العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ

إيزابيل إيبيرهارت بين الواقع والحكاية في فيلم وثائقي جزائري

يتابع المخرج الجزائري المقيم في باريس علي عقيقة تصوير فيلمه الذي يتناول حياة المستشرقة ايزابيل ايبيرهارت (1877-1904) التي عاشت في الجزائر، واعتنقت الإسلام وتزوجت بجزائري قبل وفاتها في السابعة والعشرين من العمر بعد أن جرفتها السيول في الصحراء الجزائرية.

وجاء المخرج إلى الجنوب الجزائري ليصور فيلمه وسط كثبان الرمل التي عاشت بينها ايبيرهارت. يقول عقيقة «أحببت أن أرى الرمل والحجر في الصحراء وطريقة عيش ناس الصحراء لان ايزابيل ايبيرهارت عاشت بالطريقة نفسها مع الجمال وتحت الخيمة (...) أردت إعادة تشكيل تلك المشاهد والتقاط الديكور الطبيعي للمكان».

ويتم التصوير حاليا في عين الصفرا على بعد 100 كلم عن بشار في الجنوب الجزائري حيث توفيت ايزابيل ايبيرهارت بعد أن كانت ولدت في جنيف وهي أساسا من عائلة روسية.

ويقول المخرج إنه أنهى مرحلة التصوير في الواد حيث تعرضت ايبيرهارت لمحاولة اغتيال قبل أن يطردها الفرنسيون إلى فرنسا بتهمة الإخلال بالنظام.

وفي مرسيليا تزوجت بشاب جزائري في دار البلدية قبل أن تحصل على الجنسية الفرنسية وتعود وإياه للعيش في الجزائر.

واستند المخرج إلى عدة مراجع لإنجاز فيلمه، أولها كتابات ايزابيل ايبيرهارت نفسها التي وصفت فيها نظم عيش الجزائريين وعاداتهم وتقاليدهم، كما اعتمد على البيوغرافيا المهمة التي وضعتها رئيسة اكاديمية غونكور الفرنسية ادموند شارل رو التي اكتشفت في الأرشيف الروسي أن أب ايبيرهارت كان جنرالا في عهد القياصرة الروس.

واستفاد المخرج أيضا من المعلومات الواردة في كتاب وضعه كل من جان رينيه اوليه وماري اوديل دي لاكور اللذين عادا إلى أرشيف الاستعمار الفرنسي للجزائر المحفوظ في مدينة ايكس اون بروفانس الفرنسية ونقلوا كل ما له علاقة بتلك المستشرقة ونشروه.

ويقول المخرج أن المصدر الثالث الذي غذى عمله هو العودة إلى المكان الذي عاشت فيه ايبيرهارت إذ ما زالت الجمعيات الأدبية التي انتمت إليها في الواد تنشط لحفظ ذكراها.

ويتابع المخرج « في الواد اطلعت على أماكن باتت مهدمة الآن وكانت تضم غرفة نومها وأيضا المكان الذي كانت تصلي فيه والقهوة حيث كانت تدخن حشيشة الكيف».

وعن الشيء الأبرز الذي لمسه في شخصية ايبيرهارت يقول المخرج «أكثر ما مسني قدرتها على التحمل والمقاومة فهي كانت تعيش حياة تقشف في الصحراء مع قليل من الأشياء وقاومت الجوع والمرض ولم تكن تشتكي».

واهتم المخرج بإبراز التاريخ الحقيقي لتلك المرأة وأيضا حضورها في الذاكرة الجماعية والحكاية التي تختلف عن الواقع، ففي نظر سكان الواد هي لم تكن مسلمة وإنما جاءت لنشر المسيحية بينهم لهذا عمد احدهم من الزاوية التيجانية إلى محاولة قتلها.

يقول المخرج إنها اتهمت بالتجسس نظرا للعلاقة التي ربطت بينها وبين المارشال ليوتيه الذي كان يحضر للحرب في الصحراء «الناس هنا قالوا غنه وظفها كجاسوسة لكن علاقتهما ليست دليلا وبحسب تفسيري فان ليوتيه كان يحب الكتاب فضلا عن أن ايبيرهارت كتبت عن الجزائر والزوايا وطبيعة حياة الناس، هو كان يريد أن يعرف كل ذلك نظرا لرتبته العسكرية وما يحضر له».

وعملت ايبيرهارت مراسلة حربية لصحيفة «الأخبار» التي كانت تصدر آنذاك في الجزائر وربما كان تقربها من الماريشال للحصول منه على معلومات عن الحرب لصحيفتها.

وعند وفاتها تكفل الماريشال بدفنها في مقبرة إسلامية بناء على وصيتها كما أنقذ كتاباتها التي جرفتها السيول وأرسلها إلى مدينة الجزائر لأنه كان يعرف أهميتها كونها الوحيدة التي كتبت عن المجتمع الصحراوي الجزائري والاستعمار في تلك الفترة.

يقول المخرج الجزائري إن التحدي الأكبر بالنسبة إليه في هذا الفيلم «يتمثل في كوني استخدم الصورة التي هي لغة حديثة وأعمل على معالجة إشكالية جعل الصورة وفية للأدب وجمالياته (...) أحاول التصدي لهذا التحدي وأريد أن تكون الصورة في خدمة الأدب».

ويطرح الفيلم إشكال وأسباب استمرار حكاية ايزابيل ايبيرهارت حية في الأذهان إلى اليوم كما يبين أهمية العالم الروحي لهذه المرأة التي توفيت باكرا جدا والتي كونت رؤية صوفية وذكية للإسلام بعيدة عن الرجعية.

ويختم المخرج قائلا «ايزابيل ايبيرهارت كانت في نظري مسلمة حقيقية معجبة بالزوايا والتصوف وتحب الإسلام لكنها تخلت عن كل ما هو رجعي فيه، كانت مع الإسلام الحديث وفصلت بين التقاليد والعادات وبين ما هو في صلب الإسلام. كان لديها مفهوم مختلف عن الدين الاسلامي».

ويتم إنجاز هذا الفيلم بإنتاج فرنسي، لكن المخرج يريد من خلاله تقديم «صورة إيجابية للعالم العربي وإظهار أن الإسلام كما عاشته ايبيرهارت روحي وليس دينا رجعيا».

وأعرب المخرج عن الأمل بأن يتم عرض هذا الفيلم لاحقا في البلدان العربية «كي يتم التعرف على هذه المرأة التي جاءت من الغرب وأحبت بلادهم وأعطت قيمة لثقافتهم».

واخرج علي عقيقة في السابق عددا من الأفلام الوثائقية أولها فيلم «الزيتون» ومحوره فلسطين (1973) وفيلم عن ناميبيا ومكافحتها للعنصرية وفيلم عن إيران عند عودة الإمام الخميني إليها. أما آخر فيلم وثائقي له فأنجزه عن الشاعر الجزائري «جان سينيك».

العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً