العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ

يفوزون «طل»

ميثم العرادي comments [at] alwasatnews.com

سنحت لي الظروف في العام الماضي بزيارة صديق في مدرسته، وكان الوضع في أجمل حالاته يذكرني بمشاهد الفوضى التي تسود أي دولة للتو تتعرض للاجتياح وسقوط النظام، ولم يكن ذلك أمرا غريبا في الواقع، فالمدرسة تتربع على عرش المدارس المنسية في قائمة وزارة التربية، وتجمع خلف أسوارها «المغضوب عليهم»، حتى أن البعض كان يخوف المستجدين بها من حيث أنهم سينقلون إليها في حال تقصيرهم، وأنها ستكون بمثابة منفى كل «من لا يراد له ولا يرتجى منه تطور»، حتى قيل إن المثل القائل «كل ساقط وله لاقط» ينطبق عليها تماما... وهنا لابد من الإشارة إلى أن جمع الساقطين في مدرسة واحدة قد يؤسس إلى ثقافة جديدة تسيء إلى العمل التربوي في ظل ترويج البعض أن تلك المدرسة «مدرسة أنموذجية من نوع آخر»، بمعنى أنها بيئة ممتازة لتضييع الجهود وتأكيد التخاذل وتبادل المنفعة إلى حد تمرير البلداء إلى مقاعد متقدمة داخل الوزارة، إذ تبدأ مرحلة «التعشيش» وتليها مرحلة «تكاثر البلداء» الذين وصلوا بطريقة أو بأخرى إلى مسميات من قبيل «الخبراء»، وهؤلاء يعرفون قبل غيرهم مجال خبرتهم الكبيرة.

بعد فترة بسيطة زرت تلك المدرسة وكان واقع حالها متغيرا بشكل كبير، فهنا أرى حارسا على الباب بهندام مرتب يصافحني ويحييني، والمدرسة التي كنت أريدها كانت كـ «وكالة من غير بواب». وهنا أطيب أنواع العود والبخور تفوح عند مدخل الإدارة، في حين كانت المدرسة التي أقصدها تخلو حتى من روائح المبيدات الحشرية. وهنا معلمون يبتسمون كثيرا ويبالغون في ترديد عبارات الترحيب والتهليل و«الباليس».

حمدت الله وأثنيت عليه لما آلت إليه أوضاع هذه المدرسة وحاورت نفسي قائلا «الكتاب ينقرا من عنوانه»، فإذا كانت هذه البداية فبشرانا بالخير الذي سيزخ زخا في مخرجات العملية التعليمية التعلمية. ولا أخفيكم أني تمنيت أن تقبل إدارة تلك المدرسة بالتحاق صغيري حمود عندما يبلغ السادسة بهذه المدرسة الأنموذجية وإن كانت في محافظة بعيدة عن المحافظة التي أقطنها.

مازلت أسير في أروقة تلك المدرسة مبهورا بكل هذا النظام. دق جرس ما بين حصة وأخرى ولم يخرج أي طالب من صفه، وكان الهدوء يطبق بأطراف الحديث حتى كنت أسمع أنفاسي التي كادت تتوقف من فرط جمال هذه الأجواء، وما هي إلا ساعة من الزمن ومزق ذلك الصمت شيء ما ذكرني بفوضى الاجتياح مرة أخرى... طلاب هائمون في ساحة صغيرة من دون هدف، آخرون يحلقون حول «هوشة» انتقامية وهتافات التشجيع تملأ الممر، وآخرون يتوعدون زملاءهم بتلقينهم درسا من نوع جديد في «الهدة»، حتى المعلمون المبتسمون زالت ابتسامتهم المؤقتة وبدت أسنان الليوث، وربما كان على المستخدمين فتح النوافذ لتبديد روائح العود والبخور!

لم أستطع أن أخفي فضولي أكثر، فسألت صديقي أن يخبرني حقيقة ما يجري، فأجابني: «إنها اللجنة وقد مضت»، وكان يشير بذلك إلى أن لجنة التقييم لجائزة رئيس الوزارء الموقر الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة للتميّز في الأداء التعليمي، كانت تزور المدرسة.

لم تكن تلك المدرسة مرشحة لا من قريب ولا من بعيد للفوز بالجائزة، ولكن ذلك لا يعني «أن ينشروا غسيلهم الوسخ أمام اللي يسوى واللي ما يسوى»... يتظاهرون بالتميز في الأداء كما كان يروق لغيرهم بالتجاهر بدويدات الفساد التي أوصلته إلى مقعده.

لا يكترث البعض بأية لجان تزوره، وله في ذلك عدة مبررات منها معرفته بأعضاء اللجنة المعرفة التي قد تفضي إلى تغاضيهم عن هفواته وسقطاته، ومنها أيضا معرفته ببعض أعضاء اللجنة الذين لا يرى فيهم كفاءه تقيِّمه أو تقيِّم أعماله من حيث أن فاقد الشيء لا يعطيه، فبأي معيار يستطيع الفاشل أن يقيِّم الناجح؟

وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي بداية ترأسه جامعة البحرين كما قرأته حينها كان رجلا يحمل طموحات كبيرة وآمالا إصلاحية عريضة حتى أنه كان يقوم بشكل مفاجئ ومتكرر بين الفينة والأخرى باستكشاف الأوضاع في الجامعة، وله في ذلك عدة وقفات وجلسات ودية مع الطلبة من دون تفريق بين أحد، وللأمانة كان الرجل يبذل ما في وسعه لتذليل العقبات وساعد الكثيرين، وأذكر أنني نقلت إليه وقتها مشكلة أحد الأصدقاء ولم يتأخر في السعي إلى حلها حتى تدخل بعض المحيطين كالعادة و«طيروا الطيور بأرزاقها»!

مع مرور الأيام لم يتغير الرجل فالنعيمي هو النعيمي، ولكن الأوضاع تغيرت، فالنزول إلى الحرم الجامعي يختلف كثيرا عن تفقد هذا الكم من المدارس، ولم يكن من المنتظر من النعيمي أن يزور كل هذه المدارس فذلك مستحيل، ولكن التوجيه إلى البعض باستمرار الزيارات التفقدية التي تكشف حاجات المدارس، وليست «الانتقامية» التي يقصد منها تصيد الأخطاء وتسوية الخلافات الشخصية، أمر ضروري وملح، وهنا لابد من حسن اختيار الأشخاص الذين يكلفون بهذه المهمات باعتماد معيار النزاهة والكفاءة أولا، واستبعاد تلك المعايير التي لا تمت إلى المهنية بصلة بشكل نهائي... وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"

العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً