأصلة، إنه معلم شامخ يحكي تاريخا مجيدا لهذا البلد العريق «البحرين» إنه منارة مشعة من منارات هذا البلد ومعلم فكري من معالمه، وبالتالي فالحديث عن هذا المبنى والأصح «مدرسة المباركة العلوية» يعني لدينا الكثير الكثير الذي يجب أن يظل في الذاكرة وفاء لأولئك الرجال الذين أسسوا وتعاقبوا على هذه المدرسة يثرونها بعطائهم المتواصل حتى تخرجت أجيال وأجيال.
الحديث عن مدرسة المباركة العلوية يجب أن يتواصل، ولا ينقطع ولا يتوقف، إذا كنا حريصين على الوفاء لتاريخنا المجيد الزاخر بالعطاء... والوفاء.
أجل... الحديث عن هذا المبنى ليس حديثا عن أرض وجدران وأخشاب، وغير ذلك. أبدا... إنه حديث عن صفحة مشرقة من صفحات وطننا البحرين، وبالتالي يجب التعامل معه بأسلوب آخر يدل على الوعي التاريخي والفكري والعلمي كما تعاملنا مع غيره من المعالم التاريخية كـ «مدرسة الهداية الخليفية» مثلا إذ مسته أيدي الصيانة والترميم والرعاية ما جعله يحتفظ بنكهته التاريخية من خلال مبناه ومعناه، ذلك أن المعالم التاريخية لا يجب التمييز بينها لأنها ليست ملك فئة من الناس، وإنما ملك البحرين وشعب البحرين وتاريخ البحرين.
لقد تطرقنا لهذا الموضوع أكثر من مرة. وطالبنا وزارة التربية والتعليم من خلال الصحافة المحلية والرسائل المكتوبة، التحرك الجدي والسريع لوضع حد لانهيار هذه المدرسة وقبل أن تتحول إلى تراب وأحجار وتصبح نسيا منسيا. ولقد تجاوب بعض المسئولين قبل سنوات، واعدين بأن هذا المبنى سيحول إلى متحف تربوي بعد صيانته وترميمه، فاستبشرنا خيرا لهذا القرار من دون أن ندري بأنه مجرد حبر على ورق. إنني من خلال هذا المبنى أطالب - مجددا - ذوي الشأن في جميع مواقعهم القيام بزيارة مبنى «مدرسة المباركة العلوية» للوقوف على واقع الحال الذي بات يؤرق المهتمين بتاريخ البحرين، والحريصين على استحضار هذا التاريخ أمامنا، متفاعلين معه بكل ما تعني كلمة التفاعل، إذا كنا صادقين فعلا مع تاريخنا الماضي والحاضر والمستقبل، وفي حال عدم التجاوب مع هذا المطلب المهم جدا فإنني أتوجه به إلى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، المعروف عنه حرصه على تلبية طلبات شعبه الغيور والوفي، وفي مقدمتها المطالب التي تمس تاريخ هذا البلد مثل «مدرسة المباركة العلوية».
أقول لأذكر أن حديثنا عن مدرسة المباركة العلوية ليس من قبيل البكاء على الأطلال وإنما هو من قبيل مسعى يستهدف الإبقاء على معالمه التاريخية نابضة بالحياة، لنثبت للعالم إننا شعب عريق من الناحية التاريخية والعلمية والفكرية وجميع المؤشرات الحضارية.
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1911 - الخميس 29 نوفمبر 2007م الموافق 19 ذي القعدة 1428هـ