يتعرض الفصل السابع من تقرير (جيو 4) لموضوع قابلية التأثر والمعاناة الإنسانية من جراء التغيرات البيئية سواء تلك الناتجة طبيعيا أو بسبب فعل الإنسان نفسه. ويعرّف كلا من التحديات والفرص لتحسين وضع الإنسان وتقليل معاناته، ويبين كيفية تعرض مجموعات مختلفة من الناس لمخاطر غير متساوية بسبب الفقر، وكيف يتم تصدير قابلية التأثر والتعرض للمخاطر من قبل بعض الدول الغنية ليتم استيرادها من قبل الدول الفقيرة، ومدى احتمالات النزاع والتعاون، ومخاطر الكوارث الطبيعية.
ويشير إلى أن تعرض البشر للمعاناة بسبب تغير البيئة والفرص التي توافرها البيئة للتنمية ورفاهية البشر أصبح يمثل أهمية خاصة للحكومات والمجتمع الدولي الذي قطع حاليا نصف الطريق الزمني لتحقيق أهداف الألفية الإنمائية في 2015، وبأنه على رغم من التحسن الكبير في رفاهية البشر خلال العشرين عاما الماضية وما تحقق من مكاسب في مجالات الدخل والتغذية والصحة والحاكمية والسلام، ما زالت هناك الكثير من التحديات القائمة، وخصوصا مسألة الفقر عبر جميع مناطق العالم، ووجود الملايين من البشر في العالم الذين تنقصهم الخدمات الأساسية.
ويرى التقرير أن الفقر هو العامل الأساسي الذي يزيد من احتمالات التعرض للمعاناة والحد من قدرة الناس على التصدي والتكيف، حيث يقلل من قدرتهم على الاستجابة للتغييرات البيئة والتكيف معها. وعندما تتدهور كمية ونوعية المياه أو عندما تتصحر الأراضي أو عندما يتلوث الهواء فإن الفقراء هم الذين يعانون بشكل خاص من ذلك، كما أنهم أكثر الناس تأثرا ومعاناة من جراء التغيرات المناخية والأخطار الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات، ما يؤدي عادة إلى خسارتهم لأراضيهم وانعدام أمنهم الغذائي والهجرة. وعلى رغم من أن تطبيق التقنيات الحديثة وأجهزة الإنذار المبكر قد يساعد على تخفيف المعاناة، إلا أن القضاء على الفقر ما زال يعتبر نقطة الارتكاز لتقليل معاناة البشر وقابليتهم للتأثر في وجه هذه الكوارث وقدرتهم على تفادي أضرارها والتكيف معها.
ويشير التقرير إلى أنه خلال العشرين سنة الماضية أزهقت الكوارث الطبيعية حياة أكثر من 1.5 مليون نسمة، وأثرت على أكثر من 200 مليون نسمة سنويا. ويعتبر تغير البيئة العالمية حاليا من المحركات الرئيسية لتزايد التعرض للمعاناة من المخاطر، إذ كانت الفيضانات هي الكارثة الأكثر تواترا في الفترة ما بين 1992 - 2002، وقتلت نحو 100 ألف شخص وأثرت على أكثر من 1.2 مليار نسمة على النطاق العالمي، ويبين أن أكثر من 90 في المئة من الناس المعرضين للكوارث يعيشون في العالم النامي، وبأن أكثر من نصف الوفيات الناجمة عن الكوارث تحدث في بلدان يكون مؤشر التنمية فيها منخفضا.
وقد يكون الإعصار الذي ضرب بنغلاديش الأسبوع الماضي (إعصار سيدر) خير مثال على ارتباط المعاناة بالفقر، إذ أدى هذا الإعصار إلى وفاة أكثر من 2200 شخص، حتى وقت كتابة هذا المقال، ومن المتوقع أن يزيد عدد الوفيات إلى 10 آلاف شخص، ولا يزال أكثر من مئات الألوف من السكان الريفيين في انتظار الإغاثة، كما نزح أكثر من 1.5 مليون نسمة من قرى المناطق الساحلية إلى العاصمة دكا، ودمر الإعصار البيوت والمحاصيل الزراعية التي تمثل مصدر الرزق الرئيسي للسكان قبل فترة الحصاد، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الفقر في هذه المناطق. ويذكر أن الأعاصير تضرب المناطق الساحلية الفقيرة في بنغلاديش كل عام وتدمر هذه المناطق وتؤدي إلى أعداد كبيرة في الوفيات (كانت حصيلة الوفيات من الأعاصير في بنغلاديش في العام 1991 نحو 138 ألف شخص، وفي العام 1970 نحو نصف مليون شخص).
ويشير التقرير إلى الفرق الكبير في المعاناة بين الدول الفقيرة والدول المتقدمة، إذ يبين أن عدد الأشخاص المتأثرين بالكوارث ذات العلاقة بالمناخ في الدول الفقيرة يصل إلى نحو 3500 شخص لكل مليون مقارنة بأقل من 50 شخصا لكل مليون في الدول المتقدمة.
ويذكر بأن الكثير من الأقاليم قد حققت تقدما في الوفاء بهدف الألفية الإنمائي الأول الخاص بتخفيض معدل الفقر المدقع والجوع (MDG 1)، ويشير إلى التقدم المحرز في هذا المجال في البلدان النامية، إذ انخفض الفقر المدقع، أي الأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولار واحد يوميا، من 28 في المئة في 1990 إلى 19 في المئة في 2002، ونقصت الأعداد الحقيقية من 1.2 مليار نسمة إلى نحو مليار واحد في 2002، إلا أنه يشير كذلك إلى أن الكثير من مناطق العالم لن تستطيع تحقيق هذه الأهداف بحلول العام 2015، كما يشير إلى أنه على رغم أن معدلات وفاة الأطفال دون الخامسة قد تحسنت بشكل كبير، فإن أكثر من 10 ملايين طفل دون الخامسة لا يزالون يموتون كل سنة بسبب البيئة غير الصحية التي يعيشون فيها.
ويشير التقرير إلى تأثير النزاعات والعنف والخوف من الاضطهاد على أعداد كبيرة من السكان المدنيين ومعاناتهم، ودفعهم إلى النزوح من أماكنهم إلى مناطق إيكولوجية واقتصادية هامشية وحدّية داخل البلد وعبر الحدود الدولية وزيادة فقرهم، ويبين أنه كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحروب في إفريقيا مات ما يقارب من 8 ملايين نسمة في هذه القارة منذ 1960.
ويناقش التقرير موضوع «تصدير التعرض للمعاناة» بشكل مفصل ويضرب الكثير من الأمثلة على ذلك، ويشير إلى أن تعاقد بعض الدول الغنية مع الدول الفقيرة شديدة الحاجة لجلب الاستثمارات الخارجية لتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية على إنتاج الغذاء والطاقة والإنتاج الصناعي، يؤدي إلى إنقاص تعرض شعوبها للمعاناة من أخطار التلوث ويؤدي كذلك إلى زيادة كفاءتها في استخدام الطاقة وتقليل الإنبعاثات الملوثة. إلا أن ذلك، في حقيقة الأمر، يؤدي إلى تصدير هذه المشكلات ويكون على حساب مناطق أخرى فقيرة، مثل دول أوروبا الشرقية التي تم تصدير الكثير من الصناعات التي تسبب التلوث العالي إليها من قبل أوروبا الغربية.
ويوصي التقرير بتحسين المراقبة وتعزيز إجراءات التحكم، وتقوية ودعم الأشخاص الأكثر تأثرا، وخصوصا النساء والمجتمعات المحلية، من خلال تزويدهم بالمعلومات وتسهيل مشاركتهم وفاعليتهم في عملية اتخاذ القرار، وأن لا تعتمد عملية تقليل القابلية للتأثر على السياسات البيئية فقط، وإنما على مساعدة الناس الذين لديهم قابلية عالية للتأثر على التكيف مع التغييرات البيئية، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق تحسين الحاكمية على المستوى المحلي واتباع اللامركزية، وتكامل سياسات التنمية والصحة والبيئة، ووضع سياسات تقليل الفقر في مركز السياسات الوطنية، ووضع البيئة والعدالة كعناصر مركزية في اتفاقات التجارة العالمية، وتقوية الدعم المالي والتقني والقدرة على التعلم، وتحسين نقل التكنولوجيا ذات العلاقة، وتقييم آثار السياسات الاقتصادية أولا على الشرائح التي لها القابلية الأعلى للتضرر وتحسين العدالة في مجال الوصول إلى الموارد والمعرفة.
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 1906 - السبت 24 نوفمبر 2007م الموافق 14 ذي القعدة 1428هـ