هاجم إرهابيون في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 الولايات المتحدة. قُتِل في رمشة عين 3000 أميركي. كان زوجي من ست سنوات وأبو أطفالي الثلاثة الصغار من بينهم. طالب الأميركيون بالثأر، وكذلك فعلتُ أنا.
ولكن الثأر ممن؟
لقد بدأنا الآنَ نتقبَّل حقيقة أنّ الأمر ليس مجرد سؤال سهل كما كنّا نعتقد. ليس عدونا المعلن دولة معيّنة أو حتى مجموعة. إنّه تكتيك، إنّه الإرهاب.
نملك أقوى جيش في التاريخ، ولذلك فإنّ غريزتنا الأولى هي أنْ نحارب، وأنْ «نتقصّاهم» و»نقضي عليهم». لقد سمعنا جميعا هذا الطرح، ولكن الكلمات مازالت تطالب بإجابة عن السؤال: كيف نحارب «هم» بينما «هم» منتشرون في أنحاء العالم كافة، وهم لا يلبسون بزّات مميزة؟ ليس لديهم أيّ قائد محدد ولا ممثّل معيّن يمكن التفاوض معه، كما يبدو أنّ ما يجمعهم معا هو حقدهم لنا.
رغم أنّ أيا من الإرهابيين الذين هاجموا الولايات المتحدة لم يكن أفغانيا، إلا أنّهم تدرّبوا في أفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن سرا أنّ حكومة الطالبان تحمي أسامة بن لادن. لذا ضربتهم الولايات المتحدة بقوّة وبحزْم، وبدأت بذلك «الحرب على الإرهاب».
مع استمرار الحرب في أفغانستان، وبينما بدأ الشعب الأميركي يعلم بالأوضاع الرهيبة التي نتجت عن عقود عديدة من الحروب التي شُنَّت على تراب أفغانستان، ازداد اهتمامي بالشعب الأفغاني، وبالذات، بالأرامل هناك.
ما تعلمته وعرفته فتح عيني.
النساء الأفغانيات، والأرامل بالذات، هنّ من أفقر الناس في العالم وأقلّهم حظا. اضطرت النساء تحت حكم الطالبان أنْ يلبسن البرقع، وهو لباس يغطي كامل جسم المرأة ورأسها، ولم يُسمَح لهنّ بالعمل. لم يسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس، وحتى بعد هزيمة الطالبان، بقيت حياة النساء قاتمة موحشة في أفضل الحالات.
بحسب إحصاءات الأمم المتحدة، 85 في المئة من مجمل النساء الأفغانيات أميّات، وتبقى رواتب النساء هناك نحو ثلث رواتب الرجال. لا تستطيع النساء، وخصوصا في المناطق الريفية، الخروج علنا من دون رفقة أحد الأقارب الذكور. هناك نحو 50.000 أرملة في مدينة كابول وحدَها.
عندما يموت زوج امرأة أفغانية فإنّ أملاكه لا تذهب إليها وإنّما لأسرته. كيف يتسنى لها أنْ تعيش؟ كيف يمكنها توفير القوت لأبنائها؟ الحقيقة المتوحشة هي أنه من دون زوج، قد تضطر المرأة الأفغانية؛ لأن ترسل أولادها إلى الشوارع؛ ليتسولوا من أجل الحصول على أموال.
أدركتُ أنّ هؤلاء النساء لسن العدو.
إنهنّ ضحايا لنفس الإرهابيين القساة الذين هاجمونا. وهنَّ من نواحٍ عديدة يدفعن ثمنا أغلى بكثير. كان الدعم الذي حصلتُ عليه من أصدقائي وأسرتي ومجتمعي المحلي وحكومتي بعد الحادي عشر من سبتمبر هائلا. ولكن من الذي كان على استعداد لمساعدة هؤلاء الأرامل في أفغانستان؟
صدمني هذا السؤال، فقمتُ في خريف العام 2003 بالمشاركة في تأسيس «ما وراء الحادي عشر»، وهي منظمة غير ربحية مكرّسة لمساعدة الأرامل اللواتي تأثرنَ بالحرب والإرهاب في أفغانستان. نعمل على تحقيق رؤيتنا من خلال تقديم هبات إلى منظمات عالمية غير حكومية لها برامج مصممة لتعليم الأرامل تجارة ما حتى يمكنهنّ أنْ يصبحنَ مكتفيات ذاتيا.
نحن نؤمن أنّه حتى يتسنّى تحقيق تغيير له أهميته، يجب تمكين المرأة الأفغانية لكي تقيم أود نفسها، الأمر الذي سوف يمكّنها من إرسال أطفالها، بمن فيهم الفتيات إلى المدرسة. سوف يحصل الجيل التالي، بوجود التعليم، على فرص وخيارات اضطر هذا الجيل من النساء أنْ يتركها وراءه.
ذهبت في العام 2006 إلى كابول للمرة الأولى للقاء بعض النساء اللواتي يستفدن من منحاتنا. النساء اللواتي قابلتهنّ أمهات قويات كرّسن حياتهنّ لأطفالهن الذين يُرِدن لهم ما هو أفضل.
وجدنا الأرضية المشتركة بسهولة.
عندما تحدثنَ عن أطفالهنّ، عبّرن عن نفس الرغبة التي أكّنها أنا لأطفالي - التعليم والحصول على الرعاية الصحية والسلام والأمن. ليست هذه المثل أميركية. إنّها عالمية. من المفهوم عالميا أنّ الأطفال الذين لا يحصلون على هذه الاحتياجات الأساسية يكبرون أحيانا؛ ليصبحوا راشدين غاضبين مهمّشين وأقل حظا، يمكن بسهولة السيطرة عليهم من قبل العقائديين؛ ليتسببوا بالأذى لغيرهم.
نحن نتجاهل نضالهم على حساب المخاطر التي تنعكس علينا.
لماذا؟ لأنّهم نحن، ونحن هم. لقد خدعنا أنفسنا؛ لنعتقد أننا مختلفون. هل هناك أرضية مشتركة بيننا؟ أعرض ذلك عليكم: خلافاتنا يصعب اكتشافها وهي أقل أهمية بكثير من مجالات التماثل بيننا.
* مؤسِّسة مشاركة لمنظمة «ما وراء الحادي عشر»، وحائزة على جائزة الأرضية المشتركة، التي تكرّم مساهمات فريدة يقدّمها أفراد وعاملون غير حكوميين لإيجاد السلام والحفاظ عليه، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2278 - الأحد 30 نوفمبر 2008م الموافق 01 ذي الحجة 1429هـ