غدا اليوم الأخيرفي عهد الرئيس إميل لحود. وحين يغادر الرئيس الحالي قصر بعبدا يفترض دستوريا أنْ يكون مجلس النواب اللبناني قد عقد جلسته ضمن المهلة القانونية وانتخب الرئيس الجديد للجمهورية.
احتمال عدم توصّل النواب إلى اختيار رئيس وفاقي أو متوافق عليه مسألة واردة في حال لم تتوصّل القوى الدولية والعربية والإقليمية والمحلية إلى تفاهمات تنقذ البلد الصغير من التدهور والانهيار والفوضى الأمنية. هذا الاحتمال ارتفعت نسبته بعد أن استجدت عقدة الاتفاق على اسم مترشّح واحد فقط من اللائحة التي وضعها البطريرك الماروني. والإصرار على اسم واحد يشبه في مفعوله السياسي/ الدستوري على ذاك الشرط الذي طالب بضرورة تأمين نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس. فكرة نصاب الثلثين إلى الأبد شكّلت عقدة دستورية يصعب تجاوزها في ظل انقسام البلد السياسي. فهي مستحيلة ويمكن أنْ تؤدّي إلى فرط الدولة وتحطيم الكيان. كذلك لاتختلف فكرة معرفة اسم الرئيس قبل التصويت له عن شرط نصاب الثلثين إلى الأبد.
كلّ هذه العقبات تجمعت روافدها ووصلت إلى نهايتها. غدا هو الموعد الأخير وبعده يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة وخطيرة قد تنهي موقع لبنان ودوره الخاص في المنطقة. وربما أيضا تؤدّي إلى وضع الطوائف والمذاهب اللبنانية في ساحة مكشوفة للتلاعب الدولي والإقليمي، وستكون «إسرائيل» هي الطرف الأوّل المستفيد من تداعيات الانهيار؛ لأنها تكون قد ارتاحت من النموذج المضاد والديمقراطية الوحيدة. وهذا لا شك يلقى الارتياح لدى أنظمة لا تريد إلى جوارها ذاك المثال المضاد للاستبداد والتفرّد في الحكم.
حتى الآنَ لاتزال احتمالات التسوية واردة، وخصوصا بعد أنْ بدرت تصريحات من جهات مختلفة تعلن عن مخاوفها من المجهول وتبدي استعدادها للتفاوض وتسوية الأمور ضمن سقف يضمن الاستقرار ويمنع الانهيار والفوضى.
فكرة التسوية تعتبر الحل العقلاني المفضّل ولكنها باتت محكومة خلقيا بتلك الأسماء التي وردت في لائحة البطريرك الماروني. فإمكانات تجاوز اللائحة ستصطدم باعتراضات مسيحية/ مارونية؛ لأنها تعيد توسيع دائرة المترشّحين في حين أنّ البطريرك حصر المعركة في ستة أسماء. وبسبب ذاك التنافر السياسي بين «8 و14 أذار» طارت ثلاثة أسماء قوية وهي: ميشال عون، وبطرس حرب، ونسيب لحود.
الآنَ استقرت المداولات العربية (عَمرو موسى) والفرنسية (برنار كوشنير) والمحلية (نبيه بري وسعد الحريري) على غربلة ما تبقى من أسماء وهي: ميشال الخوري، وميشال أده، وروبير غانم.
غانم تعتبره قوى «8 آذار» أقرب إلى «14» في حين تعتبره «14» المترشّح المناسب للتوافق، أده تعتبره قوى «14» أقرب إلى «8» في حين أنّ «8» تراه الشخص المناسب الذي تنطبق عليه مواصفات الرئيس الوفاقي. الخوري ترفضه «8» وتقبل به «14» في حال أقفلت الطريق أمام غانم. هكذا تدور الدائرة فهي تنطلق من الصفر؛ لتعود إلى الصفر. ولكن لعبة الوقت استنفذت دقائقها ولم يعد بالإمكان التأجيل؛ لأن المهلة الدستورية تراجعت إلى منطقة فراغ تهدد البلاد بالانهيار.
الفراغ أم الرئيس
الفراغ أم الرئيس. هذا السؤال يواجه البلد الصغير غدا. والجواب الذي سيقدّمه النواب يمكن أنْ يؤخّر أو يعجّل في سياسة الشحن والتوتير التي دأبت عليها القوى المحلية منذ التمديد النصفي للرئيس لحود قبل ثلاث سنوات. فالبلد يغلي وأهله يعيشون حالات قلق وتوتر يمكن أنْ تدفع به إلى دائرة نار لا يعرف مدى امتداداتها.
الفراغ وارد. كذلك انتخاب الرئيس. والانتخاب الذي بدأت نسبته تتراجع أمام تقدم الفراغ لا يحمل معه بالضرورة معجزة الحلول في حال توصّل النواب على التوافق على أحد «الميشالين».
ميشال الأوّل (الخوري) لا يستطيع إنقاذ البلد من لعبة التجاذب في حال رفضت «8 أذار» القبول به أو قبلت به على مضض. وميشال الثاني (أده) لا تتوافر عنده إمكانات أخذ السفينة إلى المرفأ في اعتبار أنّ الأنواء التي تحيط بالبلد الصغير وتعصف بالمنطقة تتجاوز حدود لبنان الجغرافية.
الفراغ سيبقى الرئيس الأقوى؛ لأن التجاذبات السياسية/ الأهلية التي تزعزع الكيان سيكون لها دورها في منع التوافق على استحقاقات دستورية أخرى لابدّ من قراءة ارتداداتها قبل انتخاب الرئيس وبعده.
حتى لو انتخب الرئيس، وهو الخيار المفضل، ستبقى الأزمة اللبنانية في مكانها؛ لأنها في أساساتها المضافة ليست محلية. والرئيس المنتخب سيكون أمامه مهمات صعبة تتمثل في مجموعة خطوات ميدانية يمكن اختصارها في ثلاث: الأولى استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة. الثانية استشارات نيابية؛ لتشكيل حكومة جديدة تتوافق عليها الكتل السياسية حتى تنال ثقة البرلمان. الثالثة مفاوضات فوق الطاولة وتحتها للاتفاق على بيان وزاري يعكس مختلف وجهات نظر القوى السياسية التي تلعب دورا مؤثرا في الساحة اللبنانية.
الرئيس هو مجرد الحصان الأوّل الذي يجر عربة الخيل. ولكن العربة اللبنانية رباعية الدفع ومحكومة بمجموعة حسابات محلية وإقليمية ودولية. وكلّ هذه الشروط الذاتية والموضوعية تشكّل عقبات وحواجز تمنع انطلاق العربة في حال لم تتوازن كل الأحصنة وتتعاون على توضيح الأهداف والاختيارات.
الفراغ أسوأ نهاية للبلد الصغير. ولكن انتخاب الرئيس لا يعني أن العربة اللبنانية انطلقت ولم يعد أمام الجمهورية مشكلات إضافية تواجهها في وقت تبدو الأولويات الدولية أخذت تتبدل وبدأت بترتيب قراءات سيعلن عنها قريبا بعد الانتهاء من «مؤتمر أنابوليس» في نهاية الشهر الجاري. فبعد توديع الوفود ستظهر على الشاشة الإقليمية إشارات ليست بالضرورة ستكون متوافقة مع توجهات دولية شهدتها المنطقة في السنوات الثلاث الماضية.
هناك الكثير من المؤشرات تدفع في ترسيم هذا الاحتمال أبرزها اللقاءات الأميركية - الإيرانية بشأن الملف العراقي، واللقاءات الأميركية - السورية بشأن الملفين اللبناني والفلسطيني، والقمّة السورية - الأردنية التي صدرعلى إثرها مجموعة بنود تضمنها بيان ختامي أشار إلى نقاط حسّاسة (العراق، فلسطين، ولبنان)، والاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بالرئيس بشّارالأسد بشأن تسهيل الانتخابات الرئاسية مقابل وعد بالانفتاح المرفق بالحوافز.
هذه اللقاءات والاتصالات والقمم والمهاتفات التي جرت في الأشهر الخمسة الأخيرة في شرم الشيخ وبغداد وباريس وبيروت وأنقرة ودمشق تشير إلى احتمال وجود متغيرات في البرامج الدولية والأولويات السياسية وخصوصا بعد تكرار الإعلان عن نجاح المفاوضات الثنائية والثلاثية التي وصفت بـ «الفنية» و«التقنية».
تعديل الأولويات تفترض ضمنا المقايضة وتبادل وجهات النظر في الترتيبات. وتبادل وجهات النظر يحتمل أيضا تبادل المصالح ومقايضة البضائع. وكلّ هذه المسارات محكومة إلى حد ما، بمدى نجاح الانتخابات الرئاسية في عبور المهلة الدستورية على خط موازٍ مع «مؤتمر انابوليس». وفي ضوء النتائج المترتبة عن الموعدينِ يمكن أنْ تشهد الشاشة الإقليمية إشارات سياسية تعيد ترسيم حدود ليست بالضرورة أنْ تكون متطابقة مع خرائط أعلن عنها سابقا.
غدا الموعد الأخير لانتخاب رئيس جديد لبلاد الأرز. وبعده سيدخل لبنان في اختيارات بديلة منها الفراغ وانهياراته ومنها التوافق واستدراكاته. وفي الحالين سيكون البلد الصغيرعرضة للضغوط الإقليمية في مرحلة تشهد فيها التجاذبات الدولية خطة عمل قد تعيد النظر في الأولويات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ