المعروف أن مستوى التلوث في الهواء، والماء، واليابسة في دول مجلس التعاون الخليجي ازداد باطراد؛ منذ اكتشاف مخزون النفط في ثلاثينات القرن الماضي؛ وبسبب ضرائب التطور المصاحب لعملية التنمية كالتحضر والتصنيع وللأسف الحروب.
للحد من زيادة التلوث، إن من الضروري دمج التدريب العملي والتعليم في مجال الهندسة البيئية والتنمية المستدامة المناسبين في التعليم العالي لبناء الخبرة المحلية التي تستطيع تقويم خطر المجازفة البيئية، إذ إن رخاء الأجيال القادمة يعتمد على الإدارة البيئية المناسبة وتنفيذ أنظمة استراتيجية للتنمية المستدامة.
ساهمت مطلع العام الجاري في نشر ورقة تربوية في المجلة الأوروبية للتعليم الهندسي بعنوان «التعليم الهندسي البيئي في دول مجلس التعاون الخليجي». الهدف من البحث كان تقويم واقع التخصص المذكور في الجامعات الخليجية الحكومية وبعض الجامعات الخاصة المميزة عن طريق إرسال استبانة الى الأكاديميين المختصين ومن ثم اقتراح بعض الحلول. الاستابة كانت تنشد اجابات لبعض المسائل: المواد البيئية في المنهج الدراسي، دوافع تقديم المواد البيئية، معوقات تقديم المواد البيئية، وأخيرا وضع الاعتمادية الاكاديمية.
الاستبانة توصلت إلى عدة نتائج وحقائق عن واقع التعليم البيئي في منطقة الخليج: أولا، معظم برامج البكالوريوس في الجامعات دمجت بعض المواد البيئية في مناهج الهندسة الكيميائية أو المدنية. ثانيا، وجود أنماط مختلفة من الخطط التعليمية لعملية إدماج المواد البيئية فبعض الجامعات تقدمها على أنها موادّ اختيارية وبعضها تقدمها على أنها سلة اختيارية من مجموعة من المواد البيئية. توصلت الدراسة إلى أن أفضل برامج البكالوريوس في الهندسة البيئية حاليا تقدم في جامعة الملك قابوس في سلطنة عمان؛ إذ تقدم الجامعة تخصص الهندسة البيئية في قسم الهندسة المدنية. ويجمع البرنامج الدراسة النظرية مع مشروعات عملية كثيرة لحل بعض المشكلات البيئية المحلية.
ثالثا، أسباب دمج المقررات البيئية في كليات الهندسة هو حاجة سوق العمل إلى خريجين ملمين بالمعرفة البيئية - وخصوصا مع تزايد مشروعات البنية التحتية - وقادرين على تنفيذ دراسات الأثر البيئي للمصانع والجزر الاصطناعية وحركة الإنشاءات الضخمة في الخليج، وملمين بقوانين وأنظمة المراكز الحكومية المعنية بالبيئة وفهم المجتمع المستدام، بالاضافة إلى حاجة أقسام الهندسة إلى المواد البيئية لاستيفاء متطلبات الاعتمادية الأكاديمية. رابعا، المعوق الرئيسي لتقديم المقررات البيئية هو العدد المحدود للساعات المعتمدة للمقررات الاختيارية. فعلى رغم رواج المقررات البيئية بين الطلبة ورغبتهم في زيادتها، فإن الطلبة يبتعدون عن الموضوعات البيئية عند اختيار مشروعات التخرج؛ بسبب التركيز على قطاع الانشاءات؛ بسبب الفورة العقارية الحالية في الخليج.
خامسا، لا تفكر الجامعات الخليجية حاليا في إنشاء قسم خاص بالهندسة البيئية ولكن جامعة الكويت اقترحت إنشاء برنامج للهندسة البيئية تابعٍ إما إلى قسم الهندسة الكيميائية وإما المدنية. سادسا، معظم برامج كليات الهندسة في الجامعات الخليجية حصلت أو في طريقها للحصول على الاعتمادية الأكاديمية من هيئة اعتماد البرامج الهندسية والتقنية الأميركية.
قمنا في الورقة التربوية بتحضير قائمة من فرص العمل التخصصية التي يمكن للمهندسيين البيئيين العمل بها: وزارات وهيئات البيئة، إدارة المياه والمياه المعالجة، أقسام البيئة في شركات النفط والبتروكيماويات، الشركات الخاصة التي تصمم محطات المياه المعالجة وتديرها، الشركات الاستشارية، معامل الصحة العامة، أقسام التسويق في الشركات المعالجة، المهندس الباحث الذي يطوّر التجارب الميدانية ونماذجَ رياضية لأنظمة معقدة، والعمل في إدارة المؤسسات المحلية والدولية المعنية بالبيئة.
واقعا، المعرفة البيئية في المناهج الجامعية ضعيفة إذ لا يمكن لثلاث إلى 6 ساعات معتمدة من مجموع 135 إلى 150 ساعة معتمدة في برامج البكالوريوس أن تجهز المهندس القادر على وضع الحلول للمشكلات البيئية في مجال تلوث الهواء ومعالجة المياه وإدارة النفايات، إضافة إلى أن الفلسفة الحالية للمواد البيئية في المنهج الدراسي اختيارية وبالتالي من الممكن أن يتخرّج الطالب من دون فهم الأمور البيئية.
ماهية التعليم البيئي مسئولية أهل القرار فالنشاط البيئي شيء والتعليم البيئي شيء آخر! الناشط البيئي يمكن أن يوجه إصبع الأتهام إلى مواضع الخطأ ولكن علاج الخطأ يحتاج الى العلم وهذا مسئولية المؤسسات التعليمية.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 1909 - الثلثاء 27 نوفمبر 2007م الموافق 17 ذي القعدة 1428هـ