لا أعلم تحديدا ماذا كان يضمر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عندما نَعَتَ منتقديه بأن «ذكاءهم أقل من ذكاء ماعز»، ولكن الأكيد أنّ مستشاره الإعلامي وحليفه القديم علي أكبر جوانفكر صحّح ذلك النقد الصادر عن الرئيس قائلا إنه كان يقصد «غير المؤمنين بظهور الإمام المهدي (ع) وليس معارضيه» من الطبقة السياسية الإيرانية الذين تحازبوا مجتمعين ضده.
وعلى رغم أن ذلك التصريح للرئيس جاء قُبيل توزيعه دمى بلاستيكية ودراجات هوائية على أطفال خراسانيين خلال زيارته الأخيرة لهذه المحافظة، فإنه أيضا يأتي متصلا بعدد من الحقائق السياسية والتنظيمية على الأرض، أولها تشكّل بُنية جديدة من العلاقة السياسية المُضطربة بين حكومة التعميريين والأطر الحزبية بشتّى تلويناتها المحافظة والإصلاحية بعد تصريح الرئيس المثير للجدل بأن «الحكومة التاسعة لم تُقدّم مطلقا جزية للأحزاب»؛ وهو ما فتح الباب من جديد للحديث عن مُحددات هذه العلاقة ومآلاتها، وهل روّاد إعمار إيران الإسلامية اليميني المتشدد يريد أن يُبقي على خطوط اتصال مع مجلس تنسيق قوى الثورة اليميني أم أنه آثَر التمثّل في جبهة خالصة تُحاكي برامجه وخططه ورؤيته لملفات النظام المختلفة؟
أصل الإشكال في تلك العلاقة هو أن أحمدي نجاد لم يُوفّر أحدا إلاّ ووجّه له نقدا مباشرا وتقويما قاسيا لأدائه التنفيذي أو السياسي، ولم يعبأ باستبدال عدد من الوزراء في حكومته بينهم محافظ البنك المركزي إبراهيم شيباني ووزراء التعاونيات محمد ناظمي أردكاني، والصناعة والمعادن علي رضا طماسبي والنفط وزيري هامانة والشئون الاجتماعية برويز كاظمي ونائب الرئيس ورئيس منظمة التخطيط والموازنة فرهاد رهبر.
كما أن الرئيس الذي تدفّقت على حكومته أموال النفط بلا حساب يعتقد بأن الفرصة مؤاتية له ولتياره الصاعد لإعادة إنتاج الطبقة السياسية الإيرانية بشكل أليق يتماشى مع تصوراتهم باعتبارهم أفضل من يقود البلاد في هذه المرحلة بعد ابتعاد السياسيين الإيرانيين عن الجيوب الاجتماعية وتطبيق أهداف الثورة وخصوصا بعد مرحلة الثاني من خراداد.
نجاد سعى إلى تثبيت أهداف الخطّة الخمسية الثانية بصورة أفقية راديكالية تُسوّي فيها المشروعات وفق علاقات فردية مباشرة وسياسات طوباوية أحيانا من خلال زيارات غير منتهية لمحافظات البلاد الثلاثين، فهو منذ توليه الحكم في أغسطس/ آب 2005 تلقّى زهاء سبعة ملايين رسالة تتضمّن طلبات بمساعدات مالية فورية أو قروض مُيسّرة من دون فوائد، وقد دفع نجاد لأصحاب تلك الرسائل 180 مليون دولار بصفة مساعدات عاجلة، وهي خطوة لم تمنع خصومه الإصلاحيين من اعتبارها حملة علاقات عامة يُروّج لها الرئيس وتياره؛ بهدف توسيع قاعدته الاجتماعية تمهيدا لانتخابات المجلس الثامن التي ستُجرى في مارس/ آذار المقبل.
نجاد خلال الأيام الـ843 من حُكمه أزاح عُرفا بروتوكوليا دَرَجَت عليه إيران الدولة بعد حقبة البناء والإعمار مع مطلع تسعينيات القرن الماضي. فمثلما كسب السيدمحمد خاتمي الرأي العام الداخلي بشعارات الانفتاح، استطاع أحمدي نجاد أن يبسط مبالغَ ضخمة من أموال النفط على مواطني هوامش المدن الرئيسية والأرياف البعيدة ليستحصل شعبية متنامية. وربما حسب نجاد تلك السياسة مُعوِّضا عن علاقة ضرائبية بينه وبين الأحزاب الإيرانية الأخرى، ينظر إليها على أنها عائق أمام تطبيق برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1910 - الأربعاء 28 نوفمبر 2007م الموافق 18 ذي القعدة 1428هـ