جاءنا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بوفد رسمي رفيع المستوى في زيارة تاريخية، ورحل عنا ووفده الرسمي إلى طهران بعد لقاء القيادة السياسية للبلاد والتباحث معها بشأن التنسيق المشترك والتعاون في مختلف المجالات الحيوية بين البلدين الصديقين والشقيقين ضمن الرابطة الإسلامية الأممية، ولعل كان من أبرزها ما يتعلق باستيراد الغاز الإيراني، وجميعها خطوات ومبادرات تنحو نحو خلق التكامل الاقتصادي مع الجارة الكبرى وهو ما قد يعد بديلا عصريا أكثر فاعلية وركيزة للتوافق الاستراتيجي لا تتأثر بتعاقب المتغيرات السياسية ومختلف الظروف الطارئة سطحيا!
وربما يعيدنا موضوع الزيارة وخطوات تقوية الروابط الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين إلى ما كتبناه في مقال سابق عن «منطقة التجارة الخليجية - الإيرانية الحرة»، ورحبنا بهذه المبادرة وغيرها من مبادرات طيبة قد تأخرت كثيرا إلا أنها أتت وهو خير من ألا تأتي أبدا. فهذه المشروعات وغيرها من خطوات للتكامل الاقتصادي والترابط التجاري والاستثماري قد تبارك شعوب المنطقة بأخوة عصرية جديدة قائمة على المصالح الحيوية المشتركة، ستكون أجدى نفعا وأثرا بكثير من «الأخوات» الايديلوجية وغيرها من «أخوات» تقليدية وكلاسيكية، على رغم شاعريتها الساحرة وحميميتها الحارقة فإنها لم تنفث إلا دخان الأحقاد والكراهية والعبثيات الجاهلية التاريخية، فهذه الأخوة العصرية لن تصنعها عقلية «شريعتمداري» أو «الفرع والأصل»!
ولكن ألا تلاحظ يا قارئي العزيز ذلك السكوت المدوي لأقطاب الإثارة البرلمانية والعلمائية والسياسوية - التياسوية المسنودة والملمعة بنار السلطة وذهبها مع زيارة نجاد والوفد الإيراني لبلدنا بما فيها النائحات المستأجرات؟
هم قصّروا كثيرا جدا وسكتوا وتواطأوا أمام مشهد زيارة امبراطور «الكيان الصفوي» وفوهة «التانكي المجوسي» للبلاد، وربما تجاهلوا اقترابه كثيرا أكثر من أي وقت مضى من «حالة بوماهر»!
وفي مكان وجهة آخرين لم يعترض سبيله النائب «نمر بن عدوان» فرع المحرق بعد أن كاد يدرك «المد الصفوي» رسميا حدود دائرته الانتخابية، ولم ولن ينبطح في الشارع الذي سيمر عليه موكبه «ناشط سياسي» واحد، وحبذا لو اكتفينا في ذلك بشيخ المطبلين، فهو حامي الديار ويكفي بطوله وعرضه لحجب رؤية الأطماع «الصفوية» و «المجوسية» لكياننا البحريني!
أين تيار «خذ وخل» أو «خذ وهات» الإسلاموي القومجي من يوم كيوم بدر؟ ماذا لو قرر «نجاد» ووفده المرافق التوقف مثلا عند «حالة بوماهر» واختيار الإقامة فيها دون غيرها؛ لكونه يفضل الزهد والبساطة كما روي عنه؟ ألا يشكل ذلك تهديدا خطيرا لأمن وسلامة «الفاتيكان» المحرقي المغلق لا مدينة الأبواب المفتوحة كما قيل في أيام النشوات والسكرات الوطنية السابقة التي لم تستيقظ على واقعية وعقلانية الانغلاق والتقسيم والعزل؟ ماذا لو استغل نجاد ورفاقه تلك الفرصة السانحة وأعلنوا قيام «محافظة البحرين» من هناك وعاصمتها «حالة بوماهر»؟
أين هم النشطاء الثلاثة «زعبور» و «فرفور» و «شرشور» عن الرئيس نجاد وعن وفده الكبير، وعن مراسم ومظاهر استقباله، وعن توقيع الاتفاقية «الشؤم» تلك، والتي لا أظنها أبدا «تقية استراتيجية بعيدة المدى»؛ لكونها تحوي في باطنها المليارات؟ زعيمهم «زعبور» مثلا لديه الكثير ليفعله أمام ذلك «المد الصفوي البشع»، فهو الوكيل الحصري لـ «الفياغرا» السياسية المعتمدة رسميا في بلادنا، وللعلم هو أيضا صاحب أكبر دفاتر شيكات سياسية من دون رصيد وطني في العالم!
لماذا لم تكن هنالك فزعة «عنترية» كتلك التي شهدناها مع موضوع مستشفى «ميلاد» الذي كان من الممكن أن يوفر خدمات صحية للمواطنين المرضى الذين عجزت عن استيعابهم المستشفيات الوطنية؟
أنتم اعتبرتم هذا المستشفى مركز استخبارات إيرانية يهدد النظام ويسعى إلى خلق التوترات وإعداد وصقل الخلايا التنظيمية الناشطة والنائمة والدائخة، وربما صدقكم في ذلك بعض العامة وضحايا الفقر السياسي والمعيشي في البلاد، واستشهدوا أمام حالتكم مثلا بقول الله عز وعلا: «وَإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنَ
الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ» (النمل: 82) عسى أن يكون لتخيلاتهم صدقية وتدبيج ديني مقوى!
ولكنكم تنازلتم وتهاويتم يا سباع الديار عن التحرك أمام هذه الزيارة «النجادية» التاريخية «الوقحة» لبحرين العروبة والإسلام، وأمام توقيع اتفاقية استيراد الغاز الطبيعي، ولم تكلفوا أنفسكم عناء الإيعاز إلى مراكز بحوثكم ودراساتكم وقراءاتكم عن «البوست - صفوية» و «النيومجوسية» و «مناهج ومباهج البحث في التقيات المقارنة» بالبحث في أمر تلك الاتفاقات الخطيرة!
صحيحٌ أنكم أولاد الأمس، أو بالكثير أولاد أول أمس، ولكنكم نموتم وانتفختم كثيرا بالغاز القومجي والإسلاموي والسلطوي بالأمس أو ربما اليوم، وأصبحتم الآن على قدر أهل المعارك والغزوات!
لا أعتقد أن فخامة الرئيس نجاد مثلا زار المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شافاه الله) في بيته بقلالي، وهو الشيخ الجليل الذي تقولتم عليه الكثير انتخابيا، وهو لم يجتمع بإبراهيم شريف في قصر «وعد» بأم الحصم، وأجزم أنه لم يلتقِ المحامي سامي سيادي في عراد ليطلب منه أن يكون ممثلا برلمانيا لدائرة البحرين في البرلمان الإيراني، كما لم يلتقِ من تشككون دوما في ولائهم ولكنكم عجزتم عن إثبات ولائكم حينما أغرق «المد الصفوي» معاقلكم وحصونكم الحصينة مصحوبا بحفاوة رسمية وسعي مباركٍ ومشتركٍ لوضع أسس تفاهم واقعية بشأن المصالح الحيوية المشتركة بين البلدين الشقيقين والصديقين والجارين التاريخيين!
ألم يخطر ببالكم أن من الممكن أن يكون هذا الغاز الإيراني أداة ابتزاز «لعينة» لتليين المواقف والإرادة الحرة والمستقلة لبلادنا؟ لمَ لمْ تطالبوا بأن تستورد بلادنا الغاز من جزر سيشل أو مدغشقر على الأقل عبر الأنابيب، فمهما كان هذا الخيار مكلفا فهو أكثر صونا لعروبتنا وإسلامنا واستقرار بلادنا؟
ولكن هذه المرة سأتجاهل تلك الثغرة الأمنية التي أحدثتموها في بلادنا، وتلك الفجوة السوداء الرهيبة التي بقرتم بسببها كرش عروبتنا وإسلامنا و «مصبنا الرئيس»، وسأمنحكم هدية ستنقذكم من ورطتكم!
لديّ معلومات خاصة جدا و «مخوصصة» بحسب الطلب الخاص من مصدر أكثر خصوصية تفيد أن من الوارد أن تستخدم أنابيب الغاز تلك في تصدير الثورة! ولديّ خلاصة «بحوث طبية قومية إريترية» تفيد أن الغاز الإيراني يسبب الإيدز والبواسير، أو الاثنين معا!
سأمنحكم هذه المعلومات مجانا لتنشروها في صحف ومصفحات الفتنة، ومن على منابر الدين المستباح عرضها، وأرجو أن تطلبوا من عصابات «شكوكو» و «شقوان» و «صنوبر» الصحافية أن «يدرزنوا» لكم عددا من البيانات والخطابات والالتماسات بكل الألوان، والتي تناشدون وتتوسلون من خلالها حكومتنا أن تكتفي فقط باستيراد ماء الورد و «الساهون» و «الكز» والفستق و «التونة» دليل مودة وصلح حديبية جديدٍ، فهو أفضل بكثير للمحافظة على ماء الوجوه التي لن تصدأ أبدا، وربما يعد منقذا سريعا من هذه الورطة! أو يمكنكم إصدار بيان صحافي عن التحذير من خطورة طلب إيراني تجاري بيع السيارات في البحرين؛ لأن من المحتمل أن تكون تلك السيارات مفخخة!
والآن قد اقتربت ساعة الإثارة والإلهاء مع اقتراب فعالية «سوبر ستار 5»، وإني لأطالب «الصارم البتار» والنشطاء وبعض ممثلي الشعب من «الأتقياء الجدد» وبعض «الهبانات» الصحافية بأن ينفخوا ويرغوا جميعا في هذا الموضوع عسى أن تموت القضايا الوطنية الكبرى حسرة من فرط التجاهل والغياب!
أما إيران فإنها من الممكن أن تكون موضوعا للتكامل التجاري والتوافق الاستراتيجي خارجيا، كما من الوارد كثيرا أن تكون موضوعا للفتنة والإثارة والتشطير والإلهاء داخليا في بلد المليون «ناشط سياسي»!
وربما تكونون قد فهمتهم المعادلة قبل أن أطرحها، أو ارتأيتم أنكم تجسدون قشورها بامتياز، ولكن معادلاتكم هذه لا أظن أنها ستدخلكم «الشاهنامة» بصفتكم أعداء وخصوما حقيقيين للأمة الفارسية! كما هي لن تدخلكم قلوب وعقول الشعب أبدا ولو كان ذلك في زمان الوهن والتردي!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1905 - الجمعة 23 نوفمبر 2007م الموافق 13 ذي القعدة 1428هـ