تحدثنا في العدد الماضي من فضاءات - الوسط عن شيرلي تمبل، واحدة من أشهر نجوم الشاشة الصغار. استعرضنا قصة صعودها السريع لعرش النجومية ثم تفاديها السقوط المدوّي الذي يتلو ذلك الصعود عادة لدى معظم المشاهير الصغار.
اليوم نستعرض قصة شهرة ونجومية تشبه إلى حد كبير قصة تمبل، ولكنها هذه المرة تأتي من الشرق، من مصر، مهد السينما العربية ومركزها الأوّل إلى يومنا هذا.
نجمة اليوم هي حاملة لقب شيرلي تيمبل الشرق، أو شيرلي تيمبل المصرية، اسمها الحقيقي بيروز ارتين كالفيان وهي من مواليد العام 1943. ولدت فيروز لأسره أرمنية ولها عدد من الإخوة والأخوات منهم الفنانة نيللي أشهر مَنْ قدّم فوازير رمضان.
هي أشهر طفلة مصرية وعربية في السينما، بل هي نجمة أطفال السينما المصرية فيروز المعروفة باسم فيروز هانم أو «قطقوطة» نسبة إلى اثنتين من أنجح الشخصيات التي قدمتهما في السينما العربية والتي لم تمح من ذاكرة أجيال من محبي السينما رغم مرور عقود عديدة على تقديمهما. وتميزت فيروز على الرغم من صغر سنها بقدرتها الفائقة على الاستعراض والغناء والتمثيل.
صاحب الفضل في نجوميتها هو الفنان الراحل أنور وجدى، الذي قام بتغيير حرف الباء في اسمها إلى فاء؛ ليصبح فيروز بدلا من بيروز. لكن مكتشف مواهبها كان هو الفنان اللبناني إلياس مؤدب الذي كان صديقا لأبيها وكان يقضي معه أمسيات فنية بالبيت حيث يعزف الكمان وقد تغنى والدتها على أنغام الكمان. كانت فيروز تشارك والديها تلك الأمسيات، بحيث كانت ترقص على الموسيقى التي يعزفها مؤدّب. لفتت الصغيرة انتباه مؤدّب الذي لاحظ موهبتها وحاول تطويرها فقام بتأليف وتلحين مونولوج لتغنيه وحدَها. ولأنه كان يغنّي في حفلات منزلية اصطحبها معه لتؤدّي المونولوج في إحدى المرات.
أثارت الصغيرة إعجاب الحضور ولاقى مونولوجها نجاحا باهرا، فما كان من مؤدب إلا أن قرر إدخالها مسابقة مواهب في ملهى الاوبيرج الليلي. حينها كان الملك فاروق حاضرا للحفل، فأعجب بأداء الصغيرة التي لم تتجاوز الثامنة من عمرها. قوبل أداؤها ذاك بإعجاب لا مثيل له وبتصفيق حاد، كما حصلت فيروز على أوّل مكافأة في حياتها وكانت من الملك فاروق وهى عبارة عن خمسين جنيها. ويقال إنّ أوّل أداء لها كان أمام الخديوي «توفيق» في المسرح الروماني وأنه؛ أي الخديوي، أعجب بها بشدة ومنحها خمسين جنيها.
بعدها التف حولها المنتجون السينمائيون، فاختار مؤدب الفنان أنور وجدي من بين كلّ أولئك؛ ليوقع معه والد فيروز عقد احتكار تتقاضى عنه ابنته ألف جنيه عن كلّ فيلم.
دور أنور وجدي في حياة فيروز تمثل في تبنيها فنيا وتقديمها في عدد من أفلامه التي كان لها مخرجا وممثلا ومنتجا. في أول أفلامهما معا قام وجدي باستقدام مدربون أجانب؛ لتدريب الصغيرة لعدة أسابيع وذلك لتهيئتها لأوّل بطولة سينمائية. كان ذلك فيلم «ياسمين» الذي خاطر فيه وجدي بالكثير، وجاء عرضه العام 1950 وحين كانت فيروز لم تتجاوز عامها السابع. إنتاج الفيلم كان مفترضا أنْ يكون مشتركا بين وجدي والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، لكن عبد الوهاب، وبعد أن شاهد الصغيرة لم يشأ المغامرة بأمواله في فيلم تقوم ببطولته طفلة لا تتقن سوى غناء المونولوج.
كان أمرا جديدا على السينما المصرية وعلى جمهورها، خشي عبد الوهاب، لكن وجدي المعروف بروحه المغامرة خاض المخاطرة لوحده.
ولم تقتصر مغامرة وجدي على إعطاء البطولة للصغيرة التي لا يعرفها أحد بل إنّ موعد العرض الأوّل لفيلمه ذاك، جاء في نفس موعد عرض فيلم «شمشون ودليله» العالمي في دور العرض في القاهرة.
صباح العرض ظهر إعلان في الصحف المصرية يدعو كلّ أطفال مصر لحضور حفله العاشرة صباحا التي سيعرض فيها الفيلم ثم ستقوم البطلة الصغيرة فيها بتوزيع هدايا على الأطفال. بالفعل تم وضع مئات الهدايا بسينما الكورسال وتعليق مئات البالونات في صالة السينما.
بعدها قدمت فيروز فيلم «فيروز هانم» العام 1951، ثم فيلم «صورة الزفاف» العام 1952.
العام 1953 شهد فيلم «دهب» الذي قدم فيه أنور وجدي الصغيرة التي أصبحت في العاشرة من عمرها وهي تؤدي رقصات تشبه تلك التي تقدّمها راقصات شهيرات أمثال: سامية جمال، وبديعة مصابني، وتحية كاريوكا.
هنا يأتي أحد أوجه التشابه بين فيروز وشيرلي تيمبل، التي اتهمها البعض من النقاد بتقديم نوع مختلف من الإثارة والغواية. فيروز، وعلى حد تعبير أحد النقاد «على رغم ضآلة جسدها فعلت ما هو من شأن الكبار في المقام الأوّل، فالرقص الشرقي قائم على الحسية، وهز الجسم، وهو رقص غريزي في المقام الأوّل»
كذلك شهد العام 1953 انفصال الصغيرة عن أنور وجدي إذ إنه وبعد النجاح والشهرة الواسعين اللذين حققتهما فيروز في أفلامها مع وجدي، قرر والدها الانفصال عن وجدي، فرفض تجديد عقد الاحتكار معه، وقرر أنْ يقوم هو بإنتاج أفلامها. قام بإنتاج فيلم «الحرمان» في الوقت الذي كانت هي قد بلغت 13 عاما وكان ذلك في العام 1953، وقد ظهرت فيه فيروز إلى جانب شقيقتيها الفنانة الاستعراضية نيللي وشقيقة ثالثة لهما هي ميرفت. وعلى رغم ما قد يتبادر إلى الذهن من أنّ والد فيروز أراد بهذا الفيلم تعزيز نجومية ابنته، إلا أنّ الفنانة نيللي تصرّح بعدها عبر مذكراتها التي نشرت في إحدى المجلات المصرية أنّ كل الجهود في هذا الفيلم بذلت من أجلها، وأنّ «الفيلم كان من بطولتنا نحن الثلاث، ولكن كان التركيز على شخصي.. فقد أراد الأستاذ محمود ذو الفقار ووالدي أنْ يركزا على موهبتي. فاختار لي الجمل الخفيفة والكلمات المضحكة التي تحدث أثرا طيّبا لدى الجمهور كما أنها كانت أوّل مرة يكتب فيها اسمي كبيرا على إعلانات الفيلم» .
بعد «الحرمان» توقفت فيروز عن العمل لمدة ثلاث سنوات، ثم عادت لتقدم عددا من الأدوار الدرامية التي تتناسب مع عمرها ، من بينها «صورة الزفاف» و»عصافير الجنة». بعدها قدمت أربعة أفلام لم تحقق نجاحا منها فيلم «إسماعيل ياسين للبيع» و»ايامى السعيدة» العام 1958 وهو من أخراج أحمد ضياء الدين. بعد هذه الأفلام الأربعة التي كان آخرها فيلم «بفكر في اللي ناسينى» لحسام الدين مصطفى، الذي قدّمته عند بلوغها السادسة عشر من عمرها وكان ذلك في العام 1959. بعدها، قررت فيروز التوقف عن العمل من أجل الحفاظ على صورتها كطفلة شقية في أذهان الجمهور. وكانت بدايات فيروز مع إسماعيل ياسين تعود إلى فيلم «إسماعيل ياسين طرزان» لنيازي مصطفى، وكان أوّل أفلامها مع إسماعيل ياسين، إذ شاركت فيه وهي طفلة وكان ذلك في العام 1955. أثناء عملها بفرقه إسماعيل ياسين تعرفت على زوجها الراحل بدر الدين جمجوم وتزوجا وأنجبا طفلين هما: أيمن وإيمان.
هجرت فيروز أضواء السينما عند بلوغها العشرين، مرة أخرى، كنظيرتها في الغرب، شيرلي تيمبل. ومثل تيمبل أيضا فقد قررت فيروز الهروب والانعزال بحياتها، وهي التي اعتادها الجمهور طفلة شقية لا ينتظر منها سوى الاستعراض وخفة الظل، ولا يتقبلها في أية أدوار أخرى، على رغم ما حققته من نجاحها في أدوارها التراجيدية والدرامية.
كرمت فيروز العام 2001 في مهرجان القاهرة السينمائي، وتعيش حاليا حياة طبيعية بعيدة عن الأضواء والنجومية، تقضيها بين النادي الرياضي وزيارة أبنائها وأحفادها.
فيروز هانم ... طفلة شقية أحبّها الجميع صغارا وكبارا، ومعجزة سينمائية لا تتكرر، رغم ما يشاع عن سعي البعض الدائم بحثا عمن يشبهها اليوم. عبر عقود عديدة ظلت أفلامها هي الأهم حين يأتي الحديث لسينما الأطفال. جعلتها السينما المصرية نجمة يشار إليها بالبنان، لكنها بعد ذلك لفظتها وهجرتها بعنف. تسبب ذلك في أزمة نفسية حادة تحدثت عنها فيروز في أحد لقاءاتها التلفزيونية، جعلتها تهجر الأضواء وتقرر الرحيل من الاستوديوهات إلى غير عودة. وقد يكون ما زاد الطين بله للصغيرة التي كبرت، هو أن ترى الأضواء تتوجّه لشقيقتها الصغرى نيللي، هاجرة إياها، غير مكترثة؛ أي السينما، لكل ما قد يكون لذلك من أثر على علاقة الشقيقتين.
قصتها تشبه الى حد كبير تلك التي قرأناها الأسبوع الماضي عن شيرلي تيمبل. هي أيضا وجدت ملجأ لها في الحياة الأسرية وفي تربية ولديها أيمن وإيمان بأفضل ما يكون. لكن فيروز لم تكن محظوظة كما كانت تيمبل، إذ لم تفتح لها سرايا عابدين، ولا أي سرايا أخرى، ذارعيها كما فعل البيت الأبيض مع توأمها الروحي شيرلي تيمبل.
العدد 1903 - الأربعاء 21 نوفمبر 2007م الموافق 11 ذي القعدة 1428هـ