منذ تأسيس جامعة الدول العربية في أعقاب الحرب الكونية الثانية لم تتوقف الدعوات والجهود العربية من أجل بناء وتعزيز أطر العمل العربي المشترك. وشأنها شأن الكتل الجيو- سياسية الأخرى، عرفت تلك المساعي تذبذبات الصعود والهبوط كانعكاس طبيعي للحالة السياسية والإقتصادية التي تمر بها المنطقة، سواء كان ذلك من جراء توجهات السياسات العالمية، أو بفعل العوامل الداخلية التي تحكم العلاقات القائمة بين الدول العربية ذاتها، ثنائية كانت أم إقليمية.
وقد حظي التبادل التجاري أو ما أصبح يعرف اليوم بالتجارة البينية العربية، إلى جانب موضوعات استراتيجية مهمة أخرى مثل الدفاع المشترك، باهتمام متزايد من جانب الدول العربية منفردة أو في نطاق مؤسسات جامعة الدول العربية ومنظماتها المتخصصة على المستوى الإقليمي.
واليوم، وفي ظل التطورات المتسارعة للتجارة الدولية سواء بتأثير استحقاقات اتفاقيات منظمة التجارة العالمية أو ظهور تكتلات اقتصادية وإقليمية فضلا عن معطيات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جعل من موضوع التجارة العربية البينية ضرورة ترتبط بالمستقبل القادم لأقطار وبلدان الوطن العربي.
ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن التجارة البينية العربية هي أداة أساسية، ومدخلا مهما للتعاون من أجل تحقيق التكامل ولهذا السبب بذلت الدول العربية جهودا كبيرة منذ خمسينيات القرن الماضي لتحرير هذه التجارة وتنميتها إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى تواضع نسبة التجارة البينية العربية إلى إجمالي التجارة العربية مع العالم، بل وتراجع هذه النسبة من 9,5 في المئة في العام 2002 إلى 9,1 في المئة في العام 2003 طبقا لما ورد بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد (2004).
إن ما تحقق في إطار إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى من إلغاء للتعريفات الجمركية على السلع المتبادلة بين (17) دولة عربية إعتبارا من أول يناير/ كانون الثاني 2005، لا يعني زيادة التجارة البينية بين الدول العربية بطريقة تلقائية، إذ مازالت هناك العديد من المعوقات التي تحول دون حدوث هذه الزيادة، فالقواعد الانتاجية محدودة، وغير متنوعة، ولا توجد سلع عربية تتمتع بجودة عالية غالبا، يتم فيها التبادل بين الدول العربية، بالإضافة إلى ضعف البنية الأساسية التجارية والتي تشمل النقل بأنواعه، والاتصالات والمعلومات في مجال التجارة، فضلا عن تمويلها والتأمين عليها وغير ذلك.
إن ما شهده العالم من أحداث وتطورات اقتصادية مهمة خلال العقد الأخير من القرن العشرين والمقترنة بقيام منظمة التجارة العالمية، إنما يمثل تحديا كبيرا أمام الدول العربية في مجال التبادل التجاري في ضوء تحرير التجارة والمنافسة بين الدول الأعضاء في المنظمة.
وهكذا وفي ظل هذه التطورات تصبح تنمية التجارة البينية العربية مطلبا ملحا بل بات أمرا ضروريا لتحقيق مصالح الدول العربية إلى جانب ما يحققه التكامل الاقتصادي العربي من تعظيم الاستفادة من مزايا تحرير التجارة العالمية والحد من الآثار السلبية لهذا التحرير على الاقتصادات العربية نفسها.
ولابد لنا هنا من إدراك وفهم الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها التجارة العربية البينية؛ إذ إنها تساعد على تنمية الإنتاج العربي وزيادة معدل النمو الاقتصادي، فضلا عن أن اتجاه الدول العربية نحو التكامل بعضها مع بعض يحميها من العولمة التي شكلت عهدا جديدا من التفاعل بين الدول والاقتصادات والبشر والسلع، إلاّ أن التجارة البينية مازالت تواجه الكثير من المعوّقات.
مثل هذا الواقع هو الذي دفع لجنة تنمية التجارة البينية العربية بمجلس الوحدة الاقتصادية إلى بحث الآليات التنفيذية لتنمية التجارة البينية إلى المستوى المستهدف تحقيقه خلال خمس سنوات
ومن بين منظمات جامعة الدول العربية التي أولت هذه المسألة الاهتمام الذي تستحقه كانت المنظمة العربية للتنمية الإدارية التي قامت من بين أنشطة أخرى لها في هذا الإتجاه، بعقد، وبالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة قطر، المؤتمر العربي الثاني للتجارة العربية البينية خلال الفترة 3 – 5 أبريل/ نيسان 2006.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1911 - الخميس 29 نوفمبر 2007م الموافق 19 ذي القعدة 1428هـ