مسكين جاك شيراك، هالشايب الطيّب في آخر عمره راح يحاكمونه! بعد كل هالتعب والشقاء والعمل الجاد والمخلص في البلدية والمجلس المحلي والبرلمان والرئاسة، راح يحاكمونه! وعلى ماذا؟ على سبب تافه كلش!
الرجّال قبل ما يصير رئيس فرنسا، عمل عمدة لباريس من 1977 لمدة عشرين سنة، واتهم في تلك الأيام باستغلال أموال المدينة في دفع رواتب أشخاص لا يعملون بها، (يعني داخلش بداخلش)، من بينها راتب كان يدفع لسائق عضو برلمان من أعضاء حزب شيراك السابق «التجمع من أجل الجمهورية». وعرفت القضية بـ «ملف الوظائف الوهمية»، بسبب دفع رواتب لموظفين حزبيين من دون وظيفة فعلية.
هذه القضية كشفت أوراقها بعد ما أصبح رئيسا في 95، وبسبب الحصانة القانونية، لم يتمكّنوا من فتح الملف، ولكنهم ظلّوا يعيّرونه على هذا العمل التافه جدا، حتى خروجه من قصر الاليزيه في 17 يونيو/حزيران الماضي. وما استراحوا إلاّ بعد جرجرته إلى القضاء كشاهد، للإدلاء بإفادته في سبتمبر/أيلول الماضي، مع الإعلان رسميا ومن دون خجل أو حياء، أن القضاء سيعامل شيراك كمواطن عادي مثل الآخرين! هل رأيتم هذه الشعوب التي لا تعرف للناس مقاماتها؟ رئيس جمهورية لمدة 12 عاما... يكافئونه بالتحقيق والبهدلة ويعاملونه مثل بقية الناس! ويقولون شعب متحضر! لو كانوا يعرفون الحضارة لكافأوه بتنصيبه رئيسا مدى الحياة، لكن ماذا تقول في الفرنسيين!
الذي يوجع القلب أكثر، أن المسكين بعد خروجه من الحكم، لا يتجاوز راتبه التقاعدي مبلغ 5250 يورو، (وعندما سألت أمس أحد محلات الصرافة كم يعادل قالوا 2835 دينارا)، وحتى هذا المبلغ التافه سيخضع لاستقطاعات ضريبية، وهو أقل بكثير من دخل الطبيب العادي. على الأقل ارحموا شيخوخته، راعوا ظروفه المادية، ما يصير تعاملونه بهالطريقة غير الإنسانية! والله لو هالرئيس (الأجْوَدي) عندنا نحن العرب، لنصّبناه إلى الأبد، وغيّرنا حتى دستور الجمهورية، علشان ننصّب ابنه خليفة له، بعد عمر طويل لا سمح الله!
ثم ويش تطلع هالتهمة؟ يُشتبه (بعد مو متأكدين) في أن 20 شخصا أمّنوا وظائف أو استفادوا منها خلال عشرين سنة تقريبا، يعني مجرد «واسطة»، توظيف شخص واحد كل سنة، وبدل ما يقولون: «جزاه الله خير يتوسط للناس»، ويدعون له في الكنائس يوم الأحد، يقومون يحاكمونه... صدق قاسيين قلب هالفرنسيين! والمسكين اعترف بالخطأ، وكتب مقالا في أكبر صحيفة عندهم اسمها «لموند»، أنه «سمح أو رغب بتعيين» الجماعة، مجرد رغبة، إلاّ أن قلوبهم مثل الصخر! تصوروا انهم استمعوا إلى شهادته، يوم الأربعاء في قصر العدل، لمدة ثلاث ساعات، والقهر أن اللي حقق معاه قاضية اسمها زافييه سيميوني، واتهمته بـ«اختلاس أموال عامة»! هذا بالله عليكم يسمونه اختلاس!
باختصار ووضوح، ومن دون لف أو دوران، الفرنسيون ما فيهم خير، بعد ما طاح الجمل كلهم تخلوا عنه! لو فيهم خير كان النواب وقفوا وقفة رجل واحد للدفاع عن نزاهته وإيمانه وتبرعاته للأعمال الخيرية. ولو في صحافتهم خير لنشرت مقالات دفاعا عنه، بس الدنيا ما فيها خير. وبعدين يقولون أساتذة العالم، ومخترعي المكرفون والنظّارة ومكينة الخياطة... وبلد النور والمؤسسات والحضارة والبطيخ!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1904 - الخميس 22 نوفمبر 2007م الموافق 12 ذي القعدة 1428هـ