العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ

الرئاسة اللبنانية في مواجهة القبائل السياسية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سؤال: هل يتوجه النواب إلى البرلمان اللبناني اليوم وينتخبون الرئيس الجديد بناء على الأسماء التي وردت في لائحة البطريرك الماروني؟ المعلومات تشير إلى أن جلسة اليوم لن تُعْقَد ويرجح أن تؤجل إلى الجمعة المقبل أي بعد 72 ساعة وقبل لحظات من نهاية عهد الرئيس الحالي اميل لحود.

سؤال: هل يتوافق النواب على اسم رئيس وفاقي في الساعات المقبلة وتعقد الجلسة ليلة الجمعة ويُنْتَخب رئيس جمهورية صغيرة شغل اهتمام الدول الأوروبية والولايات المتحدة وإيران وجامعة الدول العربية؟ المعلومات متأرجحة بين تيار يغلِّب التوافق في اللحظات الأخيرة، وتيار يغلِّب الانقسام ودخول الجمهورية مرحلة فوضى دستورية تعرف بدايتها ولا تعرف نهايتها.

بين التوافق والانقسام «شعرة معاوية». فالاتجاه الأول يقتضي وجود مؤشرات دولية وإقليمية ومحلية يعطي الضوء الأخضر لتمرير فترة خطيرة ويجنب «لبنان الصغير» احتمال بعثرته إلى دويلات طوائف (فيدراليات مناطقية) أو انقسامه إلى كتلتين سياسيتين تديران الأزمة باتجاهات متعارضة. والاتجاه الثاني يتطلب الاستمرار في التعامل مع الأزمة اللبنانية بالأسلوب الاعتباطي الذي اعتمد دوليا وإقليميا ومحليا منذ التمديد للرئيس لحود في العام 2004.

سؤال: هل بالإمكان معالجة تلك العقبات وتجاوز كل الحواجز في الشوط الأخير من المهلة الدستورية؟ المؤشرات تدل على أن الأزمات التي عجزت الدول الكبرى والإقليمية والعربية على معالجتها في السنوات الثلاث الماضية يصعب تصور إمكان التفاهم على وضع حلول لها في فترة لا تتجاوز الأيام الثلاثة. الملف النووي الإيراني لايزال عرضة للتجاذب الدولي والتأويل القانوني ويرجح أن يأخذ دورته الزمنية قبل التوصل إلى صيغة متوازنة ومعقولة ترضي كل الأطراف المعنية به. الملف الفلسطيني يحتاج إلى سنوات للمعالجة والترتيب سواء انعقد «مؤتمر أنابوليس» في الولايات المتحدة أو لم ينعقد نهاية الشهر الجاري. الملف العراقي لايزال يخضع للتحولات ولم يستقر حتى اللحظة على تفاهمات تضمن استقرار بلاد الرافدين ووحدتها السياسية بعد أن نجحت الطوائف والمذاهب بإشراف الاحتلال الأميركي في نهش الدولة ونهب ثرواتها وتفكيك علاقاتها الأهلية.

كل الملفات الإقليمية عالقة. وحين يكون وضع الأقاليم (المحيط الجغرافي) غير مستقر فمعنى ذلك أن حال لبنان لن تكون إلا على صورة المنطقة ومثالها. وهذا الانغلاق الإقليمي يتطلب الذهاب محليا إلى صيغة توافقية (تعايشية) تضبط إيقاع الأزمة الرئاسية في لبنان تحت سقف دولي/ إقليمي يمنع الانهيار ويعطل إمكانات الانفجار الأهلي/ السياسي.

ضبط التعايش

سؤال: هل بالإمكان ضبط التعايش الأهلي ومنع طوائف لبنان ومذاهبه من الانزلاق نحو اقتتال سياسي يفكك الكيان أو يشرذمه إلى حكومتين تتنازعان صلاحيات الدولة وفق برامجَ متعارضةٍ؟

هناك أكثر من احتمال، الأول أن يتوجه النواب ليل الجمعة إلى البرلمان وينتخبون ذاك الرئيس التوافقي الذي يقال إنه يتراوح بين «ميشالين» ميشال أده أو ميشال الخوري، والثاني أن يرفض النواب التوجه إلى عقد جلسة الانتخاب فيدخل البلد منطقة الفراغ الدستوري.

الاحتمال الأول يعني أن نواب المجلس تفاهموا على خطة عمل تقضي بالالتفاف حول الأزمة والتوافق على استمرارها من دون معالجة لأسبابها باعتبار أن عوامل الأزمة ليست محلية بقدر ما هي نتاج انقسامات وفوضى إقليمية. وهذا الاحتمال ليس حلا، ولكنه محاولة لتجنيب بلاد الأَرْز انقسامات أهلية ممتدة إقليميا ولا تجلب سوى الخراب لكل الطوائف والمذاهب. هذه المحاولة تبدو مرجحة في حال صدقت توقعات الاتصالات الجارية الآن بين الدول الكبرى وعواصم المنطقة الإقليمية والعربية. فالكل يشير إلى حل إنقاذي في اللحظات الأخيرة يعتمد سياسة ترك الأمور على حالها ومنع القبائل السياسية (الطوائف والمذاهب) من الإغارة على مناطق بعضها بعضا. وإبقاء «القبائل» في أمكنتها يعتبر الآن سياسة حكيمة؛ لأنها تمنع الغزوات والانقضاض على الغنائم كما حصل في العراق بعد احتلاله في العام 2003. ومثل هذه السياسة الحكيمة تتطلب عقلية انتظارية تعتمد على استمرار تدفق «المال السياسي» إلى بلاد الأَرْز لترويض القبائل وقبولها بالأمر الواقع حتى لا تشعر بالجوع وتضطر إلى النهش والقضم والتقطيع.

الاحتمال الثاني يرجح الذهاب نحو الفراغ الدستوري. والفراغ الدستوري يفترض ظهور سيناريوهات سياسية ليست بعيدة عن أجواء الفتنة الطائفية والانقسامات المذهبية والمناطقية. فهناك سيناريو انتخاب رئيس بنصاب الغالبية (نصف زائد واحد) وخارج شرط نصاب الثلثين. وهناك سيناريو تعيين رئيس حكومة انتقالية في اليوم الأخير من عهد الرئيس لحود. وهناك سيناريو استمرار حكومة فؤاد السنيورة في إدارة شئون الدولة في مهلة يطلق عليها «حكومة تصريف الأعمال» بانتظار التوافق على حل لأزمة الرئاسة. وهناك سيناريو يدفع التجاذب الأهلي باتجاه المزيد من التشنج والتوتر وصولا إلى الاصطدام السياسي الذي يعيد إنتاج مجموعة «حروب صغيرة» تقضي على ما تبقى من عمران لبناني ويفضي في النهاية إلى انقسامات ليست بعيدة عن ذاك النموذج الأميركي الذي أسسه الاحتلال في العراق.

سؤال: ما الصيغة المفضلة لبلاد الأَرْز في ظروف شديدة التعقيد تمر بها المنطقة العربية والأقاليم المحيطة بالجغرافيا اللبنانية؟ هناك قراءات مختلفة لسيناريوهات الأيام الثلاثة الأخيرة من عهد لحود. البعض يرجح الذهاب نحو المزيد من التطرف والدفع نحو التأزم لتشجيع القوى الإقليمية على التدخل بغطاء دولي يكرر السيناريو الذي توافقت عليه القوى الدولية والعربية في العام 1976. وهذا السيناريو يعني إعادة توكيل القوى الإقليمية (دمشق وتل أبيب) بإدارة الأزمة اللبنانية في سياق مبرمج ومضبوط في غاياته وأهدافه.

البعض الآخر يفضّل الذهاب إلى إعادة النظر في الصيغة اللبنانية والعمل على ترتيبها وفق هرمية تنظيمية تعتمد نهج تشطير بلاد الأَرْز إلى «كانتونات» تضمن حقوق المسيحيين في دائرة جغرافية مصغرة وتترك ما تبقى من مساحة لبنانية للطوائف المسلمة. وفي الحالة المذكورة يصبح البلد الصغير ساحة مكشوفة ومفتوحة للتدويل وربما لمزيد من الحروب الأهلية في داخل الكانتونين: المسيحي والمسلم.

الحل العقلاني المفضّل يعتمد أسلوب الانتظار، أي اختيار رئيس يدير الأزمة وغير قادر على حلها باعتبار أن كل فريق يقفل الطريق على الآخر. والتوافق على مدير للأزمة يقتضي عقلية تسووية تدرك أن خسارة نقاط في المواجهة أفضل بكثير من خسارة المواجهة كلها. وبما أن عناصر القوة والضعف ليست محلية وإنما تمتد جغرافيا وإقليميا ودوليا تصبح فكرة الانتظار هي المرجحة؛ لأنها على الأقل تحافظ على هدنة القبائل وتمنع انجرارها نحو الغزو والانقضاض على الغنيمة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً