ترتبط ظاهرة التسول في أذهاننا بالدول النامية. وفي ذلك الكثير من المنطق، إذ إن هناك علاقة طردية مباشرة بين الفقر والتسول. وحتى عندما نشاهد بعض حالات التسول في البلدان المتقدمة، غالبا ما نعتبرها ظاهرة إستثنائية في تلك البلدان. الجديد في هذا الأمر هو ما يجري في سويسرا، إذ تشن سلطات جنيف حملات جديدة لمحاربة التسول من أجل تطبيق مخططها الهادف للقضاء على ظاهرة التسول في شوارع المدينة، وهو المخطط الذي سيتواصل بترحيل المخالفين بعد تفكيك مخيمات إقامتهم. ويذهب البعض إلى أن ظاهرة التسول قد تفاقمت في جنيف في أعقاب إقرار البرلمان المحلي لمشروع قانون تقدم به الاشتراكي لوران موتينو يلغي معاقبة التسول، وأدى إلى اندلاع جدل سياسي على مستوى الكانتون.
ومن واقع مشاهدتنا نلحظ أن التسول قد تحول اليوم إلى ظاهرة تبرز في مختلف أنحاء العالم، إذ لا تكاد تخلو دولة أيا كانت من متسولين وأصحاب حاجة وعوز، ولا تخص مجتمعات بعينها دون غيرها. وبذا تحول التسول من ظاهرة إلى سلوك تختلف درجة ممارسته من مجتمع إلى آخر، والطبيعي أن تكون الحاجة وحدها هي الدافع لهذا السلوك إلا أنه في الآونة الأخيرة نبتت ظاهرة (الاحتيال) وسط بعض المتسولين، أو على الأصح الذين يدعون الحاجة وما هم بمحتاجين.
والتسول هو طلب مال، طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات او بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها تواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك. «من مال الله يا محسنين»، «حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة» وغيرها من الكلمات المستعملة من المتسولين لاستدراج عطف وكرم الآخرين.
ويعد التسول وسيلة ممقوتة وبغيضة من وسائل الكسب السهلة وغير المشروعة التي تفرز أفرادا من مختلف الفئات العمرية يكونون عالة على المجتمع ويسهمون في ضعفه وهوانه وتقديم صورة سيئة عنه.
وتاريخيا كانت ظاهرة التسول مقرونة بالفقر والاحتياج، وكانت حكرا على فئة معينة بذاتها من فقراء ومساكين وجدوا أنفسهم على هامش الحياة لا معيل ومعين، أما اليوم فاتسعت الدائرة كثيرا ويرجع ذلك لغياب الضبط والقانون الواضح للحماية الاجتماعية، ولتفاقم حدة البطالة بموجة التسريح التي شملت آلآف المناصب. وعالم التسول مليىء بالأسرار والألغاز المحيرة، ويضم أشكالا مختلفة من المتسولين.
وتعتبر ظاهرة التسول في الدول النامية والمتطورة المتحضرة آفة اجتماعية كبيرة وخطيرة تشوه سمعة المجتمع عموما. ومع قيام الدولة المستقلة بمفهومها المعاصر بدأ دور معظم مؤسسات المجتمع المدني التقليدي يضمحل من حالة مجتمع يعيش وضعا اقتصاديا واجتماعيا تقليديا إلى مجتمع الرفاهية والحياة المدنية. ومن خلال هذا التطور حرصت الدول على وضع سياسة اجتماعية تحفظ كرامة وحقوق الإنسان فعلى رغم التفاوت في مستوى المعيشة الا أن الدول تبادر من خلال المؤسسات الخيرية إلى تلبية احتياجات المواطن وخصوصا الأسر المتعففة وذوو الدخل المحدود وكبار السن والأرامل والمطلقات، واستطاعت هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية وإلى حد كبير تغطية تلك الاحتياجات وتقديم المساعدة للمحتاجين من الأسر المتعففة والأيتام بالاضافة إلى أهدافها الخيرية والإنسانية الأخرى .
كلنا يعلم الأسباب التي تقود البعض إلى التسول، فعامل النزوح بسبب الحرب مثلا يعتبر من أقوى أسباب التسول، إذ أن النازح يجد نفسه في وسط غير الوسط، ومجتمع قد يختلف عن مجتمع النشأة، ما يحدث خللا نفسيا، يفقد الفرد الاتزان، فيكون التسول سبيله، لسد الرمق، متعللا بأنه غريب في المدينة.
أيضا العامل الاقتصادي، وتدهور الأحوال المعيشية من العوامل المحورية في قضية التسول، فالتضخم الذي تشهده أسواقنا أدى في النهاية إلى عجز ميزان الأسرة في إشباع الحاجات الضرورية كالغذاء والسكن والصحة والتعليم وما إليها من حاجات ضرورية لحياة الإنسان، فيكون رد الفعل الطبيعي هنا طرق كل باب يمكن من خلاله إشباع هذه الحاجات.. والتسول هو إحدى هذه الأبواب المشرعة لدى البعض.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ