المشهد الأول: نائب في البرلمان الكويتي طالب منذ سنوات بمنع مؤلف كتاب «السيرة المحمدية» من دخول الكويت، مع العلم أن المؤلف متوفى منذ ما يناهز الربع قرن.
والمشهد الثاني: اعتصام مئتي كاتب ومثقف كويتي أمام معرض الكتاب في الكويت وإشعالهم الشموع احتجاجا على قرار الرقابة منع ما يناهز الثلاثمئة عنوان من المشاركة في المعرض.
المشهد الثالث: منع السلطات الإيرانية رواية «ذاكرة غانياتي الجميلات» للروائي الكولومبي «غابريال غارسيا ماركيز» من التداول في السوق الإيرانية بعد أن جذب النجاح الساحق الذي عرفته الرواية بعد ترجمتها إلى الفارسية، اهتمام المسئولين عن الرقابة واقتنعوا على خلفية انتقادات وجهها موقع إلكتروني تابع لتيار المحافظين الجدد، أن الرواية «قليلة أدب».
والمشهد الرابع: مقدمة برنامج إذاعي تقترح تغيير عناوين الكتب أو تعديلها بطريقة تمويهية تخول للكتاب التسلل إلى حيث هو ممنوع. واستشهدت المذيعة في هذا الخصوص برواية «ذاكرة غانياتي الجميلات» التي اختار مترجمها إلى الفارسية أن يستبدل كلمة «غانياتي» بكلمة «معشوقاتي» فمرت الرواية من سجن الرقابة إلى أن انتبه تيار المحافظين الجدد لمحتوى الرواية.
اعتقد أن الربط بين المشاهد الأربعة يسير جدا، وخصوصا أن هذه المشاهد ولئن كانت متباينة التفاصيل فإن موضوعها واحد، حتى أني قد أذهب حد التأكيد بأنها زوايا نظر مختلفة لموضوع واحد لايزال يؤرق المثقف والكاتب تحديدا.
قضية مصادرة المؤلفات ومنع نشرها أو تداولها في بعض الدول، التي تقرأ على أنها «منع لحرية التعبير» بما هو أكثر الحقوق التي يكرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذه القضية ماتزال محل خلاف في عدة بلدان، بين السلطة والمثقف، ولايزال هذا الأخير يقف موقف المتهم، حيا كان أو ميتا، فالكاتب والأديب خطر داهم تعمل السلطة دائما على التصدي له ومجابهته بشتى الوسائل.
المضحك في الموضوع أن السلطات تسعى دائما إلى إحكام الضغط على الكتاب وتعتبره أداة فاعلة في اندلاع الثورات أو حركات التمرد، وقد تكون أكثر توازنا فتقول إن هذا الكتاب يخدش الحياء العام، في وقت يستغيث فيه هذا الكاتب والمؤلف من تراجع عدد المطلعين على منتجاتهم الأدبية وهو الشيء الذي تثبته غالبية الدراسات العلمية. فقد تبين من خلال هذه الدراسات تراجع الإقبال على القراءة بشكل عام لصالح مغريات أخرى أهمها التلفزيون والانترنت. ولايعني كلامي هذا أن هاتين الوسيلتين لا تخضعان إلى الرقابة، بل هي الأخرى تسلّط عليها الرقابة أدواتها، لكن يبدو أن هذه الوسائل الحديثة أكثر ذكاء ربما أو أن المتدخلين فيها أكبر نفوذا وسلطة من أعضاء هيئات الرقابة. ذلك أنه إذا كنا نتحدث عن خدش للحياء العام، ترفض وزارات الثقافة تكريس وسائل الإعلام والتثقيف له، فالقنوات الفضائية وسأقتصر على العربية منها، تقوم بالمهمة على أكمل وجه.
منع مئات العناوين في معرض الكتاب في الكويت قرأه المثقفون والكتاب الكويتيون المعتصمون أمام إحدى قاعات معرض الكتاب رافعين شعار «لنا حرية التعبير... لهم حرية الاختيار»، بأنه مجزرة للكتاب وتهديد لمستقبل هذا المعرض الذي كان قبل سنوات قليلة يزخر بالمؤلفات والإصدارات الجديدة.
الإشكال الأكبر والذي قد يرتقي إلى مستوى تصنيفه «بلية» يعاني منه الكتاب اليوم، هو أن الهيئات أو اللجان التي تكلف بمهمة منع الكتب ومصادرتها، تستند في ما تصدره من قرارات إلى اعتراض جهات سياسية أو دينية على تداول هذه الكتب، فتقوم هذه الهيئات باسترضاء هذه الجهات، من دون أية قناعة بما يمثله هذا الكتاب من خطر على العادات والتقاليد أو تحريف للدين. فيتخذ القرار على سبيل الترضية لاغير، وإلا ما معنى أن تمنع رواية «غابرييل غارسيا ماركيز» في نسختها المترجمة إلى الفارسية من التداول بعد أن نفذت الطبعة الأولى من السوق؟ لماذا لم ينتبه أعضاء لجنة مراقبة المؤلفات إلى احتوائها على عبارات تخل بالحياء قبل السماح ببيعها في السوق الإيرانية؟، ولماذا لم تشعر هيئة الرقابة على الكتب في الكويت بفداحة الخطر الذي تمثلها أكثر العناوين التي منعتها من المشاركة في معرض الكتاب، على رغم أن هذه العناوين تتداول في السوق وشاركت في دورات سابقة للمعرض؟ الإجابة واضحة وقد أوردتها إحدى المذيعات في برنامجها: الرقابة لم تقرأ الكتاب حين سمحت بتداوله لأن عنوانه كان مقبولا لديها.
وسواء كانت هذه المذيعة التي اقترحت على الكتاب الممنوعة كتبهم تعديل عناوين كتبهم بطريقة تمويهية ترضي الرقابة، وسواء كانت تهزأ أو جادة في اقتراحها فقد لمست الحقيقة في صميمها، ذلك أن الكثير من الكتب تمنع من النشر والتداول لأسباب بعيدة عن محتواها والأفكار التي يحتويه وتخاف الرقابة من تأثيرها على القراء. ولكن يبدو أن هذه الأجهزة الرقابية تتمتع في إصدارها قرارات المنع في حق مؤلفات ذات قيمة إبداعية عالية كما تتمتع في إصدارها قرارات الموافقة على نشر الكتب الرخيصة.
العدد 1910 - الأربعاء 28 نوفمبر 2007م الموافق 18 ذي القعدة 1428هـ